استضافت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في المحاضرة الثالثة من سلسلة محاضراتها الشهرية، يوم الثلاثاء 2 أيار/ مايو 2023، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الكويت، غانم النجار، الذي قدّم محاضرة بعنوان "الاقتصاد السياسي للأرض في الخليج: سياسة التثمين في الكويت نموذجًا". عُقدت المحاضرة في مقر المركز العربي، وأدارها الباحث عبد الرحمن الباكر.

استهل النجار محاضرته بالتنصيص على أهمية الأرض، مشيرًا إلى مبدأ عام يعتقده، وهو "أنّ الأرض حقيقة، والدولة متخيلة"، وأنّ ما يميّز الأخيرة من غيرها من التنظيمات هو مفهوم السيادة، الذي هو في حدّ ذاته مفهوم نسبي لا مطلق. وأوضح أنّه لا يمكن أن يقوم اقتصاد حقيقي في الدولة من دون قيام أرض مستصلحة قادرة على المساهمة في الإنتاج والتنمية الاقتصاديَين.

إن دول الخليج حديثة النشأة، وموضوع الأرض وملكيتها مرتبط جزئيًا بكيفية التصرّف في أملاك الدولة ودور الأسر الحاكمة في ذلك، وبالملكية الخاصة للأراضي. وهو موضوع يتفاوت بين دولة خليجية وأخرى، حيث إنّ توزيع الأراضي مرتبط بالأسر الحاكمة في دول الخليج، وذلك في إطار الحديث عن "أملاك الدولة". وأشار المحاضِر إلى أن ثمّة صعوبات في تحصيل بيانات عن كيفية استخدام الأراضي في هذه الدول.

ثم انتقل النجار إلى الحديث عن حالة الكويت، التي أخذت مسارًا مختلفًا عن غيرها، في رأيه، لكونها من الدول القليلة التي أمّمت أراضيها، إذ تصل نسبة الأراضي المؤمّمة إلى 97 في المئة من أراضي الدولة. ومن ثم، أصبحت هذه الأراضي أملاكَ دولة، وليست أملاكًا للأسرة الحاكمة، ولا تستطيع الأخيرة التصرف فيها. وربط هذا التحول بارتفاع عوائد النفط على الدولة الكويتية، منذ مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، إذ ارتفعت من نحو 4 ملايين جنيه إسترليني إلى 60 مليون. وقد وضعت القيادة السياسية في الكويت آنئذ (ممثلة بالشيخ عبد الله السالم الصباح 1895-1965)، هذه العوائد المالية الكبيرة في مسارين. الأوّل هو مسار الاستثمارات، إذ أقنع الإنكليز الشيخ الصباح باستثمار هذه الأموال في بريطانيا، فتأسَّس مجلس الاستثمار الكويتي في لندن في عام 1953، وهو أوّل صندوق ثروة سيادية في العالم، بحسب النجار، وقد تمتّع باستثناءاتٍ ضريبية مختلفة عن كل الجهات الأخرى، وما زال يحتفظ بهذه الصفة. أمّا المسار الثاني فتمثل في مشاريع التنمية، التي استلزمت طرح مسألة الاستملاكات. وقبل ذلك، لم تكن ملكية الأراضي موضوعًا مطروحًا، حيث كانت الأرض مشاعًا، وكان بعض أفراد الأسرة الحاكمة يمنحون الأراضي بوصفها "سند هبة"، لأسباب مختلفة، وهو الأمر الذي شابَهُ فسادٌ كبير، لا سيما حين بُدئ في تسجيل الأراضي. ويشخّص النجار أن هذا قاد إلى نشوء صراع اقتصادي - سياسي، إذ اعترض عدد من أفراد الأسرة الحاكمة والتجار على تسجيل الأراضي بناءً على سندات الهبة. ولذلك، أصدر الشيخ عبد الله السالم الصباح، في عام 1954، قرارًا يعدّه النجار تاريخيًا، بتأميم أراضي الدولة، ونصّ فيه على خط التنظيم العام، وأنّ ما هو خارج هذا الخط هو أراضٍ أميرية، أي أملاك للدولة. واستمرّت عملية الاستملاكات إلى عام 1982.

وقال النجار، من خلال تحليله عملية الاستملاكات، إنّ هذه العملية لم تتوافر فيها مساواة ولا عدالة. فالاستملاكات تحدث عندما تريد الدولة أن تقيم مشروعًا يقع على ملكية خاصة، فتقوم باستملاكه بصيغة جبرية، أي تنزع الملكية الخاصة لغرض المنفعة العامة. وإذا ما أراد المالك تقديم شكوى بهذا الخصوص، فإنّه يلجأ إلى لجنة التظلُّمات، وأقصى ما يمكن أن يحصّله هو رفع سعر الأرض وليس رفض استملاك الدولة لها. وبينما حاولت الحكومة في بدايتها الحصول على استشارات، فإنّ توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من خلال دراسات أُجريت في عامي 1961 و1962، أفادت بأنّه يجب إيقاف سياسة الاستملاكات العامة.

وخلص إلى أن تأميم الأراضي وسياسة الاستملاكات أدّيا إلى الإخلال بإمكانية قيام مشاريع على أسس اقتصادية، وأصبحت تقوم على أسس سياسية، إضافة إلى أن ملكية الأراضي ارتبطت بقيمةٍ أخرى، وهي قضية السكن، على نحو أدى إلى استفحال إشكالية ملكية الأراضي وتثمينها. واختتم محاضرته بالدعوة إلى المزيد من البحث في سياسة الأراضي في بلدان الخليج.

عقب ذلك، شهدت المحاضرة إقبالًا وتفاعلًا واسعَين، فطرح عددٌ من الحضور تساؤلاتهم حضوريًا عن محاور عدّة شملت دور القبيلة وطبيعة ارتباطها بالأرض، وسياسة تثمين الأراضي في المشرق العربي وما قبل الدولة الحديثة في الخليج العربي، ونمط الاستعمار وإشكالية ملكية الأراضي، وغيرها.