بدون عنوان

اختتم مؤتمر "الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي" أعماله اليوم (الاثنين 3 تشرين الأول / أكتوبر 2016)، بعد ثلاثة أيام من المحاضرات والنقاشات التي شارك فيها أكثر من 60 باحثًا من المؤسسات الجامعية والبحثية في مختلف الأقطار العربية ومن خارجها. وأبرز المشاركون في المؤتمر الإشكاليات النظرية التي تطرحها علاقة المؤسسة العسكرية في البلدان العربية بالسياسة والسلطة. وقدّمت أوراق بحثية قراءة معمقة لحالات عربية من التدخل المباشر لـ "العسكر" في الحكم، وخصوصًا عبر الانقلابات.

العراق، موريتانيا والمغرب

شمل برنامج اليوم الثالث والأخير من المؤتمر ثلاث جلسات، جرت اثنتان منها في مسارين مزدوجين بالتزامن. وقد تناولت الجلسة الأولى في مسارها الأول موضوع "المؤسسة العسكرية العراقية ودورها السياسي بين التاريخ والراهن"، أبرز خلالها الباحثان الناصر سعيد وكمال حسن تجربة تدخل الجيش العراقي في السياسة عبر المراحل السياسية المختلفة بدءًا بالمرحلة الملكية (1921-1958)، والتي شهدت انقلابًا عسكريًا واحدًا (1936) أسقط الوزارة ولكنه أبقى على النظام الملكي، كما أنه كان بعيدًا عن التأثيرات الأيديولوجية الحزبية. وفي المرحلة الثانية، وهي مرحلة الجمهورية، تحوّل الجيش العراقي إلى مصدر لتوليد النُخب الحاكمة في الدولة، قبل أن تتسلل الأحزاب الأيديولوجية إلى صفوفه، وتصبغ انقلاباته بصبغتها الأيديولوجية، ابتداءً من انقلاب 1963 فصاعدًا. ثمّ جاءت المرحلة الثالثة، والتي سيطرت خلالها النخبة الحزبية المؤدلجة (حزب البعث) على الجيش والسلطة تمامًا، مبتدئةً عصرًا جديدًا من استخدام الجيش لتحقيق الأهداف السياسية المباشرة للسلطة، وهو ما انتهى إلى كارثة تحطم الجيش والدولة العراقية على حدّ سواء بغزو العراق عام 2003. وقدّم في الجلسة نفسها كل من الباحث عماد علو ورقة بحثية موضوعها "الدور السياسي للمؤسسة العسكرية العراقية في مراحل التحول الاجتماعي"، وعزيز سردار ورقة بحثية ثانية موضوعها "الجيش والسياسة في إقليم كردستان".

وتواصلت في المسار الثاني للجلسة الأولى مناقشة مسألة "مشكلات العلاقة بين الجيش والانتقال الديمقراطي في بلدان المغرب العربي"، وهو الموضوع الذي جرى تناوله في جلستين في اليوم الثاني، وناقش المشاركون في هذا المحور في اليوم الأخير حالتي موريتانيا والمغرب. وقال الباحث محمد يحيى حسني الذي قدم ورقة عنوانها: "كوابح التحول الديمقراطي: الانقلابات العسكرية والحكم العسكري في موريتانيا نموذجًا"، إنّ موريتانيا ظلت بعيدة عن شبح الانقلابات 18 سنة بعد نَيل استقلالها عن فرنسا سنة 1960، غير أنّ الانقلابات أصبحت قاعدة بعد أوّل انقلاب سنة 1978. ومنذ تلك اللحظة، أصبح الانقلاب العسكري هو المنفذ الوحيد إلى السلطة، وأصبح العسكر الفاعلَ الأهمّ والأقوى في الدولة. وأكد الباحث أنّ تحليله خلص إلى أنّ الجيش عائق أمام الانتقال الديمقراطي مادام غير تابع لقيادة مدنية تحكمه، ومادام مشغولًا بمطامع سياسية ويدخل طرفًا في اللعبة السياسية الداخلية التي هي شأن الفاعلين المدنيين أساسًا.

وأوضح الباحث محمد بن عبد الرحمن بابانا في ورقته: "عوائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي: موريتانيا نموذجا"، أنّ الطريق نحو التحول الديمقراطي في العالم العربي تبدأ بالعمل على توعية الشعوب بحقوقها وواجباتها، وهو ما يحرر العقليات ممّا علق بها من استكانة وخنوع، وبواجبها في الدفاع عن ذلك، وإقناع العسكر بأنّ مكانه هو الثغور وثكناته ومؤسساته الخاصة به، أسوةً بنظرائه من الجيوش في العالم الحرّ المتمدن.

من جانبه، أكد الباحث المغربي إحسان الحافظي أنّ المؤسسة العسكرية المغربية شهدت تحولات انتقلت بموجبها المؤسسة العسكرية من قطاع حكومي تحت إشراف وزير للدفاع إلى إدارة مكلّفة بالدفاع الوطني فحسب، تخضع للإشراف الملكي المباشر، وضمن هذا المسار اختفت المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية، بخاصة بعد الانقلابين الفاشلين ضدّ النظام الملكي في سنتي 1970 و1972.

وقد خصصت الجلسة الثانية من اليوم الأخير لدراسة علاقة الجيش بالسياسة في الحالة المصرية ضمن المسار الأول، وفي الحالة السودانية ضمن المسار الثاني.


دروس انقلاب تركيا الفاشل

خصصت الجلسة الأخيرة من المؤتمر لمناقشة مسألة "مقاومة الانقلابات في الديمقراطيات الفتيّة في ضوء الانقلاب التركي الأخير"، وقدم خلالها الباحث أحمد أويصال ورقة بعنوان: "العلاقات المدنية - العسكرية في تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية"، جاء فيها أنّ التدخل العسكري عام 1998 الذي أطاح نجم الدين أربكان تسبب في أزمات اقتصادية وسياسية طاحنة، وهذا ما مهّد الطريق للفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية الذي أحرز تأييدًا واسعًا، بالنظر إلى أنه حزب غير مرتبط بالعسكر. وقد اهتمّ حزب العدالة والتنمية بالمدنيين الأتراك من خلال تبنّيه التعديلات الدستورية والمطالب الشعبية، وسرعان ما بدأ التحكم في الشؤون الخارجية والأمنية التي طالما احتكرها الجيش. وساعدت زيادة نفوذ حزب العدالة والتنمية جمعية غولن على الانتشار في مؤسسات الدولة، بعد أن توطد ائتلافها مع حزب العدالة والتنمية، على نحو خاص، بعد محاولة الانقلاب عام 2007، ومن ثمّ زاد اختراقها للدولة. وتمكنت جمعية غولن من التأثير داخل الجيش وبث دعوتها بين الرتب العالية. وبعد فشل محاولتها المتمثلة بإطاحة حزب العدالة والتنمية عام 2013 من خلال دعوى قضائية باطلة بحجة الفساد، لجأت إلى محاولة الانقلاب في تموز/ يوليو 2016، ولكنّ المحاولة فشلت، وهو ما فتح صفحة جديدة في العلاقة بين العسكر والحكومة المدنية في تركيا.

من جانبه، قال الباحث التركي مراد يسيلتاس إنّ الإجراءات التي اتخذها أردوغان والحكومة التركية في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة ومست تركيبة القوات المسلحة وتنظيمها ترسم معالم "تحوّل" فعلي للجيش التركي.

وسجلت الباحثة فيروز لمطاعي، في ورقتها عن "المعالجة الإعلامية لمحاولة الانقلاب العسكري في تركيا في القنوات العربية والغربية"، الدور البارز الذي كان لوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في إحداث الفرق والمساهمة في إفشال الانقلاب.

يُذكر أنّ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات قد عقد أربع نسخ سابقة من المؤتمر السنوي العلمي لقضايا التحوّل الديمقراطي في الأعوام 2012 و2013 و2014، و2015، وقد كانت مواضيعها على النحو التالي: "الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتجاهات"، و"الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: مسائل المواطنة والدولة والأمّة"، و"المسألة الطائفية وصناعة الأقليات في المشرق العربي الكبير"، و"العنف والسياسة في المجتمعات العربية".