استضافت وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الإثنين 16 أيار/ مايو 2022، تلميذ أحمد، أستاذ كرسي رام شاتي للدراسات الدولية في جامعة سيمبيوسيس الدولية والسفير السابق في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعُمان، الذي قدّم محاضرةً عن بُعد عبر تطبيق زووم بعنوان "جيوبوليتيك الجوار الغربي للهند: التحديات الأمنية والاستراتيجية"، أدارها عماد منصور، الأستاذ المساعد في برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.

استهلّ الباحث محاضرته بالإشارة إلى أن جنوب آسيا والخليج وغرب آسيا وشمال أفريقيا وساحل البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط أصبحت تُمثّل كلّها مشهدًا أمنيًّا متكاملًا. فمثلًا، لا يُمكن الحديث عن أفغانستان من دون الإشارة إلى دور بلدان الخليج، وباكستان أيضًا لها دور في غرب آسيا، وإيران لها بصمات مختلفة في باكستان وسورية، وتركيا فاعل، لها دورها في المنطقة بانخراطها في قضايا مختلفة مع السعودية والإمارات ومصر وليبيا، إضافةً إلى سياساتها تجاه شرق المتوسط، وتؤدّي الإمارات أيضًا دورًا في اليمن والقرن الأفريقي وليبيا. وتمرُّ هذه المنطقة اليوم بحالة من عدم اليقين؛ إذ إنّ ما تريده الولايات المتحدة الأميركية من هذه المنطقة، بعد التحولات التي مرّت بها المنطقة، غير واضح، خاصةً في ظل أنباء تؤشر إلى رغبة الرئيس الأميركي في فك ارتباط بلاده بالمنطقة، رغم عدم تمتعها بصدقية عالية. إضافةً إلى ذلك، ظهر فاعلان مهمّان في المنطقة يتمثلان في الصين وروسيا، تربطهما ببلدان المنطقة علاقات سياسية واقتصادية عميقة، وازداد الدور الإقليمي الذي تؤدّيه كلٌّ من قطر والإمارات. كما أن إسرائيل باتت تعدّ نفسها جزءًا من غرب آسيا، بعد أن ظلت فترةً طويلة تعدُّ نفسها دولة غربية تُمثّل حصنًا للغرب في المنطقة. ويتوقع الباحث أن تضطلع ثلاثة بلدان بدور مستقبلي في المنطقة، وهي الهند واليابان وفرنسا.

ثم انتقل الباحث إلى تمحيص حالة باكستان التي كانت تحظى، إبان الحرب الباردة، بدعمٍ قويٍّ من التحالف الغربي، لذا انخرطت في حربين مع الهند. وأشار الباحث إلى أنّ ولاية جامو وكشمير تُعدّ عاملًا أساسيًا في تحديد هوية البلدين، فباكستان تؤمن بأنّها لن تتكامل بوصفها بلدًا مسلمًا إلّا بانضمام جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة إليها. أمّا الهند فرؤيتها معاكسة؛ ذلك أنّ انضمام هذه الولاية إليها سيؤكّد هويّتها الديمقراطية. وإضافةً إلى تضافر عوامل أُخرى، أصبح الإسلام الأداة الأساسية في يد باكستان سعيًا لتحقيق أجندتها في المنطقة، لا سيما في دعمها للجهاد في أفغانستان.

أمّا المبحث الثاني الذي تناوله الباحث فهو أفغانستان؛ إذ عارضت الهند دور باكستان الداعم للجهاد؛ ولهذا السبب، مالت الهند إلى إيران والاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، بقي السيناريو مُعقدًا بعد الحرب الباردة؛ ذلك أنّ باكستان لم تُهيمن على أفغانستان ولم تتلاعب بتشكيل حكومتها فقط، بل أدّت أيضًا دورًا مُهمًّا في ظهور حركة طالبان كذلك. وحتى هذا اليوم، ما زالت باكستان تضطلع بدور في إعادة ظهور حركة طالبان وتمكينها. وأوصى الباحث بأنّه ليس على الهند أن تُدير ظهرها لهذه الحركة، وأنّه يجب استمرار محاولاتها للانخراط معها وتقديم إيماءات سياسة ودبلوماسية إليها.

ثم تحدّث الباحث عن إيران، قائلًا إنّ علاقة الهند وإيران مرتبطة بالعلاقة مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنّ زيارة الرئيس محمد خاتمي عام 2003 للهند تُمثّل ذروة العلاقة بين بلدين. وفي عام 2004، بدأت الهند تتعامل مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني. لكن بعد عقد الاتفاق مع إيران، ومن ثم التراجع عنه، ساءت العلاقة بين الهند وإيران. ورأى الباحث أنّ قبول دلهي الخضوع للولايات المتحدة على نحو أعمى، واتّباعها تلقائيًّا العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، أفضى إلى كثيرٍ من المُشكلات، فالهند لم تستطع الإقرار بأنّ لديها مصالح مع إيران، وأنّها شريكتها الاستراتيجية وجارتها.

عقب ذلك، عرّج الباحث على العلاقات بين الهند وغرب آسيا، وهي علاقات مديدة، لا سيما فيما يخص الطاقة والتجارة والاستثمار والترابط اللوجستي، حيث تستورد الهند جلّ حاجتها من الطاقة من هذه المنطقة، وهي شريك تجاري مهمٌّ وتؤدّي دورًا أساسيًّا في الاستثمارات في الهند. وأشار الباحث إلى أنّ هناك ثلاثة ملايين ونصف المليون من الهنود في المنطقة العربية يعودون بعوائد جمّة على الهند. أمّا بخصوص إسرائيل، فيقول الباحث إنّها شريك دفاعي وتكنولوجي بالنسبة إلى الهند.

إثر ذلك، انتقل الباحث إلى الحديث عن المنطقة في حقبة الرئيس الأميركي جو بايدن، معبّرًا عن أسفه فيما يتعلق بأنّ الهند لا دور لها في التطوّرات الجارية في المنطقة، في حين يجب أن تكون جزءًا من عملية بناء الثقة في المنطقة، ثمّ أشار الباحث إلى خفوت الصدقية تجاه الأميركيين؛ لذلك يجب وجود ترتيبات بديلة.

واختتم الباحث محاضرته بتبعات الحرب الروسية على أوكرانيا، قائلًا إنّ الحرب سرّعت اتّخاذَ خطوات مُستقلة، وقد وصف ذلك بأنّه "اعتماد على النفس". وبالنسبة إلى الهند وعلاقاتها بالدول المعنيّة، فإنّها تبدو بالنسبة إليه بعيدة عن روسيا والصين، بل تبدو مُهمّشة من قِبَل الطرفين. وقال الباحث إنّه يرى نظامًا عالميًّا جديدًا يطفو على السطح نظرًا إلى التحولات في أوراسيا، لا سيما في الجوار الهندي، وهو يعتقد أنّ هذا النظام سيكون مُتعدِّد الأقطاب، لكنّ معالمه ليست واضحة بعد. ورصد الكاتب وجود تغيُّر في نظرة الهند إلى العالم، وقال إنّها تعكس انغلاقًا في العقلية الهندية، وتركيزًا أكبر على الحيّز المحلّي.

وقد أعقب المحاضرة نقاشٌ ثريّ، أسهم فيه رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية عمر عاشور، إضافةً إلى جمهور المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.