صناديق الثروة السيادية: الواقع والآفاق

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب نبيل بوفليح ومحمد طرشي صناديق الثروة السيادية: الواقع والآفاق، ويحاول فيه الباحثان إزالة الغموض الذي يكتنف ظاهرة صناديق الثروة السيادية، ويتطرقان إلى جدواها وتداعياتها المحتملة على اقتصادات البلدان المالكة والبلدان المستقبلة لاستثماراتها.

يستدل بوفليح وطرشي ببيانات ومعطيات حديثة ليعرضا ماهية صناديق الثروة السيادية من طريق إبراز أنواعها ودوافع إنشائها وواقعها وحوكمتها ومؤشرات قياس أدائها وموقعها في الاقتصاد العالمي ودورها في تمويل اقتصادات البلدان. كما يدرسان تجارب بعض البلدان في هذا المجال كالنرويج والكويت والإمارات العربية المتحدة، محاولين تحديد أسباب نجاح هذه التجربة في بلدان وتعثرها في بلدان أخرى.

حوكمة أداء

يقع الكتاب (200 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) في قسمين. في القسم الأول، ماهية صناديق الثروة السيادية وواقعها، ثلاثة فصول. في الفصل الأول، ماهية صناديق الثروة السيادية، يقدم المؤلفان تعريفًا للصناديق السيادية ودوافع إنشائها، ويتناولان ظاهرة المرض الهولندي أو وجود انعكاسات سلبية للتدفقات المالية الناتجة من الثروة الطبيعية كمبرر لإنشاء صناديق الثروة السيادية، ويعددان أهداف هذه الصناديق ومميزاتها وأنواعها.

في الفصل الثاني، حوكمة صناديق الثروة السيادية، ومؤشرات قياس أدائها، يعرض المؤلفان لدور مبادئ سانتياغو في تعزيز حوكمة صناديق الثروة السيادية، ومؤشرات قياس أداء صناديق الثروة السيادية. يقولان إن مؤشرات قياس أداء صناديق الثروة السيادية ما زالت في مراحلها الأولية، لكن ثمة مؤشرين: مؤشر ترومان الذي استحدثه إدوين ترومان، ويقوم على معايير عدة هي هيكلة الصندوق وحوكمته وشفافيته وسلوكه؛ ومؤئر لينابرغ-مادويل الذي طوّره الباحثان كارل لينابرغ ومايكل مادويل، ويهدف إلى قياس مستوى شفافية هذه الصناديق.

موقع عالمي

في الفصل الثالث، موقع الصناديق في الاقتصاد العالمي وأهميتها للدول المالكة، يتناول المؤلفان موقع صناديق الثروة السيادية في الاقتصاد العالمي، أهميتها للدول التي تملكها. يقولان إن البلدان المصدرة للثروات الطبيعية تواجه معضلة الاستعداد لعصر ما بعد نضوب هذه الثروات طبيعيًا أو بسبب التطور التقني للمصادر البديلة، فكان التنويع الاقتصادي هو هدف الكثير من الدول، اتبعت لتحقيقه مسارين، يتمثل الأول في استخدام جزء من هذه العائدات لتطوير البنية الأساسية اللازمة لتنمية القطاعات الإنتاجية والخدمية، ويتمثل الثاني في ادخار جزء من الإيرادات الريعية الآنية وتنميتها بالاستثمار الداخلي والخارجي لتشكل دخلًا بديلًا للثروة الطبيعية عند نضوبها.

التجربة النرويجية

في القسم الثاني، تجارب دولية واستشراف آفاق، أربعة فصول. في الفصل الرابع، تجربة النرويج: عرض وتقييم، يبحث بوفليح وطرشي في نشأة صندوق الثروة السيادي النرويجي وحوكمته، واستراتيجية الاستثمار وإدارة المخاطر التي اعتمدها، ويختمان الفصل بتقييم تجربة النرويج. ووجدا أن تجربة صندوق الثروة السيادي في النرويج من أنجح التجارب في هذا المجال، بفضل تنوع الاقتصاد النرويجي وقلة اعتماده على الريع البترولي، ووجود إطار قانوني متكامل يحدد أهداف الصندوق وصلاحيات القائمين عليه، وخضوع المؤسسات المالكة والمسيّرة للصندوق للمساءلة، ومنع الاستغلال السياسي لأصول الصندوق، ووجود استراتيجية استثمار واضحة المعالم، وتمتع المؤسسة المكلفة إدارة استثمارات الصندوق بمستويات عالية من الكفاءة، وتوافر قدر عال من الشفافية في إدارة الصندوق.

التجربة الكويتية

في الفصل الخامس، تجربة الكويت: عرض وتقييم، يتناول المؤلفان ماهية الهيئة العامة للاستثمار في الكويت وحوكمتها، واستراتيجية الاستثمار في الهيئة وتقييم أدائها، ويختمان بتقييم تجربة الكويت في هذا المجال. بحسبها، تتميز تجربة الكويت بأنها من أقدم التجارب العالمية في مجال صناديق الثروة السيادية، فمجلس الاستثمار الكويتي هو أول صندوق سيادي يتم تأسيسه في العالم في عام 1953، ويضيفان: "توسع مجال عمل الهيئة ليشمل الاستثمار في الاقتصاد المحلي، إضافة إلى الاستثمار في الأسواق المالية المتقدمة والناشئة ودعم سياسات التنمية في الدول النامية، يدل على وجود استراتيجية استثمار فعالة تؤدي إلى استفادة الاقتصاد الكويتي من منافع متعددة على غرار دعم معدل النمو الاقتصادي، تنويع مصادر الدخل الوطني، تعزيز فرص التعاون والتكامل الاقتصادي بين الكويت والبلدان المستفيدة من استثمارات الهيئة". إلا أنهما يشيران إلى بعض النقائص، خصوصًا في مجال الإفصاح والمساءلة.

التجربة الإماراتية

في الفصل السادس، تجربة الإمارات: عرض وتقييم، يبحث بوفليح وطرشي في ماهية جهاز أبوظبي للاستثمار وحوكمته، واستراتيجية الاستثمار في الجهاز وتقييم أدائه، كما يقيمان تجربة جهاز أبوظبي للاستثمار. من ميزات هذا الجهاز حيازة الإمارات أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم، وتوفر الخبرة لتحسين الأداء ومواجهة مختلف الأوضاع الاقتصادية، وتطور الهيكل التنظيمي للجهاز والاستعانة بالخبرة الأجنبية في تسيير استثماراته، ما يساهم في رفع العائد وتقليل مخاطر الاستثمار المختلفة. أما النقائص، فيعددهما المؤلفان كما يأتي: عدم وجود رقابة خارجية مستقلة، ما يؤدي إلى التقليل من إمكان تعرض الجهاز للمساءلة؛ سيطرة الحكومة على مجلس إدارة الجهاز، ما يقلل من استقلاليته؛ عدم نشر تقارير فصلية أو سنوية عن الأداء والنتائج المحققة، ما يؤدي إلى التقليل من مستوى شفافية الجهاز.

متفائل أم متشائم؟

في الفصل السابع، مستقبل صناديق الثروة السيادية في ظل أزمات النظام الاقتصادي والمالي العالمي، يقدم المؤلفان إطارًا نظريًا للأزمات المالية، ويعرضان أسباب الأزمة المالية العالمية وسياسات احتوائها، وعلاقة صناديق الثروة السيادية بالأزمة المالية العالمية، وأثر الصدمة النفطية الحالية في صناديق الثروة السيادية، ويستشرفان مستقبل صناديق الثروة السيادية. ثمة دراسات يصفها المؤلفان بالمتشائمة، تتنبأ بانحسار ظاهرة صناديق الثروة السيادية، وتراجع دورها في النظام المالي العالمي، بسبب خسائرها الكبيرة في الأزمات الأخيرة، وهبوط أسعار النفط ومعدلات التبادل التجاري، وتأثر الدول المالكة للصناديق بالأزمة المالية العالمية وتسجيلها عجزًا في الموازنة العامة وميزان المدفوعات، واعتماد الدول المتقدمة سياسات حمائية تحد من فرص الاستثمار المتاحة للصناديق السيادية فيها. لكن ثمة دراسات متفائلة تشير إلى استمرار نمو الظاهرة وتوسعها، لكن بشكل أبطأ نسبيًا مقارنة بفترة ما قبل الأزمة المالية العالمية والصدمة النفطية الحالية، باعتبار أن تأثير الأزمة في صناديق الثروة السيادية ظرفي، مع المراهنة على الانتعاش التدريجي للأسواق المالية العالمية.

اقــرأ أيضًــا

فعاليات