نكران الثقافات

02 مارس،2016
المؤلفون

أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الترجمة العربية لكتاب Le déni des cultures للكاتب هوغ لاغرانج. فضمن سلسلة ترجمان، وبعنوان: نكران الثقافات، ترجمة سليمان رياشي، ومراجعة أحمد مراد وسعود المولى، جاء الكتاب في 400 صفحة من القطع الكبير.

يعالج هذا الكتاب مشكلة إدماج المهاجرين العرب والأفارقة والآسيويين في البلدان الأوروبية، خصوصًا فرنسا. فهو يعكف، في مدى مئات الصفحات، على دراسة وتحقيب لهذه الهجرات المتتالية في ضوء حاجة الاقتصاد الفرنسي إلى اليد العاملة الأجنبية، خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. يتبنّى الكاتب مصطلح "العقود الثلاثة المجيدة" في فترة الازدهار وكذلك فترات الركود وتفاقم مشكلات البطالة وتبدّل المزاج الرسمي والشعبي تجاه قضية الهجرة والمهاجرين. ويتناول بالتفصيل تطوّرات السياسات الرسمية وفق تعاقب "اليسار" و"اليمين" على السلطة ونقاط التقاطع والفصل بينهما، مشيرًا إلى حدود التمايز كلّما وجد إلى ذلك سبيلًا.

كما يناقش بالتفصيل المفاهيم التي حكمت تعاطي السلطات الرسمية الفرنسية وكذلك أجهزة صناعة الرأي تجاه الهجرة، أو في ضوء تطوّر موجات الهجرة وطبيعتها ودوافعها المباشرة وخلفياتها. وهو إذ يميّز بين هجرة "العقود الثلاثة المجيدة" التي أنعشتها حاجة الصناعة إلى العَمَالة وسعيها إلى استقدام العاملين، والهجرات "غير الشرعية" التي تفاقمت منذ حقبة الثمانينيات تحت ضغط الأزمات الاقتصادية والمناخية البيئية وتفاوتات الدخل والحروب الأهلية والاضطهادات السياسية أو الطائفية أو العرقية في بلدان المصدر التي تحوّلت إلى بلدان طارِدَة، فإنّه يستفيض في أكثر من سياق، في شرح تداعيات هجرات الموجة الثانية في تزامنها مع تداعيات مرحلة كاملة تلت "السنوات المجيدة" في بلدان الاستقبال، وخصوصًا فرنسا.

وبعد استعراض تحليلي واسع وتفصيلي للبنى الإثنية، يتناول الكاتب موجات الهجرة الأفريقية بدءًا من ثمانينيات القرن الماضي، بظروفها الاقتصادية المستجدّة محليًا وفي مجتمع الاستقبال، مركّزًا على الاتساع الهائل للفجوة في الداخل بين البلدان الأفريقية وبلدان أوروبا، ما يشكّل دافعًا إضافيًا للهجرة بوجهيها الشرعي وغير الشرعي، والاستقطاب الكبير في الغنى والفقر في مجتمعات الهجرة ومجتمعات الاستقبال.

وفي بلد الاستقبال، يتابع الكاتب بصبر لافت سيرورة تشكّل الثقافات الفرعية الناتجة عن الهجرة، وكذلك صيرورتها، عبر تفحص دقيق للسياسات الرسمية الدولتية والمؤسسات الاجتماعية والتربوية، مستعينًا بالإحصاءات المتاحة الغزيرة، وباللوحات التوضيحية، ويتحاور مع المؤسسات ومع السياسات الرسمية ومع أقرانه من علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا، فيدحض بالوقائع الكثيرة فكرة الدمج الاجتماعي والثقافي، ويؤكد أن لا مناص للتيّار المركزي الفرنسي من التخلّي عن ادعاء الأحادية والتسليم بأنّ المجتمع الفرنسي، شأنه في ذلك شأن مجتمعات أوروبية عديدة، قد أصبح مجتمعًا تعدّديًا، وعليه أن يسلّم بهذه التعددية الثقافية ويحترمها.

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات