استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مجموعة من الخبراء ضمن ندوة بعنوان "الطائفية والسياسة الخارجية الإيرانية"، في 28 نيسان/ أبريل 2022، أدارها مهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية وأستاذ القضايا الحكومية في جامعة جورجتاون في قطر، وشارك فيها شهرام أكبر زاده، أستاذ باحث في سياسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في جامعة ديكين بأستراليا ومنسّق منتدى دراسات الشرق الأوسط في معهد ألفرد ديكين؛ وفنر حدّاد، أستاذ مساعد في قسم الدراسات الإقليمية والعابرة للثقافات في جامعة كوبنهاغن بالدنمارك؛ وإدوارد ويستندج، محاضر أوّل في السياسة والدراسات الدولية في الجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة.

استهلّ أكبر زاده الندوة مستعرضًا دور الطائفية في السياسة الخارجية الإيرانية، ومبيّنًا أنّ سياسة الجمهورية الإسلامية الخارجية كانت تنظر إلى العالم، في سنوات نشأتها الأولى، من منظورٍ عقائدي، وكان ذلك يعكس وجهة نظر آية الله الخميني القائلة بأنّ الدول الغربية عزلت إيران التي باتت تمثّل العالم الإسلامي ضدّ الغرب. وتعزّزت هذه النظرة خلال الحرب الإيرانية - العراقية حينما دعمت العديد من القوى الإقليمية، إضافة إلى الولايات المتحدة، العراق.

وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران بوصفها ردّة فعل تجاه سياستها الخارجية، وخاصة بعد حادثة اقتحام السفارة الأميركية في طهران. ومنذ ذلك الوقت، ركّزت السياسة الخارجية الأميركية على احتواء إيران، ما أنتج علاقةً مبنيّةً دائمًا على الخوف وانعدام الثقة. وشكّلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر فرصةً أمام البلدين لتحسين علاقاتهما، غير أنّ ذلك لم يدُم طويلًا بسبب "الحرب على الإرهاب" التي شنّها جورج دبليو بوش، والتي أكّدت لإيران أنه لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة. وأدركت إيران عجزها عن الصمود أمام قوّة الأخيرة، فلجأت إلى بناء القدرات غير المتكافئة، أي البحث عن طرقٍ للتفوّق على أساليب الحرب التقليدية. وفي هذا السياق، قال أكبر زاده "إنّ فكرة عقيدة ʼالدفاع الأماميʽ هي تعبير عن مواجهة التهديدات قبل حدوثها على الحدود الوطنية وردع الهجمات بجعلها مكلفةً لكلّ من يتجرّأ على شنّ هجومٍ عسكريٍّ على إيران".

ونظرًا إلى النهج الذي اعتمدته إيران في سياستها الخارجية، فإنها لم تنجح في استقطاب حلفاء إقليميّين، فاكتفت بإنشاء علاقات مع عددٍ من الجهات الفاعلة على مستوى ما دون الدولة، التي كانت غالبًا جماعات الأقليات أو مجتمعاتٍ عانت الاضطهاد. وبحسبه، يكمن العامل المشترك الذي يجمع بين الجهات الفاعلة بالوكالة التابعة لإيران في كون أغلبيّتها تنتمي إلى الطائفة الشيعية، باستثناء حركة حماس. وجادل بأنّ إيران لم تُنشَأ لتكون قوّةً طائفية، بل لتكون المدافعة عن الأمّة والمستضعفين، كما ينصّ على ذلك الدستور الإيراني. وأضاف أنّ ديناميات مثل طبيعة سياسات الشرق الأوسط الإقليمية وتهميش المجتمعات الشيعية، ولا سيّما تلك في المملكة العربية السعودية، قد تسبّبت بتوافر آذان صاغية للرسالة الإيرانية. ونتيجةً لذلك، تستطيع إيران الوصول بسهولة إلى السكّان والمجتمعات الشيعية في هذه البلدان. وأكّد أنّ سياسة إيران الخارجية هي ردّ واقعي على التهديدات الخارجية الناتجة من عدائها للولايات المتحدة وحلفائها، ما يؤدي إلى حلقةٍ دائمةٍ من انعدام الثقة والخوف.

ومن جهته، تابع فنر حدّاد النقاش من خلال التركيز على مفهوم الطائفية، لأنه غالبًا ما يُستخدم للدلالة على التنافس الجيوسياسي بين بعض البلدان العربية وإيران، أو يقتصر على عرض قوّة إيران في الخارج. وبيّن أن نهجًا بديلًا يصف الأساليب والأهداف التي تعتمد عليها السياسة الإيرانية بالطائفية، على الرغم من أنّ تعريف هذا المصطلح ليس واضحًا بعد. وأكّد أن إيران تستخدم الطائفية لتعزيز حالة من التضامن الشيعيّ العابر للحدود، وذلك في سعيها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وهناك أمثلة عديدة عن الاعتماد الاستراتيجي لإيران على السرديات والشبكات الشيعية، منها: حمايتها للأماكن المقدّسة في سورية، ودعمها للميليشيات الشيعية وتجنيدها في أفغانستان وباكستان لتحارب في سورية. وأوضح أنّ إيران، مثلها مثل أيّ جهة فاعلة أخرى، تسعى وراء تحقيق مصالحها، وأنّ أدوات سياستها الخارجية تتضمّن أدوات غير تقليدية مثل إثارة النعرة المذهبية.

وردًّا على سؤال كيف ومتى يتمّ استخدام الطائفية، قال حدّاد إنّ "فاعلية وإمكانية التلويح بورقة الطائفية بالنسبة إلى إيران تختلفان عن الحالات الأخرى بسبب طبيعة الدولة الإيرانية الحالية، وهي دولة نصّبت نفسها دولةً إسلاميةً تدّعي أنها تمثّل وحدة الطائفة الشيعية". وتسعى إيران إلى أن تكون راعية للشيعيّة على المستوى الدولي، وتشكّل قوة جذب بالنسبة إلى حركات الشيعة في مختلف أنحاء العالم. وناقش أنّ الضعف الديموغرافي للحالة الشيعية وأهمية الوحدة الإسلامية في النظام العقائدي الإيراني يشيران إلى أنّ الطائفية لا تصبّ دائمًا في مصلحة إيران، ما يدفع البلاد إلى التقليل من أهمية هويتها الشيعية على الساحة الدولية.

وإضافة إلى ذلك، لا يؤدي دومًا استعمال ورقة الطائفية إلى نتيجةٍ مباشرة. صحيحٌ أنّ إيران تتمتّع بقوة ديموغرافية وتملك الأدوات والوكلاء لممارسة السياسات الطائفية في العراق، إلا أنّ هذه السياسات ارتدّت عليها في السنوات الأخيرة، ما أدّى إلى تنامي المشاعر المعادية لإيران في العراق. ويعبّر عن هذه المشاعر السلبية، أكثر من أي وقت مضى، الجمهورُ التي تستهدفه إيران، وخاصة الشباب الشيعي. وختم حدّاد حديثه بالقول إنّ العراق شهد تغيّرات مهمة في السنوات الأخيرة، وليس من الواضح ما إذا كانت السياسة الإيرانية قد واكبت هذه التطوّرات.

وختم الحلقة النقاشية إدوارد ويستندج الذي تحدّث عن العلاقات الإيرانية - السعودية في سياق تناوله للنزعة الطائفية، وقدّم لمحة عامة عن التنافس الإيراني - السعودي، وشرح نظرة إيران تجاهه معلّلًا أنّ الطائفية ليست العامل المحرّك وراء هذه العلاقة المعقّدة بين إيران والسعودية؛ فمخاوف إيران الرئيسة بالنسبة إلى علاقتها بالمملكة العربية السعودية هي في الأساس جيوسياسية، ومرتبطة بعلاقة كلّ من البلدين بالولايات المتحدة. وقال ويستندج "عندما يتعلّق الأمر بالدّين، فقد روّجت طهران طويلًا لفكرة أنّ الوهّابية السعودية تشكّل تهديدًا، وقد غطّت على تبريراتها للإجراءات التي اتخذتها في منطقة الشرق الأوسط على النطاق الأوسع". وقال يعتقد الإيرانيون أنّ المملكة العربية السعودية تروّج لأجندة طائفية في المنطقة، وأنّ إيران تردّ بطريقةٍ دفاعيةٍ لحماية السكان المضطهدين والمجتمعات الشيعية. وقال أيضًا إنّه ضمن هذا التنافس، "هناك إضفاء للطابع الجيوسياسي على الهوية، التي يتمّ التعبير عنها من خلال استغلال الدين لتبرير مواقف سياسية معيّنة". وتابع بالقول إنّ هناك طرقًا عديدة لا علاقة فيها للتنافس الإيراني - السعودي بالطائفية، ولا سيّما في حالة آسيا الوسطى. وأضاف "ففي الوقت الذي لجأت فيه السعودية تاريخيًا إلى استعمال روابط طائفية، إلا أنّ استراتيجية إيران وسياستها تجاه هذه المنطقة لم تتضمّنا في الواقع أيّ مكوّنات طائفية، ما يشير إلى أنّ الانتهازية الجيوسياسية يمكن أن تشكّل عنصرًا في هذا التنافس".