إيريك سكاريه مقدمًا المحاضرة عبر تطبيق زووم، ومهند سلوم مترئسًا الجلسةاستضافت وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الثلاثاء 20 أيلول/ سبتمبر 2022، إيريك سكاريه، الباحث في جامعة أوسلو ومؤلف كتاب "تاريخ حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: العقيدة والوعي والثورة في الشرق الأوسط" (دار نشر جامعة كامبريدج، 2021)، الذي قدّم محاضرةً بعنوان "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: إلى أين؟"، ترأسها مهند سلوم، الأستاذ المساعد في برنامج الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا.

بدأ الباحث محاضرته بالإشارة إلى أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تُعدُّ من الفصائل الفلسطينية المسلحة المهمة والأقل فهمًا لها، سواء من حيث تاريخها أو أيديولوجيتها. وفي حين صُنفت الحركة، التي تأسست في قطاع غزة عام 1981 وبدأت بعملياتها العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1994، منظمةً إرهابية من جانب الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، فإنها تطوّرت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة، وثالث أكبر حركة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتتبعًا لتاريخ الحركة منذ نشأتها في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، عرّج الباحث على أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر تُعدُّ بمنزلة العباءة التي خرجت منها حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وبسبب طبيعة الإخوان المسلمين، رأى الشيخ أحمد ياسين أن اللحظة غير مناسبة للانضمام إلى المقاومة المسلحة. وبدلًا من ذلك، انخرطت الحركة في العمل الدعوي والاجتماعي والخيري. أمّا الآباء المؤسسون لحركة الجهاد الإسلامي (فتحي الشقاقي، ورمضان عبد الله شلح، ونافذ عزام، وعبد العزيز عودة)، فرفضوا البقاء في لحظة الانتظار، خاصةً أنّ الاحتلال الإسرائيلي يوسع من عملياته الاستيطانية يوميًّا، وأنّ قوته في ازدياد. وبناءً عليه، جاء تأسيس حركة الجهاد الإسلامي في بداية الثمانينيات إجابةً عن مسألتين؛ أولاهما مدى جدوى الكفاح المسلح وضرورة انخراط الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة في الجهاد المسلح ضد الاحتلال، بل انخراط قادته أيضًا في هذا الجهاد، أمّا ثانيتهما فهي حل التوتر بين الحركتَين الفلسطينيتين؛ الإسلامية، والعلمانية، ولا سيما أن مؤسسي الجهاد الإسلامي كانوا من رموز العلمانية سابقًا، وقد كان الشقاقي (المنظر الأهم للجهاد الإسلامي) ناصريًّا قبل أن يرى هذه الأيديولوجيا تنهار في حرب حزيران/ يونيو 1967. ورغم انخراطه في الحركة الإسلامية، فإنه كان يَجمع بين التوجهين العلماني والإسلامي؛ إذ لم يرَ الصراع بين الحركة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل صراعًا دينيًّا، بل رأى أن إسرائيل امتداد للاستعمار الغربي، وأنها وُضعت في قلب العالم الإسلامي لتحقيق مصالح الغرب، وأن استمرارها في الوجود لا يعني أن الفلسطينيين والمسلمين فقط هم الذين سيُضطهدون ويواجهون القمع، بل كل عالم الجنوب برمّته. وهكذا، أرادت الحركة منذ تأسيسها الجمع بين رسالتين؛ التوجه الوطني والإسلامي، ونزع التعارض بينهما.

بناءً على ذلك، استمرت التوترات بين حركتَي الجهاد وحماس منذ منتصف الثمانينيات حتى وصل التوتر إلى ذروته، عام 2007، مع سيطرة حماس على قطاع غزة، بحسب الباحث؛ إذ حثّ رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك والقيادي في حماس إسماعيل هنية الفصائل الفلسطينية، بما فيها الجهاد الإسلامي، على عدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل لإبقاء المعابر مفتوحةً من أجل وصول الوقود والأدوية والمواد الغذائية، ومنعًا لتأزيم الظروف المعيشية في قطاع غزة، وهي ظروف صعبة أصلًا. وقد عدّت حركة الجهاد هذا الأمرَ فراغًا خلّفته حماس، ومن ثمّ رأت أنها أهلٌ لملْء هذا الفراغ، باعتبارها "المدافع الأساس" عن الحقوق الفلسطينية، من خلال التمسك بمبدأ الخيار المسلح لتحرير فلسطين، وهو ما أيدته غالبية سكان قطاع غزة بعد فشل المفاوضات في تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967.

أشار الباحث إلى أن التصعيد الأخير في قطاع غزة (آب/ أغسطس 2022)، مثل باقي التصعيدات السابقة، يرتبطُ بالأحداث والمواجهات في الضفة الغربية التي تزداد تفاقمًا. وفي الإجابة عن سؤال: إلى أين يتجه مستقبل حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين؟ أوضح الباحث أنّ الحركة آخذة في الميل إلى زيادة التصادم مع الاحتلال الإسرائيلي. وبعد انتخاب زياد النخالة أمينًا عامًّا للحركة، تبيَّن أن الحركة استهدفت بصواريخها إسرائيل من دون استئذان حماس. وفيما يتعلق بأثر اغتيال خالد منصور في التصعيد الأخير، أشار الباحث إلى أنه من الممكن أن يتعزز معسكر "الصقور" مقابل ما يُعرف بـ "الحمائم" في الحركة لكونه كان أكثر اعتدالًا مقارنةً بنظرائه في القيادة العسكرية للحركة، مع الإشارة إلى أن الأمر ليس ثابتًا؛ لأن "الحمائم" في حماس والجهاد، على حدٍّ سواء، قد تتحول إلى "صقور" حينما تتصاعد أعمال العنف. وفي حين تدّعي الحركة انتصارها في المعركة الأخيرة "وحدة الساحات"، فإنه لا يمكن التقليل من حجم الضرر الذي تعرضت له، كما اعترف بذلك الناطق باسم الحركة أحمد المدلل. وفيما يخص علاقة الحركة بإيران، نفى الباحث أن تكون الحركة أداةً أو وكيلًا لإيران، وقال إنها علاقة تحالف لتحقيق مصلحتيهما، رغم دعم إيران لها ورعايتها إيّاها بالسلاح والتدريب العسكري والتمويل. فمثلًا، عندما طالبت إيرانُ الحركةَ بالتخلي عن حيادها في الحرب الأهلية السورية وأن تصدر بيانًا يدين الهجمات على الحوثيين، عام 2015، رفضت الحركة، ورأت أن التزام الحياد، في ظل التحولات السياسية في المنطقة، هو الخيار الأفضل بالنسبة إليها. ومن ثمّ، قطعت إيران تمويلها عن الحركة عدة أشهر. وبناءً عليه، فإن مستقبل الحركة يعتمد على إدارتها لعلاقاتها مع حماس من جهة، وإيران من جهة ثانية، وتمكّنها من تحقيق استقلاليتها من جهة أخرى.