شبكات الغضب والأمل: الحركات الاجتماعية في عصر الإنترنت

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ترجمة هايدي عبد اللطيف لكتاب مانويل كاستلز شبكات الغضب والأمل: الحركات الاجتماعية في عصر الإنترنت الذي يبحث في الجذور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لحركات احتجاجية عدة (الربيع العربي، الاحتجاجات في إسبانيا وتركيا والبرازيل، حركة "احتلوا وول ستريت" الأميركية)، وفي ابتكارها طرائق جديدة في تنظيم نفسها. يقوم المؤلف دور التقانة الاتصالية الحديثة في ديناميات الاحتجاج الشعبي، وقدرة الحراك المدني الاجتماعي على فرض تغييرات سياسية من خلال التأثير في أفكار الناس. وبحسبه، ربما تختلف أوجه الحراك المدني الاجتماعي من بلد إلى آخر، إلا أن هناك قاسمًا مشتركًا بينها: صلة الحراك الوثيقة بإنشاء شبكات اتصال مستقلة تدعمها الإنترنت وأدوات التواصل الحديثة.

تونس فمصر

في هذا الكتاب (360 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) ثمانية فصول غير مرقمة. تحت عنوان مقدمة ثورة: حيث بدأ كل شيء، يتناول كاستلز ثورة الياسمين في تونس وثورة أدوات المطبخ في أيسلندا التي يرسم مسارها من الانهيار المالي إلى التلزيم الجماعي لدستور جديد. بحسبه، في كل من تونس وأيسلندا تحولات سياسية ملموسة وكذلك ثقافات مدنية جديدة، نشأت من الحركات في فترة قصيرة جدًا من الزمن، جسدت إمكان تحقيق بعض المطالب الرئيسة للمتظاهرين. وبالتالي، يعتبر من المجدي تحليليًا، التركيز باختصار على هاتين العمليتين، لتحديد بذور التغيير الاجتماعي التي انتشرت بفعل رياح الأمل إلى سياقات مكانية أخرى.

تحت عنوان الثورة المصرية، يبحث كاستلز في مجال التدفقات ومجال الأماكن في الثورة المصرية، وردّ الدولة على ثورة 25 يناير التي سهلها الإنترنت بالقطع التام، مفندًا هويات المتظاهرين وطبيعة احتجاجهم. كما يتناول النساء المصريات ودورهن في الثورة، ثم أسلمة هذه الثورة، وإمكانية استمرارها. يقول: "تغلب الناس على الخوف بوجودهم معًا. كانوا معًا على شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وفي الشبكات الحضرية التي تشكلت في الساحات. غير أنهم، للعمل معًا في حشود، كانوا في حاجة إلى حافز قوي، إلى قوة تعبئة. الغضب يحرّض على المخاطرة بلا خوف، وكان هناك غضب شديد ضد انتهاكات الشرطة، ضد تزايد الجوع في البلاد، وضد اليأس الذي قاد الناس إلى التضحية بأنفسهم.

الكرامة والغاضبات

يقول المؤلف في فصل الكرامة.. العنف.. الجغرافيا السياسية: الانتفاضات العربية، إن أغلبية سكان البلدان العربية التي شهدت ثورات تألفت من أشخاص تقل سنّهم عن الثلاثين، "فيما كثير منهم متعلم نسبيًا، ومعظمهم من العاطلين من العمل كليًا أو جزئيًا. وهم على دراية باستخدام شبكات الاتصالات الرقمية، مع تغلغل الهواتف المحمولة بنسبة تتجاوز مئة في المئة في نصف الدول العربية، وأكثر من 50 في المئة في معظم البلدان الأخرى، علمًا أن كثيرين منهم في المدن، كان لديهم شكل من أشكال الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي. بل أكثر من ذلك، إنهم شعروا بالإذلال اليومي في حياتهم، ونقص الفرص في مجتمعاتهم والمشاركة في صوغ سياساتها. كانوا على استعداد للانتفاض لكرامتهم، ما يعتبر دافعًا أقوى من أي شيء آخر".

وتحت عنوان ثورة جذمورية: "غاضبات" في إسبانيا، يعرض كاستلز لاحتجاجات شباط / فبراير 2011 في إسبانيا على خلفية أزمة اليورو والديون السيادية الإسبانية، سائلًا عما أرادته الغاضبات في هذه الاحتجاجات، ومتناولًا إعادة اختراع الديمقراطية بالممارسة، من خلال حركة احتجاج بقيادة مجالس وبلا قادة. يقول: "تعتبر حركة غاضبات حركة ثرية، متعددة الخطابات، لها شعارات مبتكرة، ومصطلحات قوية، وكلمات ذات دلالة وتعابير شعرية كوّنت لغة هزيلة معبِرة عن ذاتيات جديدة. على الرغم من أنني لا أستطيع الحديث عن خطاب واحد، كان هناك عددًا من المصطلحات، يوحي بطرائق التفكير، التي ظهرت بانتظام في الشعارات والنقاشات التي جرت، أكان في المخيمات أم على الإنترنت".

اتجاه عالمي

تحت عنوان احتلوا وول ستريت: حصاد ملح الأرض، يتناول كاستلز هذه الحركة الاحتجاجية الأميركية، التي يسميها حركة بلا مطالب، عارضًا للعنف الذي تعرضت له هذه الحركة غير العنفية. بحسبه، ولد احتلال "وول ستريت" رقميًا. جاءت صرخة الغضب والدعوة إلى الاحتلال من مدونات عدة (أدبسترز، أمبدستاتوس، أنونيموس، من بين آخرين(، ونشرت على فايسبوك وانتشرت عبر تويتر. ووضعت مدونة أدبسترز وَسم occupywallstreet# في دعواتها للتظاهر على مدونتها التي ارتبطت بصفحتها على فايسبوك. حشدت شبكات الإنترنت الاجتماعية دعمًا كافيًا ليجتمع الناس سويًا وليحتلوا الفضاء العام، ويؤقلموا احتجاجاتهم. فبمجرد تنظيم المخيمات، رسخوا وجودهم كاحتلالات محددة على شبكة الإنترنت.

في فصل عنوانه الحركات الاجتماعية الشبكية: هل نحن إزاء اتجاه عالمي؟، يتناول المؤلف الصدام بين تركيا القديمة وتركيا الجديدة واحتجاجات حديقة غازي حزيران/يونيو 2013، وتحدي أنموذج التنمية وشجب الفساد السياسي في البرازيل في عامي 2013 و2014، وأنموذج الحركة الطلابية في تشيلي بين عامي 2011 و2013، ونقض مركّب الإعلام – الدولة في المكسيك. يقول كاستلز إن المهم هو إظهار صعود نمط مشترك من التعبئة الاجتماعية في تشكيلة واسعة من السياقات وضمن طيف واسع من الدوافع. وهذا النمط المشترك، بوصفه سيرورة أم مشروعًا اجتماعيًا سياسيًا جديدًا، ويبقى ضروريًا أن نأخذ في الحسبان أن الاحتجاجات الاجتماعية المعاصرة ليست كلها تعبيرات عن هذا الشكل الجديد من الحركة الاجتماعية.

مكامن التغيير

في فصل تغيير العالم في مجتمع الشبكات، يسأل كاستلز: هل تمثل الحركات الاجتماعية الشبكية بزوغ نمط جديد من الاحتجاج؟ ثم يلقي الضوء على علاقة الحب المستحيلة بين الحركات الاجتماعية الشبكية والإصلاح السياسي. ويرى أن تأثير الحركات الاجتماعية يقتضي معالجة قيم المجتمع ومطالب مؤسساته التي يشكّلها الفاعلون السياسيون ويضبطونها. مع ذلك، حيثما يتعلق التحدي الجوهري في هذه الحركات بإنكار شرعية الطبقة السياسية، وإدانة تبعيتها للنخب المالية، هناك مساحة ضئيلة لقبول حقيقي لهذه القيم من معظم الحكومات. كما يعتمد التأثير المباشر للحركات الاجتماعية في السياسة على مساهمتها المحتملة في جداول الأعمال المعَدة سلفًا من الفاعلين السياسيين. ويُعتبر ذلك على خلاف مباشر مع الانتقاد الرئيس للحركات الاجتماعية المتصلة بالشبكة، والذي يتعلق بعدم وجود تمثيل للطبقة السياسية، كما أن الانتخابات تكون مشروطة بسلطة المال والإعلام، ومقيدة بالقوانين الانتخابية المتحيزة التي فصلتها الطبقة السياسية لمصلحتها الخاصة.

في فصل أخير عنوانه الحركات الاجتماعية الشبكية والتغيير السياسي، يتناول الباحث أزمة الشرعية والتغيير السياسي من منظور عالمي، وتحدي فشل الديمقراطية البرلمانية الإيطالية من الداخل، وتأثيرات الحركات الاجتماعية الشبكية في النظام السياسي، واحتلال العقول لا الدولة في ما سماه كآبة ما بعد احتلال وول ستريت في الولايات المتحدة، والاحتجاجات الشعبية والانتخابات الرئاسية في البرازيل، والفصام السياسي في المجتمع التركي، مسلطًا الضوء على الحركات العلمانية والسياسة الإسلامية. يقول: "تعود مصادر التغير إلى تأثير حركات الاحتجاج في عقول الناس، فرديًا وجماعيًا، من طريق التعبير عمّا يشعرون ويفكرون، وفتح الباب أمام إمكانية مقاومة النظام القائم، وطرح مشروعات بديلة في الحياة والديمقراطية. وكي تؤثر الحركات الاجتماعية في السياسة، يتعين عليها أولًا أن توجد في هذا السياق، وهذه ليست الحال حتى الآن في معظم دول العالم، حتى لو كان هناك احتجاجات اجتماعية في كل مكان، وفي الحالات كلها هي موجودة حاليًا على شبكات الإنترنت".

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات