بدون عنوان

المتحدثون خلال ندوة "الاتفاق النووي الإيراني: الدوافع والتداعيات الإقليمية والدولية"

قدّم مجموعة من الباحثين المتخصصين في الشأن الإيراني خلال ندوة عقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يوم الخميس (28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013) تحليلا مفصّلًا عن طبيعة الاتفاق الموقّت الذي توصلت إليه إيران مع القوى الغربية بشأن ملفّها النووي ومآلات هذا الاتفاق وتأثيراته الإقليمية. وأوضح الدكتور محجوب الزويري أنّ التنازلات التي قدّمتها إيران من أجل الوصول إلى هذا الاتفاق تنبع من سعيها إلى إعادة الإمساك بزمام الأمور بسبب الوضع الإقليمي، معتبرا سورية هي المرجل الذي سرّع مسار التفاهم الإيراني الأميركي بشأن الملف النووي. ورأت الدكتورة فاطمة الصمادي أنّ ضغط الجبهة الداخلية وتأثيرات العقوبات الاقتصادية ساهما بصورة مباشرة في دفع صانعي القرار الإيراني نحو توقيع الاتفاق. وأوضح الدكتور إبراهيم شرقية من معهد بروكينغز الدوحة أنّ الاتفاق الإيراني الأميركي خاضع في الأساس لمبدأ المصالح وقد تجاهل التحالفات الإقليمية لكل من الطرفين فوجدت كل من السعودية وإسرائيل نفسيهما بعيدتين عن الحسبة الأميركية، مستبعدًا في الوقت نفسه أن يكون ذلك تخلّيًا أميركيًّا عن الرابط الإستراتيجي الذي تقيمه مع كل واحدة منهما على اختلاف هذين الرابطين. وقدّر الدكتور مروان قبلان الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّ الاتفاق المبرم هو نتاج مفاوضات سرّية طويلة بين إيران وأميركا لم يعلم بها حتى حلفاء الولايات المتحدة، مستطردًا أنّ الاتفاق موقّت وأنّ التوصل إلى اتفاق دائم ستواجهه صعوبات كبيرة.

 

تغيّر في الخطاب وموت شعار "الموت لأميركا"

وقد استهلّ الندوة رئيس الجلسة الدكتور محمد المصري الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي أوضح أنّ عقد المركز العربي الندوة بعنوان "الاتفاق النووي الإيراني: الدوافع والتداعيات الإقليمية والدولية" ينبع من رؤيته والتزامه بمتابعة مجمل التطورات الإقليمية والعربية وتناولها على نحو تحليلي أكاديمي.

وكانت مداخلة الدكتورة فاطمة الصمادي الباحثة في مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "كيف تغيّر الخطاب والأداء السياسي الإيراني في ضوء الحاجة إلى توقيع الاتفاق؟". وأكّدت فيها الحاجة الإيرانية الداخلية إلى هذا الاتفاق بعد خمس دورات من العقوبات الدولية، وهو ما أثقل كاهل الإيرانيين ودفع بهم أخيرا للبحث عن مخرج. ورأت أنّ الرئيس الإيراني حسن روحاني كان ملزما بأن يختتم مئة يوم من رئاسته بإنجاز سياسي.

وركزت الصمادي في مداخلاتها على رصد تغيّر الخطاب الإيراني حيال أميركا، والذي رأت أنّه سابق لمجيء روحاني، ويقول هذا الخطاب صراحة إنّ إيران انتقلت من خانة المستضعفين والدفاع عنهم إلى خانة المصلحة والبحث عن مخارج. ومن أبرز أوجه التغير في الخطاب حديث رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني عن تغيّر الظروف وتبدّلها واستخدام لغة أخرى حيال أميركا. وقد قالها صراحة: إنّ "هذا الشكل من العلاقة بين إيران وأميركا لا يمكن أن يستمرّ". واللافت – حسب صمادي - أنّ كلّ التصريحات الرسمية التي تعبّر عن التقارب كانت لا تظهر في الترجمات العربية أو في نسخ البيانات الرسمية العربية.

ورأت صمادي أنّ المجتمع الإيراني بدأ يتخلّى عن الشعارات الكبرى التي لطالما رفعتها التيارات المحافظة ومناصروها برحيل الأجيال الحاملة لها، وبدأت تخرج أصوات "لا تريد الموت لأحد" في معارضة صريحة للشعار الأشهر "الموت لأميركا".

وختمت صمادي مداخلتها بالوقوف على الاختلافات في تفسير نصوص الاتفاق بين طرفيه (إيران، والغرب) وإمكانية أن تطيح بالاتفاق برمّته شارحةً مجموعة من النقاط التي يكتنفها الالتباس ضمن نصّ الاتفاق، مؤكدةً أنّ الاتفاق اعتراف بقوّة إيران الإقليمية، ويفتح المجال لرفع قدراتها الإستراتيجية في المنطقة، ويفتح الباب أمام عهدٍ من التواصل والتفاهم بين إيران وأميركا.


المأزق السوري واستعادة زمام الأمور

حضور كبير للباحثين والمهتمين في ندوة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

من جانبه قدّم الدكتور محجوب الزويري رئيس قسم العلوم الإنسانية في جامعة قطر مداخلة عن "السياق الداخلي الإيراني ولماذا استعجلت إيران توقيع الاتفاق". واستهل مداخلته بالتأكيد على ضرورة دراسة آلية عمل مؤسسة الحكم في إيران إزاء كل ما يتصل بالآخر السياسي من خلال السعي دوما لإعادة الإمساك بزمام الأمور عند كل مأزق سياسي أو داخلي. وأوضح أن النظام الإيراني ركّز على المشروع النووي بعد الاحتجاجات الداخلية، وهو الآن يسعى إلى إعادة الإمساك بزمام الأمور بهذا الاتفاق بعد أن شعر بالتهديدات التي يمثلها تورطه في الأزمة السورية، مستفيدًا من المقاربة الجديدة التي جاء بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في البحث الحثيث عن تقارب مع سورية لإبعادها عن إيران أو تقارب مع إيران لعزل سورية. وعدّ الزويري سورية المرجل الذي سرّع مسار التفاهم الإيراني الأميركي بشأن الملف النووي، إذ إن المأزق السوري هو الخطر الجدي سياسيا وعسكريا الذي يواجه إيران أول مرة منذ حرب إيران مع العراق.

وختم الزويري مداخلته بالقول إنّ مآلات الحالة السورية و"جنيف 2" سيؤثران في مسار الاتفاق الإيراني الأميركي إضافة إلى إشكاليات تطبيق الاتفاق وتفسيره.

ورأى الدكتور مروان قبلان الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في مداخلة بعنوانه "أفق العلاقة الأميركية – الإيرانية وانعكاساتها على رؤية واشنطن وسياساتها في المنطقة"، أنّ الاتفاق هو ثمرة خمس سنوات من المفاوضات السرية بين الإيرانيين والأميركيين ولم يعرف عنها أيّ من حلفاء الولايات المتحدة الأميركية بمن فيهم إسرائيل، موضحًا أنّ الاتفاق في نهاية المطاف هو التقاء لمصالح إيرانية أميركية أصبح ممكنًا في ظلّ رئاسة روحاني وتحت ضغط داخلي إيراني سببه الرئيس الأحوال الاقتصادية.

وأشار قبلان إلى أنّ السلاح النووي لم يكن يوما غاية إيرانية وإنما وسيلة لتوسيع النفوذ وهذا ما تحققه إيران منذ سنوات وتتوّجه بهذا الاتفاق، مع تأكيده أنّ إيران قدمت كل شيء ممكن في هذا الاتفاق، مشيرا إلى فشل اللوبييْن الصهيوني والسعودي في إفشال الاتفاق. وأوضح أنّ الاتفاق ليس نهائيًّا، وستشهد الفترة المقبلة الخلافات الأكبر التي تقبع في طريق تحويل الاتفاق من مرحلي إلى دائم.


هل تخلّت الولايات المتحدة عن حلفها مع السعودية؟

أوضح الدكتور إبراهيم شرقية، نائب مدير مركز بروكنجز – الدوحة، في مستهلّ مداخلة بعنوان "التداعيات الإقليمية والدولية للاتفاق النووي"، أنّ السعودية - وهي الحليف الأميركي الأهم المتصل باتفاق النووي الإيراني – تنتابها مخاوف متصاعدة من حلول إيران محلّها، بخاصة مع إثارة التساؤل في الأوساط الأميركية عن الحاجة إلى السعودية بعد التقارب مع إيران.

ورأى شرقية أنّه على الرغم من سياسة أميركا في تنحية حلفائها التقليديين عند خوض صفقاتها السياسية الجديدة، وهذا ما يظهر بوضوح في حالة إيران وأميركا وغياب السعودية عن المشهد؛ إلا أنّ الاتفاق مع إيران لا يعني الاستغناء عن السعودية، مؤكدًا أنّ التحالف المصلحي الأميركي السعودي لا يمكن التفريط فيه أميركيًّا.

واختتم شرقية مداخلته بالإشارة إلى أنّ الاتفاق يعدّ دليلا آخر على بطلان مقولة إنّ إسرائيل هي من يتحكّم في الولايات المتحدة الأميركية وإداراتها. وهذا يمكن أن ينطبق على القضية الفلسطينية؛ إذ يصبح الحديث عن تعطيل إسرائيل وجماعاتها الضاغطة في الولايات المتحدة الوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين غير صحيح، ونتنياهو الذي بنى كلّ خطابه الإعلامي على التذكير بالخطر الإيراني والتحذير منه، لا بدّ أنه الآن يواجه واقعًا جديدا.

يشار إلى أنّ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عقد ندوةً سابقة في التاسع من تشرين الأوّل / أكتوبر الماضي عن التقارب الإيراني الأميركي واحتمالات الوصول إلى اتفاق بشأن ملفّ إيران النووي. ويدأب المركز على عقد ندوات مواكبة للمتغيرات السياسية العربية والإقليمية بغية الوصول إلى مقاربات رزينة وجادّة في فهمها واستيعاب تأثيراتها.