كيمياء الربيع التونسي والعربي

28 سبتمبر،2014
المؤلفون
الكلمات المفتاحية

يتصدى كتاب كيمياء الربيع التونسي والعربي (247 صفحةً من القطع الكبير)  للمؤلف محمد علي الكبسي لنقد الفكرة القائلة إنّ ما جرى في تونس ومصر لم يكن تغييرًا للنظام وإنما هو عملية مدروسة لانتقال السلطة؛ إذ يدحض المؤلف هذه الفكرة التي أشاعها باحثون أميركيون؛ من أمثال ريفا بهالا مديرة الأبحاث في مؤسسة ستراتفور الأميركية المتخصصة في الاستخبارات. ويرى أنّ ما حدث في تونس ليس اضطرابات أو قلاقل احتجاجيةً عابرةً، بل هو مقدمة لعصر جديد من الوقائع والأفكار والتغيرات، فإذا كانت ثورة تونس غيَّرت رؤساء وحكومات ومعارضات، فكيف لا تُغيِّر مفاهيم ونظريات ما عادت قادرة بعد الحدثين التونسي والمصري على الدفاع عن مشروعيتها ووجودها واستمرارها؟ وقد طرح المؤلِّف أسئلةً عديدةً عن علاقة الثورات، بما فيها تلك التي تحدُث في دول المركز، بالعوامل الخارجية والقوى التي تتحكم في المجال الجيوسياسي.

وفي الفصل الأول الذي اختار له عنوان "ثورة وثلاثة أسماء"، يذكر المؤلف أنّ وسائل الإعلام الأميركية تحدثت عن دور الإنترنت في ما يحصل في تونس وعن ويكيليكس، بالنظر إلى أنّ المدونات، وموقع "فايسبوك"، ووثائق ويكيليس، اضطلعت بدور كبير في انطلاق الأحداث في تونس، غير أنّه يرى أنّ النظر إلى ثورة تونس في بُعد واحد؛ هو البُعد التقني و"الإنترنتي"، يمثّل قصورًا في النظر إلى الأحداث التي جرت سواء كان ذلك في تونس أو في مصر. فانعدام الديمقراطية، وارتفاع نسبة البطالة، وتطويق الحريات، واحتكار أصهار الرئيس زين العابدين بن علي جميع المؤسسات الاقتصادية، وانتشار الفساد والمحسوبية، كلّ ذلك لا يمكن أن تختزل دلالاته - بقدرة قادر - في المدوّنة، أو الموقع، أو الشبكة العنكبوتية.

ويتابع في الفصل نفسه استعراض القراءات الغربية، فيتحدث عن القراءة الروسية للثورة التونسية التي اختارت لما يحصل اسم "ثورة التمور" (لأنّ ما يعرفه الروس في جنوب تونس هو الواحات)، وعن أنّ هذا الوسْم قد كان أقلَّ عمقًا، إلى حدٍّ بعيد، من الوصف الأميركي للثورة بأنّها "ثورة الإنترنت"، ويتحدث كذلك عن تسمية "ثورة الياسمين" التي كان الإعلام الفرنسيّ قد اختارها لما حصل، غاضًّا الطرْف عن دعْم الحكومات الفرنسية لنظام بن علي.

ويعود المؤلف إلى التاريخ في الفصل الثاني ضمن عنوان "من ربيع العربان إلى ربيع الشعوب"، محاولًا الإجابة عن سؤال علاقة الثورات بالعوامل الخارجية والقوى التي تتحكم في المجال الجيوسياسي، عبْر استقراء ما حصل في ثورة علي بن غذاهم عام 1864 التي تتشابه في أسباب وقوعها مع ثورة 2011، مقارنًا بين الوثائق الفرنسية والوثائق الإنكليزية ما دام الفريقان يتبادلان الاتهام ويحمّل كلٌّ منهما الآخر مسؤولية إشعال فتيل الثورة، من دون اهتمام بالقبائل، والزوايا، وقصر باردو، وكامل رعايا الإيالة، والحالة الاجتماعية والسياسية، إلا بالقدر الذي تتطلَّبه روايتاهما للأحداث، كأنّ أحداث 1864 دُمًى في أيدي القوى العظمى، لا شأنَ لأبناء البلد بها.

وفي فصل الجمهورية الثانية يذكر المؤلف أنّ الجماهير التي نزلت إلى الميادين قد هدفت إلى الانبتات عن مظاهر الجمهوريةِ الأولى، جمهوريةِ الشرطة ومطاردة المعارضين التي أسَّسها بورقيبة وأتمَّها بن علي مدير أمنه، ويذكر أيضًا المزايدات المتعلِّقة بحقوق المرأة لإخفاء فشل التنمية، والحزب الواحد، أو دولة الحزب، أو حزب الدولة الذي قطع سبيل تداول السلطة، ويتحدَّث عن جمهورية السياحة، و"الترانزيت"، واقتصاد الخدمات والرشوة، والانبتات عن جمهورية المعارضة الموسمية، وعن مقولة "أنا الدولة والدولة أنا" التي رُفعت في عهديْ بورقيبة وبن علي. وفي الوقت الذي بات العالم كلُّه ينظر بكثير من الإعجاب لما يحدث في تونس، يرى المؤلف أنه من الضروري جدًّا الانتباه لمفهوم التسامح مادام في الإمكان أن يكون المرء ثوريًّا ومضادًّا للتعصب والعنف في آنٍ واحدٍ، ومادام الأفق قد انفتح عن إيمان جديد قاعدته التسامح، لا القصاص، والإصغاء إلى صوت الآخرين، لا إلى صوت المقصلة، من دون أن يعنيَ هذا التسامحُ عقْدَ تسويات في الكواليس، أو الهرولة من أجل تقديم التنازلات.

وفي الفصل الرابع والأخير المعنون بـ "حوار الثورات"، يتحدث المؤلف عن النماذج الاحتجاجية التي سادت المشهد في الربيع العربي مقسِّمًا إيَّاها إلى ثلاثة نماذج، هي "نموذج الميادين والاعتصامات المتواصلة لإسقاط الأنظمة"، وقد ظهر هذا النموذج في تونس، ومصر، واليمن. ونموذج "استعراض القوة والحرب الأهلية" الذي ظهر في ليبيا وسورية. ونموذج "تظاهر الشعب وتنازلات الأنظمة" الذي ظهر في دول عربية عديدة من بينها الأردن، والمغرب، والجزائر.

ويرى المؤلف أنّ تونس ربما تنجح في ما فشل حنبعل في تحقيقه. فروما التي خرَّبت قرطاج، ها هي تتلقى من قرطاج نفسِها؛ أيْ تونس المعاصرة، هديةً إليها، وإلى أوروبا، وآسيا، وأميركا، تتمثَّل بثورة ربما تمنح العالم أفقًا مغايرًا، فتكون بدايةً لعصر جديد تتغير فيه ألوان الثورات من الأحمر القاني إلى البرتقالي، بوصفها مقدمةً ضروريةً لنجاح التسامح؛ لأنه أحد أهمّ أهداف الربيع العربي.

اقــرأ أيضًــا