عقدت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في 1 نيسان/ أبريل 2024، محاضرة ألقاها مهران كامرافا، وهو أستاذ الشؤون الحكومية بجامعة جورجتاون في قطر، ومدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي. وقد أدار المحاضرة، التي وردت بعنوان "المؤسسات ومطواعية الدولة في إيران"، إبراهيم فريحات، وهو أستاذ مشارك في إدارة النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا. وركّز الباحث في محاضرته على مطواعية الدولة الإيرانية في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.

استهلّ الباحث المحاضرة بمناقشة ثلاثة ضغوطٍ مترابطةٍ تتعرّض لها الدولة في إيران: ضغوط منهجيّة تتعلّق بهيكلية الدولة الإيرانية وتشكيلها، وضغوط دولية (ضغوط قصوى وعقوبات)، وضغوط من داخل المجتمع الإيراني (احتجاجات متكرّرة وعصيان مدني). وقال في هذا السياق: "إنّ الجمهورية الإسلامية ومؤسساتها تطوّرت بطريقة لم يكن مخطّط لها دائمًا، وإنه جرت إضافة مؤسسات إلى الدولة لم يتصوّرها الدستور". وأكّد الباحث أنّ إضافة هذه المؤسسات لا يعني أنها تعمل بالترادف مع بعضها؛ إذ إنّ إيران تعاني، في أغلبية الأحيان، خللًا وظيفيًّا، وهو الأمر الذي يقوّضها من الداخل ويحول دون عملها بوصفها دولة متماسكة.

وتطرّق الباحث إلى مصادر قوّة الدولة الإيرانية. وقال إنّ إيران تتمتّع بأيديولوجية قويّة: "إنّ 15 إلى 20 في المئة من الإيرانيين تحرّكهم دوافع أيديولوجية، وينظرون إلى الدولة بوصفها دولة شرعية ويدعمونها على نحو فعّال". وأضاف قوله إنّ الدولة تتمتّع بشرعية انتخابية تراوح ما بين 30 و40 في المئة. أمّا النسبة المتبقّية من الإيرانيين التي تشكّل ما بين 70 و80 في المئة، والتي لا ترى أنّ الدولة شرعية، فإنّ الأغلبية الواسعة منها صامتة، لا تسعى إلى تقويض الدولة أو إطاحتها. وقال الباحث: "في الأنظمة الاستبدادية، تتشكّل الأغلبية الشعبية من خلال العملية السياسية. هناك لامبالاة ناجمة عن التكلفة المرتفعة لخوض غمار النشاط السياسي".

وتشكّل الهيكلية المؤسسية مصدرًا أكبر لقوّة الدولة الإيرانية، وتتميّز هذه الهيكلية بالعديد من الخصائص: أولًا، تؤدي الانتخابات في إيران ثلاث وظائف في السياقات الاستبدادية؛ إذ تمنح النظام مظهرًا من الديمقراطية، وتسمح للقادة بتقدير المشاعر العامة، وتسهّل عمليّة تجنيد النخبة، وهو أمرٌ أساسيٌّ بالنظر إلى أنّ خامنئي بدأ ما وصفه بالمرحلة الثانية للثورة في عام 2019. ثانيًا، إنّ نظام الدولة نظامٌ استبداديٌّ على نحو كبير، ولن تتردّد الأخيرة في اللجوء إلى تدابير قسريّة من خلال قوات عسكرية تنتمي إلى مجموعتين من حماة النظام؛ هما الحرس الثوري الإيراني، وقوّات الباسيج. ثالثًا، هناك آليات ومؤسسات داخلية تحافظ على النظام، لضمان عمله بالطريقة المطلوبة. وتتضمّن هذه الآليات والمؤسسات مجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، والسلطة القضائية. إضافةً إلى ذلك، يؤدي عدد من المؤسسات المعروفة بـ "الدولة العميقة" دورًا رئيسًا في الحفاظ على النظام؛ مثل أجهزة الاستخبارات، والمؤسسة الدينية، والمحكمة الخاصة لرجال الدين، وإذاعة جمهورية إيران الإسلامية.

وتناول الباحث الديناميات داخل النخبة والتيارات السياسية المختلفة، نظرًا إلى أنّ إيران ليست موحّدة، وتتضمّن مؤسسات متعدّدة يستخدمها كل تيّار لأهدافه الخاصة. وتشمل هذه التيارات المحافظين، أو الأصوليين، الذين يريدون الحفاظ على مبادئ الثورة، والإصلاحيين الذين يريدون إصلاح إرث آية الله الخميني، وتشمل المعتدلين أيضًا. وقال الباحث إنّ "وجود تبادل الآراء بين النخبة، على الأقلّ بين المعتدلين والأصوليين، هو في حدّ ذاته مصدر قوّة". وأخيرًا، بيّن الباحث أنّ دور الدولة الإيرانية، بوصفها المقاول الأساسي والمصدر الرئيس للثروة بالنسبة إلى جزء كبير من الشعب الإيراني من خلال المحسوبية والسلوك الريعي، يشكّل مصدرًا مهمًّا للقوّة. وفي ضوء المسألة المتعلّقة بخلافة خامنئي، اختتم كامرافا حديثه بقوله: "إنّ إيران والجمهورية الإسلامية باقيتان بعد رحيل خامنئي وقتًا طويلًا. وسيتدخّل الحرس الثوري الإيراني والدولة العميقة [في الشأن العام]، وستستمرّ الأمور كالمعتاد؛ ما قد يثير استياء المعارضة الإيرانية إلى حدٍّ بعيد".