بدون عنوان

المتحدثون في الندوة العلمية
صورة عامة للحضور المشارك في الندوة
جانب من الحضور المشارك
الحضور المشارك في أعمال الندوة

نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس ومنظمة Reset Doc (جمعية علمية إيطالية - أميركية)، بمناسبة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ندوة علمية بعنوان "تعافي الديمقراطية في وضع اقتصادي متأزم: مواجهة السخط الشعبي في سياق انتخابات سياسية"، وذلك يوم الجمعة 20 أيلول/ سبتمبر 2019، بتونس العاصمة.

وتأتي أهمية هذه الندوة في سياق الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمرّ بها تونس، وهي تَعْبُر تحوّلها الديمقراطي الصعب والمرتبك، خصوصًا أن السياق الإقليمي لا يسعفها كثيرًا بإمكانية الإسناد والدعم.

فمن أوروبا إلى تونس، بات تواصل متاعب الركود الاقتصادي وعدم وفاء العولمة بوعودها تحديًا لقدرة الديمقراطية على الاستجابة لحاجات الناس وانتظاراتهم. وهذا السياق يدفع بالخطاب الديمقراطي صوب تلك الحدود التي لا يمكنه تخطيها، والتي شكّلت الإطار التقليدي للمداولة الديمقراطية؛ وذلك تحت الضغوط المتنامية للشعبوية والإرباك الثقافي والاجتماعي الناجم عن مشكلات الهجرة، إضافةً إلى التهديد المتواصل للاتجاهات الراديكالية.

لذلك، كانت الندوة معنيّةً بمعرفة سُبل حل تلك المعضلات من خلال الإجابة عن جملة من الأسئلة التي طُرحت، منها: إلى متى سيستمر التوتر بين الإحباط الاقتصادي والاجتماعي من جهة، والحريات السياسية من جهة أخرى، قبل أن نبلغ المدى الأقصى (نقطة اللّاعودة)؟ وهل يغدو الأمل في بقاء الديمقراطية مهددًا؟ وما هي الحلول التي تساعد على تجنب سيناريو "حالة الطوارئ" وتوقّف الديمقراطية في تونس، وفي أوروبا؟

من أجل ذلك، جمع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس CAREP ومنظمة Reset Doc، بدعمٍ من وزارة الخارجية الإيطالية، في يوم دراسي بتونس، ثلةً من الجامعيين والسياسيين والإعلاميين؛ للنقاش حول سُبل تعزيز قدرة الديمقراطية على استعادة عافيتها.

التجربة الديمقراطية في تونس: أمراض الديمقراطية وتعافيها

في المحاضرة الرئيسة، تطرق الأستاذ عياض بن عاشور إلى الثورة التونسية باعتبارها ثورةً ديمقراطية رسّخت الحقوق الأساسية للمواطنين ووسعت المشاركة، وقد كان ذلك حتى قبل سَنّ دستور 2014؛ من خلال التشريعات الجديدة الصادرة التي تعلقت بقانون الأحزاب، وقانون الجمعيات، وصولًا إلى إلغاء دستور 1959، والاتفاق على الذهاب إلى خيار المجلس التأسيسي الذي صاغ دستورًا رائدًا في العالم العربي رسّخ دعائم الديمقراطية والحريات العامة. غير أن تجربة الديمقراطية التونسية كشفت، بعد مرور نحو عقد، عن بعض أمراضها، ومنها: تشتت النظام السياسي والصراعات الحادة التي شهدتها السلطة التنفيذية، وفوضى الحياة الحزبية (كثرة عددية، تقارب الأطروحات ... إلخ)، وعدم إدراك النخبة السياسية حجم التحديات، وعدم التحلي بالمسؤولية السياسية والأخلاقية، وهي "علل" لا بد من اجتنابها حتى لا تنحرف الديمقراطية ولا تنتكس. وقد لمّح بن عاشور إلى أن ظهور نزعات شعبوية في الخطاب الانتخابي الحالي لا يشكّل خطرًا؛ فالشعبوية هي أحد التغيرات الديمقراطية، شرط صونها من الانحرافات الكليانية والاستبدادية.

أما في المحاضرتين الافتتاحيتين، فقد تناول تباعًا الأستاذ معز السوسي في مداخلته الأزمة الاقتصادية الحادة التي مرت بها تونس ابتداءً من سنة 2010 على إثر سقوط النظام، مستعرضًا جملة من المؤشرات الاقتصادية الكمية التي كان لها أثرٌ خاص في الشباب؛ إذ توسعت دائرة الإقصاء الاقتصادي ومَواطن الهشاشة؛ ما دفع بهم إلى مقاطعة الحياة السياسية والانخراط في الاقتصاد الموازي والهجرة، ومن ثمّ حُرمت الديمقراطية حاضنةً شبابية تجددها.

أما الأستاذ إيمانويل فيليش Emanuel Felice (أستاذ الاقتصاد بالجامعات الإيطالية)، فقد تطرق في مداخلته إلى مختلف النظريات التي تناولت العلاقات الممكنة بين الاقتصاد (رخاء/ أزمة) من جهة، والديمقراطية من جهة أخرى. ورغم تحفظه عن النظريات الحتمية، فإنه أكد أن الرخاء الاقتصادي عمومًا يدعم ترسيخ الديمقراطية، باستثناء بعض الحالات المحدودة (الصين، والإمارات مثلًا)، وأكد أن التحول الديمقراطي إذا ما رافقته إصلاحات جوهرية تنشد قِيَم النجاعة والحوكمة فإنه يفتح عادةً أفق الازدهار الاقتصادي، كما أنّ الازدهار الاقتصادي يمكن أن يوطد الانتقال الديمقراطي الذي عادةً ما يتغير إذا صاحبته أزمات اقتصادية.

وألقى الدكتور رضوان المصمودي مدير مركز الإسلام والديمقراطية والدبلوماسي الأوروبي فرديناندو نلي فيروسي Ferdinando Nelli Feroci مداخلتين تناولتا تباعًا أسباب التعثر الاقتصادي الذي رافق التحول الديمقراطي بتونس، وموقف الاتحاد الأوروبي من الانتقالات الديمقراطية الحادثة بالجوار الأوروبي.

هل من ممكنات للخروج من الأزمة؟

عرض ممثلو بعض الأحزاب السياسية التونسية، في الجلسة الحوارية المخصصة للأحزاب السياسية التي أدارها كل من الأستاذ منير كشو (أستاذ الفلسفة السياسية) والإعلامية الإيطالية فريديريكا زوجا Frederica Zoj المختصة في شؤون المغرب العربي والعلاقات الأورو-متوسطية، جملةً من الأفكار كانت لاحقًا محلَّ نقاش ثري مع الحاضرين يمكن إجماله في ما يلي:

  • إنّ الازدهار الاقتصادي الذي عادةً ما ينسب إلى النظام السابق كان مجرد نمو كمي في بعض القطاعات، ولم يكن مصحوبًا بتنمية اجتماعية عادلة (نمو نسب الفقر، وحرمان المناطق الداخلية، والبطالة ... إلخ).
  • يحتاج المنوال التنموي إلى مراجعة شاملة تقتضي التخلص من الفساد والبيروقراطية والمركزية المفرطة.
  • تراجع قيم العمل، إضافة إلى تحلّل أجهزة الدولة والرقابة العمومية.
  • استولى النمو الاقتصادي الموازي على مقدرات البلاد، ونخر أجهزة الدولة بما في ذلك الأجهزة الأكثر سياديةً.

وقد حظيت الندوة بمتابعة جمهور غفير وتغطية إعلامية متميّزة.