استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نكي أخافان - وهي أستاذة مشاركة، ورئيسة قسم دراسات وسائط الإعلام والاتصالات في الجامعة الكاثوليكية الأميركية – في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، لتقديم محاضرة عامة عنوانها "السياسة العامة للرياضة في إيران". أدار المحاضرة مهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي، وأستاذ الشؤون الحكومية في جامعة جورجتاون في قطر.

استهلّت الباحثة محاضرتها مستعرضةً السياسة العامة للرياضة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمحاولات التي تبذلها الدولة للسيطرة على هذا المجال. وسلّطت الضوء على تطلّعات النساء الإيرانيات الدائمة للتغيير والمطالبة بالحقوق الاجتماعية والسياسية، مؤكدةً أنّ هذه التحرّكات قد شملت مجالاتٍ متنوّعةٍ، بما فيها المجال الرياضي. وفي هذا السياق، قالت الباحثة: "إنّ قضية دخول النساء إلى الملاعب الرياضية، كانت في طليعة المطالب التي دعت إلى القضاء على قوانين مناهضة التمييز ضدّهنّ". ثمّ تطرّقت الباحثة إلى كيفية تحوّل مسألة دخول النساء إلى الملاعب إلى "صرخة رئيسة" للحشد والتعبئة ضمن جهودهن في انتزاع مزيدٍ من الحقوق الاجتماعية.

في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979، فُرض حظرٌ على النساء الإيرانيات لمنعهن من الدخول إلى الملاعب الرياضية في عام 1981، بالتزامن مع قيودٍ أخرى جرى فرضها عليهنّ بعد الثورة، ولا سيّما في ما يتعلّق بقواعد لباس المرأة الإيرانية ودخولها الحيّز العام. أمّا الرياضة، فقد أصبحت ساحةً لجأت إليها النساء في أواخر تسعينيات القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، بوصفها شكلًا من أشكال الاجتماعي والسياسي. وقد ركّزت الباحثة على الابتكارات التقنيّة والإعلامية التي تحقّقت في هذا الوقت تقريبًا، وهي ابتكارات جعلت إيران محطَّ أنظارٍ، ووفّرت للناشطين والناشطات مساحات بديلة، بما في ذلك مجال الإنترنت.

ووفقًا للباحثة، كمن التطوّر الآخر المهم الذي برز في ذلك الوقت، في حثٍّ اضطلع به الناشطون والناشطات موجَّه إلى هيئات إدارة الرياضات الدولية مفاده التدخّل من أجل السماح للنساء بالدخول إلى الملاعب الرياضية. وقد كُلِّلت هذه المساعي بالنجاح، خلال صيف 2022، عندما سمحت السلطات الإيرانية - وهي أوّل مرّة منذ الثورة الإسلامية - للنساء بمشاهدة مباراة كرة قدم في الدوري المحلي في ملعب آزادي. وجاء ذلك ثمرةً للجهود التي بذلتها النساء في الترويج لمطالبهنّ، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وأنشطة تعميم الوعي الموجّهة إلى المجتمع الدولي. وبحسب الباحثة، "أصبحت الرياضة مساحةً مهمّة لرفع مطالب أخرى، وهو أمرٌ يرمز إلى المناحي العديدة التي يجري من خلالها استبعاد النساء من المشاركة في الحياة العامة، فضلًا عن التشريعات التمييزية التي لا تزال تسيء إليهنّ كثيرًا". غير أنّ لجوء المجتمع الدولي إلى تسييس الرياضة قد يؤثر، أيضًا، في مشاركة النساء؛ ما يؤدّي إلى فرض المزيد من القيود عليهن وإلحاق الأذى بهنّ. وأضافت الباحثة قولها: "يجب إيلاء الإجراءات التي تُستخدم وراء الكواليس مزيدًا من الاهتمام من أجل حثّ هذه المؤسسات على التحرّك".

وتطرّقت الباحثة إلى موضوع النشاط الاجتماعي والسياسي الذي يمارسه الرياضيون والرياضيات في إيران، مسلّطةً الضوء على حالات كثيرة شارك فيها الرياضيون والرياضيات الإيرانيون في حركاتٍ تضامنية رمزية. فعلى سبيل المثال، قصّ أحد اللاعبين الإيرانيين، سعيد بيرامون، شعره تعبيرًا عن تضامنه مع الاحتجاجات المندلعة في إيران، في إثر فوز منتخب إيران في كرة القدم الشاطئية، بعد مقتل مهسا أميني على يد "شرطة الأخلاق". وهكذا، فإنّ الرياضة برزت بوصفها ساحةً مهمّة تتيح مواجهة سياسات الدولة، وهو ما يؤدي إلى تغطية إعلامية واسعة النطاق.

وتناولت الباحثة، أيضًا، مثالًا متعلقًا بالمتسلّقة الإيرانية، إلناز ركابي، التي شاركت في مسابقة دولية من دون ارتداء حجابها. وكانت هذه اللحظة غير مسبوقة، وأتت بوصفها تعبيرًا تضامنيًّا، وقد تعرّضت ركابي بعد ذلك لضغوط كبيرة. ويدلّ احتفاء الجمهور بتصرّف ركابي الشجاع على أنه ليس مقتنعًا بالرواية الرسمية. إضافة إلى ما سبق، انتقد لاعبو كرة القدم الإيرانيون الحكومةَ في الفترة الأخيرة، وأعربوا في وسائل التواصل الاجتماعي عن دعمهم المتظاهرين والمتظاهرات . وإذا كانت الحكومة تستطيع استخدام الرياضة لتسليط الضوء على حرّية النساء في الساحة الدولية في محاولةٍ منها للتحكّم في سرديتها، فإنّ النساء أنفسهنّ يستخدمنها بوصفها شكلًا من أشكال الاحتجاج ضدّ القوانين غير العادلة والتمييزية.

إضافةً إلى ذلك، تحدثت الباحثة عن الأعراف الاجتماعية والثقافية، فضلًا عن التفسيرات التقليدية للفقه التي تعتمدها الدولة في سرديتها للحدّ من مشاركة النساء في الحيّز العام، وخصوصًا في المجال الرياضي والأماكن العامة، وتحدثت كذلك عن وجود عملية تغيير ثقافي تمضي قُدمًا، يجري من خلالها مواجهة القيم التقليدية للدولة. والأهم من ذلك، يبدو أنّه يوجد إجماع اجتماعي في طريقه إلى التبلور، وهو إجماعٌ على الإساءة الاجتماعية والثقافية التي يسّببها التديّن القسري الذي تمارسه الدولة.

وأخيرًا، أشارت الباحثة إلى الجهود الهادفة إلى مقاطعة الأنشطة الرياضية الإيرانية ومنع الرياضيين والرياضيات الإيرانيين من المشاركة في المسابقات الرياضية الدولية، وقالت: "هذا الأمر سيحرم الشعب الإيراني من الفرح، وسيحُول دون إتاحة فرصة لهم في استخدام الرياضة منبرًا للمطالبة بحقوقهم، فضلًا عن تسليط الأضواء على بعض أشكال الظلم والتحدّيات التي يعانيها الشعب، وبخاصةٍ النساء. إنّ الرياضيين والرياضيات لا يمثّلون الدولة؛ لذلك يجب أن تكون الملاعب الرياضية الدولية مُتاحة لهم للدعوة إلى التغيير".