الافتراضي والثورة: مكانة الإنترنت في نشأة مجتمع مدني عربي

يرسم الباحث التونسي جوهر الجمّوسي في كتابه الافتراضي والثورة – مكانة الإنترنت في نشأة مجتمع مدني عربي، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أبعادًا جديدة للدور الذي يؤديه "الافتراضي" في الثورات العربية. وينطلق من أنّ وسائل الاتصال الافتراضية كانت من بين أسباب نجاح بعض الثورات العربية. كما تعمّق في مُتطلبات هذا الافتراضي وتداعياته وارتباطه الوثيق بممارسات اجتماعية متصلة بما هو سياسي وما هو مدني في اليوميات العربية، خصوصًا في بلدان شهدت تغيّرات جذريّة، من إطاحة أنظمة إلى صوغ دساتير جديدة. إذ قضت الإنترنت "الشابكة" كما يسمّيها الكاتب، بمفهومها اللغوي والبنيوي الاتصالي المبتعد عن المادة والزمان والمكان، في رأيه على مفهوم الزعامة في السياسة والمجتمع العربيين، أي زعامة القوة، وموالاة شرائح المجتمع للزعيم القوي الذي يستند إلى حضوره وصورته، وإلى المرئي وأثره في الآخر. وحوّلت هذه "الشابكة" المجتمع العربي في زمن قصير إلى مجتمع شبكي، أركانه الإنترنت والحواسيب والهواتف الجوالة الذكية المزوّدة بأجهزة تصوير عالية الدقة، وربطته بما هو مدني غير مادي وغير مكاني، كأنه يطوف في الفكر ويُشاهد بعين العقل الرزين حينًا وبعين المشاعر الجياشة أحيانًا. وبحسب الجمّوسي، ينفي هذا الأمر بصفة آلية مفهوم الزعيم الجذاب القائد مُلْهِم الجماهير، ويُلغي ما هو مرئي لاستناده إلى ما هو غير مرئي، أي متخفًّ في طيات الإنترنت، على الرغم من حضوره وفاعليته.

أعادت وسائل الاتصال الحديثة، المسماة ذكية، توزيع علاقات القوة بين المجتمع ودولته، فنقلت هذه القوة من الدولة - السلطة إلى كيانات اجتماعية جديدة تأتلف لتشكّل مجتمعًا مدنيًا يتمتّع بسلطة التعبير، والافتراضي تحديدًا، خصوصًا في بلدان لم تغزها المعرفة بعد، أي لم تؤلّف بين قلوب مواطنيها هويّة واحدة، فتمسكوا بهويّاتهم الفردية – العقائدية أو الدينية – التي تقودهم إلى الاحتماء بجماعاتهم الخاصة التي يتيح لها العالم الافتراضي المصادر المفتوحة ذاتها حيّزًا من الحرية في التعبير وفي الثورة. ويرى الكاتب أنّ الأنظمة الممسكة بخيوط اللعبة الدولية للافتراضي مستنفرة لإبقاء هذا الافتراضي "تكنولوجيا السلطة"، فلا يتحوّل إلى "سلطة التكنولوجيا" المُنتجة لقوة ونفوذ وسلطة وديمقراطية تشَارُكِية بديلة بيد القوى المدنية في المجتمع، تستطيع بسلاحها الافتراضي هذا إحداث أنماط مجتمعية ترجّ بها أركان العلاقات الأُسريّة والاجتماعيّة، ما يمثّل تحديًا هو الأخطر: كيفية التعامل مع الظاهرة الاتصالية الجديدة عالية التدفق، والمؤثّرة في العلاقات الاجتماعية كلّها.

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات