بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العدد الخامس والعشرون (صيف 2018) من دورية "عمران" للعلوم الاجتماعية. جاء هذا العدد ضمن محور بعنوان "الحراك النسائي العربي في مدن الرجال". وقد تضمّن مجموعة من المقالات الأكاديمية التي عالجت زوايا مختلفة متعلقة بنضال المرأة العربية، أو تكيّفها مع مؤسسات الهيمنة الذكورية في بلدان عربية مختلفة؛ في المشرق والمغرب العربيين. واحتوى العدد، كذلك، ترجمةً لمقالة جوديت بتلر الشهيرة التي باتت، بالنسبة إلى أغلب المهتمين بدراسات النوع الاجتماعي، نصًّا كلاسيكيًا مهمًا. واحتوى العدد، أيضًا، أربع مراجعات كتب؛ أبرزها مراجعة لكتاب ناقش تطوّر "ظاهرة العمل" خلال الألف سنة السابقة. وقد عرضت "عمران" في هذا العدد لوحات الفنان التشكيلي السوري إسماعيل نصرة التي تعكس الأنثى بكل حالاتها وأشكالها.

في نقد العمل التنظيمي النسائي العربي

تصدّر قسمَ "دراسات" بحثان إثنوغرافيان تناولا أشكال العمل التنظيمي النسائي في فلسطين والعراق. فقد قدّمت زهراء علي ورقةً تسعى لاستكشاف الأدوار التي تقوم بها النساء العراقيات، منذ عام 2003، من خلال المنظمات النسائية غير الحكومية؛ بما في ذلك الجهود التنظيمية التي ترفع لواء الدفاع عن حقوق المرأة. وتوصّلت الدراسة التي جاءت بعنوان "النسوية في العراق: بين فرض نهج المنظمات غير الحكومية والعنف الطائفي والنضال من أجل دولة مدنية"، إلى أنّ الفساد العامّ وضعف الدولة العراقية دفعا الكثير من المجموعات النسوية العراقية إلى الاعتماد على التمويل الأجنبي أو الدولي بدلًا من التمويل الحكومي، وهو الأمر الذي أثّر في "نشاطها وبرامجها وحملاتها وفعالياتها وحتى مفردات خطابها بشدة بالدعم المالي الذي تلقّته"، والذي أدى إلى بروز خطاب نيوليبرالي نخبوي ينفصل عن واقع النساء الملموس، ولكنه يتيح لهن في الوقت نفسه أداء دورٍ سياسي محدود في تحدّي "الطبيعة الإثنية-الطائفية والفاسدة للنظام السياسي ما بعد 2003".

أما مقالة عرين هواري، فتستكشف الخطاب والنشاط الاجتماعيين والسياسيين للقياديات والفاعلات في الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948. وقد شددت دراستها التي جاءت بعنوان "بين الدين والنوع الاجتماعي والاستعمار: قياديات وناشطات في الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر"، على أهمية قراءة نشاط النساء الناشطات في الحركة الإسلامية بشقيها الشمالي والجنوبي، في سياق المواطنة الاستعمارية التي دفعت الناشطات الإسلاميات إلى التركيز على هوية المجتمع والفرد على حساب الاشتباك مع النظام السياسي الاستعماري. ولاحظت الباحثة أن تمثيل النساء داخل أطر صنع القرار الحزبي يكاد يكون معدومًا، على الرغم من ارتفاع نسبة تمثيلهن داخل إدارات الحركة الإسلامية ومؤسساتها وجمعياتها. واستنتجت أنّ سبب غياب الوعي بالمسألة الجندرية لدى نساء الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر هو انشغالهن بالعمل على المشروع الاجتماعي الإسلامي الذي يتجنب المسّ بالسؤال السياسي.

الهيمنة الذكورية في الثقافة الشعبية المغربية

تناول هذا المحور أيضًا ثلاث دراسات عالجت التهميش والتمييز ضدّ المرأة في المغرب والجزائر. وقد شخّص ياسين يسني، الأشكال المختلفة من التمييز الذي تعانيه المرأة المغربية السوداء في الثقافة الشعبية المغربية التي تنعكس في الإعلام الرسمي والخاص ومجمل الممارسات العامة. وبيّن الباحث، في ورقته "وضع المرأة السوداء في المغرب بين وصمَي اللون والنوع الاجتماعي"، أنّ المرأة السوداء تعيش تجربة تمييزية تتقاطع فيها الهيمنة الذكورية والعنصرية. كما بيّن أنّ تأثر المغرب بالاتجاهات الثقافية والفكرية النسوية الفرنسية، وغياب التواصل مع النسوية السوداء الأميركية انعكس على الحركة النسوية المغربية التي برزت بوصفها نخبة نسوية بيضاء. وأشار الباحث، كذلك، إلى أنّ الاتجاهات النسائية المغربية، سواء كانت إسلامية أو يسارية أو ليبرالية، قد همّشت مسألة "عنصرية اللون" لمصلحة خطابات تشدد على أهمية الأسرة (الاتجاه الإسلامي)، أو الصراع الطبقي (الاتجاهات اليسارية).

وفي سياق مختلف، قدّم مراد جدي دراسة تقرأ صورة المرأة المغربية المتدينة في الخطاب الديني السياسي على مختلف مستوياته. وقد بيّن الباحث في مقالته التي جاءت بعنوان "صورة المرأة المتدينة في خطاب الفاعل الديني السياسي المغربي"، أنّ جميع الخطابات الدينية السياسية في المغرب، سواء كانت صادرة من السلطة أو من حركات الإسلام السياسي، تكرّس صورةً دينية سلبية ومنقوصة للمرأة المتدينة في إطار تنافسها في تمثيل الحقل الديني في المغرب. واستنتج الباحث أنّ الخطاب الفقهي المهيمن، بمصادره المختلفة، يفتقد رؤية تجديدية تضع علاقات النوع الاجتماعي في صلب اهتماماته، مساهمًا بذلك في إعادة إنتاج نظام "الحريم" وتبريره دينيًا.

وقد درست صبيحة كيم، الهجرة غير الشرعية وسط النساء في الجزائر المعروفة بظاهرة "الحراقات". وقدّمت الباحثة جهدًا إثنوغرافيًا، محاولةً من خلاله فهم دوافع النساء الجزائريات إلى الهجرة غير الشرعية، موضحةً، في دراستها "الهجرة غير الشرعية للمرأة الجزائرية بوصفها نموذجًا للمقاومة النسوية: دراسة سوسيولوجية لظاهرة ’الحَرّاقات‘"، أنّ هذه الدوافع تكمن في الهروب والتحرر من الأوضاع والظروف المعيشة، ورفض الآخرين والقطيعة العائلية والتهميش، والعنف المادي والرمزي، والخوف من المستقبل. ورأت الباحثة أنه يمكننا اعتبار ظاهرة "الحَرْقَة" النسائية شكلًا من أشكال المقاومة الاجتماعية ضد الهيمنة الذكورية المفروضة من مختلف المؤسسات الاجتماعية.

مساهمات نظرية في النوع الاجتماعي

اختتم الملف بمقالة لفوزي بوخريص، بعنوان "سوسيولوجيا التربية وسؤال النوع الاجتماعي: من التفاوت الاجتماعي إلى التفاوت بين الجنسين"، ناقش من خلالها التحولات التي أفضت إلى اهتمام سوسيولوجيا التربية الفرنسية بموضوع التربية والنوع الاجتماعي، بعد أن انحصر اهتمامها حتى تسعينيات القرن الماضي في علاقة التربية بالتفاوت الاجتماعي. وقد بين الباحث أنّ أحد الأسباب التي أدت إلى صمت سوسيولوجي عن إشكالية النوع الاجتماعي داخل النظم التعليمية الفرنسية، هو هيمنة المنهجيات الماركسية فترةً طويلةً، وأنّ غالبية الباحثين في حقل سوسيولوجيا التربية رجال. غير أن الباحث أكّد أنّ فترة التسعينيات شهدت اهتمامًا متزايدًا بمسألة النوع الاجتماعي داخل أنظمة التعليم التي عبّر عنها صدور كتاب بيار بورديو عن الهيمنة الذكورية.

وتضمّن العدد، أيضًا، ترجمة لمقالة المفكرة الاجتماعية المعروفة جوديت بتلر، بعنوان "الأفعال الأدائية وتكوين الجندر: مقالة في الظاهراتية والنظرية النسوية"، وقد ترجمها إلى العربية ثائر ديب. ويُعدّ هذا النصّ من كلاسيكيات النسوية التي تعتبر العلاقات الجندرية السائدة والأعراف التي تقف خلفها مُكوّنة تكوينًا؛ ومن ثمّ، يمكن تكوينها بصورة مختلفة.

دولة الرعاية في إيران وتشكّل الدولة في الأردن

اشتمل قسم "مراجعات الكتب" على أربع مراجعات تناولت اثنتان منها تشكيل الدولة في إيران والأردن. وقد ناقشت فاطمة الصمادي كتاب "ثورة اجتماعية: السياسة ودولة الرفاه في إيران" لكيفان هاريس الذي سلّط الضوء على تطوّر مؤسسات الرعاية الاجتماعية في إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979، في حين ناقش حاتم الصرايرة كتابًا جديدًا بعنوان "الكفاح من أجل إقامة الدولة في الأردن" لجيمي ألينسون الذي درس تشكّل الدولة الحديثة في الأردن.

وراجع صباح الناصري كتاب أندريا كوملوسي "العمل: الألف سنة الماضية" الذي يُعتبر مرجعًا مهمًا لفهم تطوّر شكل العمل وعلاقاته في القرون العشرة الأخيرة، بينما ناقش أحمد عز الدين أسعد كتاب "الجهاد في الغرب: صعود السلفية المقاتلة" لفرايزر إيغرتون، وهو كتاب يدرس السياق الاجتماعي والثقافي لتطور الحركة الجهادية في أوروبا. واختتم هذا العدد بتقرير نقدي أعده محرز الدريسي تناول فيه أعمالًا ودراسات قدّمت في ندوة "الحركات الاجتماعية والاحتجاج في سياقات انتقالية" التي عقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع تونس.


** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.