بدون عنوان

  شاهد فيديو موجز الندوة يقدمه د. محجوب الزويري

على مدى يومي 19 و20 كانون الأول (ديسمبر) 2010، نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أولى ندواته، حيث تمت مناقشة موضوع "إيران والعرب.. مراجعة في التاريخ والسياسة". ورغم راهنية وإلحاحية الموضوع، إلا ان ندوة المركز عقدت لمناقشته علميا، ومن منظور تاريخي فكري. وقد عالجت الندوة التي أدارها الدكتور محجوب الزويري، وشارك فيها نخبة من الباحثين والمفكرين العرب، سلسلة من المحاور المهمة، عن دور التاريخ والجغرافيا والدين في العلاقة بين إيران والعرب، وما تفرع عن هذه العلاقة من تفاصيل تتعلق بالمشرق العربي، والمغرب العربي والقضية الفلسطينية. كما عالجت الندوة البعد القومي العربي والبعد الدولي في العلاقة مع إيران. وشارك في الندوة باحثين من عدة مناطق، منهم :الدكتور برهان غليون، والدكتور طلال عتريسي، والدكتور وجيه كوثراني، والدكتورة فاطمة الصمادي، والدكتور محمد السعيد إدريس، والدكتور موسى الغرير، والدكتور محمد الأحمري، والدكتور أنور أبو طه، والكتورة نيفين مسعد.

عزمي بشارة: نسعى لطرح إمكانية تأسيس موقف مشترك يمكّنُ العربَ من الاختلاف والاتفاق مع إيران

افتتح الندوة المدير العام للمركز ،الدكتور عزمي بشارة بكلمة شرح فيها رسالة وأهداف وأنشطة المركز البحثية، حيث أكد أن نشاط المركز يتمثل في محاولة تشكيل حيز عام ثقافي عربي يكون فضاء للتواصل العقلاني، وتشكيل أجندات بحيثة للباحثين لترشيد الرأي العام والمؤسسات. وأوضح أن المركز سيحرص من خلال الحوار بين باحثين ومتخصصين عرب حول العلاقة مع دولة غير عربية مجاورة ومهمة: "نرغب أن يتشكّل حدٌ أدنى من التصور لمصالح هذه الأمة".

وأشار الدكتور بشارة إلى أن المركز سيصدر منشوراته بالعربية والانكليزية، وقال إن المركز يخطط لعقد ندوات كثيرة يشارك فيها مفكرون وباحثون عرب وأجانب، لكن المركز يرغب في البداية أن يتم التحاور على أساس الحد الأدنى المشترك وهو طرح إمكانية تأسيس موقف مشترك يمكّنُ العربَ من الاختلاف والاتفاق مع إيران، ويمكّنهم من التعاون معها، من دون تضييع المحاذير والخطوط الحمراء التي يجب أن تراها إيران، والتي تُسمّى قضايا الأمن القومي العربي، وثانيا، هل تشكل إيران خصما للعرب أم تحديا قد يدفعهم الى إعادة النظر بقضايا السيادة وعلاقتها بالتنمية، وقضايا التبعية للغرب، وقد يلقى الضوء مجددا على أهمية مشروع الدولة.

كما قدم الدكتور بشارة ما وصفه بملاحظات عامة في موضوع علاقة العرب بإيران، تعرض فيها الى مرحلة ما بعد الحرب الأمريكية العدوانية على العراق، حيث تداعى حاجز قوي أمام تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وبدأ التمدد في العراق ذاته ولم يكن للدول العربية القريبة، ناهيك بتلك البعيدة، أية خطة مشتركة أو منفردة للعمل في العراق والتأثير في مستقبله بعد انهيار النظام السابق تحت وطأة الحرب والاحتلال.

وأكثر من ذلك لقد عارضت ايران الحرب نظريا، ولكنها أعدّت العدة للاستفادة منها عمليا منذ ما قبل الحرب، وقد شكّلت الهيئات اللازمة لذلك ووضعت لنفسها أهدافا عملت بدأب في ما بعد على تطبيقها. وهي ان تنتصر الولايات المتحدة في العراق بما يكفي للتخلص من النظام البعثي، ولكن ألا تنتصر بما يكفي لكي تضر بإيران، والسعي لترسيخ النفوذ الإيراني في العراق ومنع نشوء عراق قوي من جديد.

ولذلك فقد اتخذت ايران موقفا نظريا من الحرب، واستفادت منها عمليا. وعندما لزم الأمر انتقلت الى التشويش على السيطرة الامريكية على العراق بدعمها، الانتقائي طبعا، لفرق المقاومة. وقد سارعت للاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي يوم 17 نوفمير 2003 اي منذ بداية تشكله.

وفي معرض حديثه عن مواقف الدول العربية قال إن موقف بعضها كان: "تأييد الحرب والتظاهر بعكس ذلك"، أو "التزام الصمت"، وبعضها الآخر "عارض الحرب"، لكن الدول العربية "لم تدعم المقاومة، باستثناء تسهيلات سوريا لعبور المقاتلين". وأضاف بشارة أن الدول العربية لم تنسّق خطوات لبلورة سياسة عربية في العراق، وظلت مرتبكة مقابل التأثير الإيراني المتزايد إذ لم تعترف الدول العربية بالحكومة وبالترتيبات الانتقالية إلا على مضض، ولكنها أيضا لم تدعم المقاومة. اي انها كانت فاقدة الاستراتيجية.

 وقال الدكتور بشارة انه من السهل تشخيص التجاوزات الإيرانية للمصالح العربية في العراق، لكن التحدي الأكبر يكمن في إدراك الحالة العربية ذاتها. وإذا أجريت بشكل علمي تصبح دراسة العلاقات العربية مع أية دولة إقليمية كبيرة، أو حتى مع دولة كبرى كالولايات المتحدة أداة دقيقة لإلقاء الضوء على إشكالات كبرى في الحالة العربية ذاتها.

فهمي هويدي: الانطلاق من رؤية استراتيجية واضحة تتحرى مصالح الامة العليا

وشارك في جلسة العمل الأولى كل من الاستاذ فهمي هويدي، والدكتور وجيه كوثراني، والدكتور محجوب الزويري.

 وأشار هويدي الى تأثير المذهب والسياسة في العلاقة بين العرب وايران رغم انتمائهم الى دين واحد، مشيرا الى ان العلاقات بين الطرفين مرت باربع مراحل هي مرحلة ما بعد فتح بلاد فارس ودخول اهلها الاسلام ومرحلة تحول ايران الى المذهب الشيعي في العصر الصفوي ومرحلة النفوذ الغربي على ايران وتحولها الى ساحة للصراع الدولي ثم قاعدة للنفوذ الامريكي ومن ثم اشتباكها مع المد القومي الذي قادته مصر في الفترة الناصرية ثم مرحلة تبادل الادوار التي في ظلها هيمن النفوذ الغربي على العالم العربي في حين استقلت ايران بعد الثورة الاسلامية.

وحول العلاقات العربية - الايرانية شدّدَّ هويدي على ضرورة الانطلاق من رؤية استراتيجية واضحة تتحرى مصالح الامة العليا ولا تحدد الاهداف لهذه الرؤية فحسب، بل ترتب أولويات تلك الاهداف أيضا استراتيجية لا تغفل عناصر التاريخ والجغرافيا وتستثمرها لصالح مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.

 واعتبر هويدي ان منطقة الشرق الاوسط في التفكير الاستراتيجي لها ثلاثة أعمدة أساسية تمثل مصر وايران وتركيا وان الوفاق بين هذه الدول يفتح الباب واسعا للنهوض بالمنطقة بأسرها، في حين ان الشقاق بينها يشكل عائقا أساسيا يحول دون تقدمها واستقرارها، وانه ليس المطلوب إنهاء كل الخلافات بين العرب وايران لكي يستقيم التعاون بينهم، ولكن المطلوب توفير قدر من الثقة بين الطرفين يسمح بادارة الخلافات بأسلوب حضاري وعصري وألا احد يستطيع أن يحسب كل شيعة المنطقة العربية على المربع الايراني لأن واقع الحال ليس كذلك بالضرورة وانه من المهم ان تتعامل الانظمة العربية مع الشيعة الذين يعيشون تحت مظلتها باعتبارهم مواطنين لهم جميع حقوق المواطنة في اقطارهم.

وجيه كوثراني: جرت "أسطرة" معركة القادسية في الذاكرة الايديولوجية كأنها معركة بين قوميتين

اما الدكتور وجيه كوثراني فقد استحضر في ورقته محطات من تاريخ العلاقة بين العرب وايران، حيث اختار أن يسلط الضوء على الفرق بين الذاكرة والتاريخ، مختارا مجموعة قضايا ليبرز من خلالها الفرق بين التاريخ الموضوعي وبين الذاكرة الاسطورية الميثولوجية: معركة القادسية، وقضية الشعوبية وايران والعرب، والتشيع والتسنن، والحرب بين الصفويين والعثمانيين، وولاية الفقيه العامة ودلالاتها وتمثلاتها عربيا وايرانيا.

 وأوضح كوثراني ان القادسية في الذاكرة الاسطورية - الايديولوجية معركة بين قوميتين حيث تقدم الذاكرة الجماعية العربية، لا سيما تلك التي تتشكل بفعل حوافز الجر وتحدياته صورا من الغلبة العصبية تحفيزا او تحريضا في حين ان القادسية كما اليرموك كما فتح مصر كانت تعبيرا عن تجليات صراع مرحلي بين امبراطوريات آخذة بالتفكك.

وفي محور ايران والعرب بين التشيع والتسنن، ينفي كوثراني صحة الصورة التي تتكرر في الذاكرة العربية او الذاكرة الايرانية من ان التشيع المبكر في ايران كان يتماهى مع موقف قومي فارسي او بان أصل التشيع كان فارسيا قائلا انها صور تحملها روايات خيالية اسطورية.

 اما في قضية الصراع العثماني الصفوي مذهبيا فيتحدث فيها عن بروز ظاهرتين تاريخيتين في هذا الصراع تتمثلان بتصاعد فتوى التكفير المتبادل بين فقهاء المعسكرين العثماني والصفوي والثانية ان العديد من علماء الشيعة العرب استقدمهم الشاه اسماعيل لتشييع ايران وفي طليعتهم الشيخ نور الدين الكركي.

وركزت ورقة الاستاذ محجوب الزويري، الذي نسق المؤتمر من قبل المركز، على دور الجغرافيا في العلاقة بين العرب وايران، حيث عرف العرب بلاد فارس قديما، كما عرف الفرس بلاد العرب مستشهدا بالجدارية الموجودة في مدينة شيراز الايرانية والتي تظهر عربا على جمالهم يقدمون هدايا الى الامبراطور الاخميني في اشارة الى نفوذ ايران في بلاد العرب في العراق وفي شبه الجزيرة العربية.

محمد الأحمري: يجب تشجيع أفكار واجتهادات التنوير والاصلاح لتخفيف مخاطر المذهبية

وناقشت الجلسة الثانية للندوة من خلال ثلاث اوراق عمل تقدم بها الدكتور محمد الاحمري والدكتور مازن اسماعيل الرمضاني والدكتور موسى الغرير العلاقات العربية-الايرانية. قدم الدكتور الاحمري ورقة عمل تحت عنوان الاوهام والحقائق في العلاقات العربية - الايرانية، تحدث فيها عن عدم وجود رؤية سياسية مستقلة للحكومات العربية تجاه هذه القضية، كما تحدث عن المؤثرات الداخلية والخارجية للعلاقة العربية - الايرانية، اضافة الى تأثير النفط معتبرا ان التهويل من الخطر الايراني، سواء كان هذا الخطر حقيقيا او وهميا يهدف بشكل مباشر الى تنصيب اسرائيل لتكون ادارة وعقلا سياسيا مدبرا للحكومات العاجزة.

 مشددا على اهمية تشجيع افكار واجتهادات التنوير والاصلاح والتجديد الفكري في المدرستين الشيعية والسنية فذلك كفيل بتخفيف المخاطر المذهبية والخلافات.

اما الدكتور الرمضاني، الذي تغيب بسبب سوء الأحوال الجوية وإغلاق مطار هيثرو في لندن، فتحدثت ورقته عن العلاقة العراقية - الايرانية وسيناريوهات هذه العلاقة في ضوء الانسحاب الامريكي من العراق نهاية عام 2011 في حين تحدثت ورقة الدكتور موسى الغرير عن العلاقات السورية - الايرانية المبادئ التي قامت عليها ومستقبل هذه العلاقات معتبرا انه يمكن اخذ النجاحات التي تحققت في العلاقات السورية - الايرانية كأنموذج يمكن التأسيس عليه لزرع الثقة والاطمئنان مع دول الجوار العربي من خلال تشجيع الانفتاح والحوار مع الجانب الايراني تمهيدا لازالة المخاوف والشكوك المفتعلة والمغذاة امريكيا واسرائيليا واوروبيا وصولا الى سياسة تقوم على التعاون والتنسيق ضمن معايير واضحة ومحددة وحزمة تطمينات تحترم الخصوصية والسيادة لكل دولة.

طلال عتريسي: علاقات الدول العربية بإيران ليست ذات درجة واحدة

وتحدث الدكتور طلال عتريسي في زاوية من أهم جوانب الندوة وهي علاقة ايران مع دول المشرق العربي، ودول الخليج على وجه الخصوص، مشيرا الى ان العلاقة مع ايران ليست بدرجة واحدة بحسب المصالح المتباينة وحسب المخاوف من ايران، وقال ان العلاقة بين ايران والدول العربية ليست جيدة، وليست سيئة، ويتغير توصيف العلاقة بين مرحلة واخرى.

وقال عتريسي ان التحول الاستراتيجي الذي حدث في علاقة العراق وايران، كان بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث انتقلت العلاقات الى مرحلة جديدة لم تعرف في تاريخ البلدين، ويكفى ان نذكر ان العراق وقّع مع ايران اكثر من 170 اتفاقية، وبلغ حجم التبادل التجاري في عام 2009 نحو 7 مليارات دولار، وتتوقع طهران ان تبلغ قيمة الصادرات الى العراق في عام 2010 نحو 8 مليارات دولار ، وبذلك تعتبر ايران الشريك التجاري الرئيسي للعراق.

 واشار الى النفوذ السياسي لايران في العراق، الامر الذي جعل الولايات المتحدة ترغب في الحوار مع ايران بشأن مستقبل العراق.

وبشأن العلاقة بين ايران ودول الخليج العربية، اشار الى علاقة ايران مع السعودية من حيث المستوى السياسي والى علاقة ايران والامارات العربية المتحدة من حيث المستوى الاقتصادي.. وقال إن الخلاف السياسي بين ايران والسعودية بسبب بعض الملفات في المنطقة.. وعلى صعيد الامارات تبرز دبي العاصمة الاقتصادية صاحبة الدور الابرز في العلاقة مع ايران.

أنور طه: انكشاف النظام العربي أدى إلى التقدم الايراني على الساحة العربية

ومن ناحيته تناول الدكتور أنور طه علاقة ايران بالقضية الفسطينية (جدل الايديولوجيات والمصالح)، حيث تحدث عن اربع تيارات سياسية ايرانية وهي التيار القومي البراغماتي وتيار القطرية الاسلامية الذي يدعو الى التسليم بالحدود الدولية وتيار خط الامام وهو التيار الرئيسي السائد.. وتيار الواجب الالهي السلفي الذي لا يهتم بالعواقب ويدعو الى الالتزام بالتكاليف الشرعية الخاصة بنصرة الاسلام ولا يعترف هذا التيار بالحدود وقال إن انكشاف النظام العربي اكد نظرية الفراغ الاقليمي، الامر الذي ادى الى التقدم الايراني على الساحة العربية من الخليج العربي الى المحيط بفعل موقف ايران من قضية العرب التاريخية (فلسطين) وبفعل المواقف الجزئية من السياسات الاسرائيلية والمشاريع الغربية في المنطقة.

ومن جانبها قالت الباحثة فاطمة الصمادي ان جدل العلاقة بين ايران وحركات المقاومة ليس جديدا لكنه اتخذ ابعادا في (ايران نجاد) فايران لا تنكر دورها الطموح للحصول على اقرار عالمي بشرعية دورها في المنطقة باعتبارها لاعبا رئيسيا لا يمكن تجاوزه او تجاهله ويتزامن ذلك مع سعي ايران لاجهاض المشروع الامريكي في المنطقة. وقالت فاطمة ان العلاقة بين ايران وحركة حماس اكثر حداثة وشهدت في الفترة الاخيرة تزايدا وقد انعكس ذلك في الدعم المالي واللوجستي الذي قدمته ايران للحركة التي تعاني من الحصار العربي.. وقالت: في ايران لا يوجد توجه واحد في ما يتصل بالمقاومة والقضية الفسطينية بل هناك عدد من التوجهات من بينها توجه يعكس سياسة ايران تجاه فلسطين وتوجه لا ينكر عداءه لكل ما يمت للعرب بصلة ويرى اصحاب هذا التوجه ان جميع مصائب ايران مرجعه الى انتصار العرب على الساسانيين.

الغنوشي: علاقات إيران بدول المغرب العربي متأرجحة بين المبادئ والمصالح

وفي الجلسة التي تناولت قضايا المغرب العربي وايران جاء في ورقة الشيخ راشد الغنوشي بعنوان (علاقات مغاربية - ايرانية مضطربة) عن الخلفية السياسية والفكرية التي حكمت العلاقة بين ايران والمغرب العربي منذ اندلاع الثورة الايرانية.. ان علاقة ايران بدول المغرب العربي متأرجحة بين المبادئ والمصالح.. مشيرا الى ان النظام التونسي في الثمانينيات قطع علاقاته مع ايران بزعم انها تدعم حركة الاتجاه الاسلامي التونسية ولم تعد العلاقة مع ايران الا سنوات التسعينات بعد ان اطمأن النظام الى ضعف شوكة الحركة الاسلامية وأنها لم تعد تمثل اي خطر داخلي فاتجه الى محاصرتها من الخارج من خلال البوليس الدولي ونجم عن ذلك تطور في العلاقات التجارية والثقافية وظهر التشيع في تونس وتطور العلاقات وتم ابتعاث الطلاب الى مدن مثل قم الايرانية.

وعلى صعيد العلاقات الجزائرية - الايرانية قال الغنوشي انها تعرضت الى اضطراب لاسباب مشابهة لما حدث في تونس رغم الدور الدبلوماسي الجزائري في القضايا الايرانية الشائكة مثل قضية شط العرب في العراق واحتجاز الدبلوماسيين الامريكيين في ايران لكن العلاقات مع ايران انقطعت بعد انقلاب الجيش على صناديق الاقتراع في الجزائر بداية التسعينيات متهما ايران بدعم الجبهة الاسلامية للانقاذ وظلت العلاقات مقطوعة حتى جاء الرئيس بوتفليقة ووضع العلاقات في طريق النمو السريع وذلك بعد زيارات على اعلى المستويات بين الرؤساء والمسؤولين الكبار ولحق ذلك توقيع اتفاق في 19 مجالا غير ان هذا التعاون لم يمض بعيدا حتى ظهرت آثاره الجانبية وتتمثل في ظهور الدعوة للشيعة في بعض احياء العاصمة وفي المدن الاخرى بجانب تخصيص منح للطلبة الجزائريين وتوزيع المنشورات الشيعية فتشيعت اسر بكاملها وقد فسر ذلك بضعف المرجعية الدينية والمناعة الثقافية.

من جهته تناول الباحث الحسين الزاوي تحديات التاريخ وتقلبات الجغرافيا السياسية بين ايران ودول المغرب العربي وقال ان علاقة ايران بدول المغرب تختلف كليا عن علاقتها بدول المشرق اذ ترى هذه الاخيرة ان ايران خصم تاريخي عنيد تتجاوز خطورته احيانا اسرائيل نفسها، وتناولت ورقة الزاوي عددا من العناوين المهمة مثل المغرب العربي وايران والفضاء الجيوسياسي لفرنسا.. والجزائر وايران من الوساطة الى الصراع وصولا الى التحالف.. والمغرب وايران.. ثوابت التاريخ وتحولات الراهن.. والعلاقات المغربية - الايرانية بين الموقفين الرسمي والشعبي..وليبيا وايران..تقارب في السياسات واختلاف في الاستراتيجيات.. وتونس وايران استقرار وعلاقات تبحث عن رهانات.

كما تناولت ورقة د. عبد العلي حامي الدين زاوية اخرى من العلاقة بين ايران ودول المغرب العربي وجاءت بعنوان: العلاقات المغربية - الايرانية من القطيعة الى الانفتاح عوامل التقارب وآفاق المستقبل وقال إن هناك توجها عربيا عاما بالانفتاح تجاه ايران قوبل بخطوات ايجابية خطتها ايران على الارض تجاه العالم العربي وقد ترجم ذلك من خلال اتفاقيات امنية واقتصادية وثقافية بين عدد كبير من العربية وايران.. مشيرا الى تنسيق المواقف على مستوى الملف النووي وفي الشأن الافريقي والاسهام في رسم استراتيجية مواجهة تحديات العولمة والتعاون وتعزيز فكرة الحوار بين الحضارات.. وتطرق الى موضوع مهم وهو تطوير فكرة التقريب بين المذاهب والاسهام في حل اشكالية العلاقة بين السنة والشيعة والتي برزت بعد الغزو الامريكي للعراق.

وقال الطاهر الادغم في ورقته ان هناك حديثا حول محور ايراني - مغاربي تكون حصة الاسد في مغانمه لايران وهو امر ليس مستبعدا من الناحية الشكلية لكنه غير مقلق لهذه الدرجة لان دول المغرب العربي ايضا لها من المصالح والاوراق ما يمكن ان تلعبه في هذا الشأن، سواء في توازنات علاقاتها مع اوروبا والولايات المتحدة او في توسيع علاقاتها التجارية والاقتصادية.

جلسة النقاش المفتوح

وفي اليوم الثاني والأخير ناقش الباحثون في جلسة حوار معمق أدارها المركز بصفته مركز دراسة سياسات لغرض الاجابة على سؤالين. وقد تباينت الآراء حول هذين السؤالين: ان كانت ايران تشكل تحديا؟ أم تهديدا للعالم العربي؟ وان كان من الممكن التوصل إلى موقف عربي موحد من ايران يشمل تعريفا بالمصالح العربية بالحد الأدنى رغم التباين الكبير في المواقف العربية؟. وقد طرحا لكي يشكل المثقفون العرب نموذجا لإمكانية الانطلاق من مصالح الأمة المشتركة لغرض صياغو الاجابات على مثل هذه الاسئلة التي يتعثر فيها السياسيون العرب ويتناحرون.

واستهل جلسة الحوار الدكتور عزمي بشارة المدير العام للمركز بالسؤال كيف تقوم أمة عربية بلا تحديد لمصالح مشتركة وحد أدنى من الأمن المشترك؟ وقدم في هذا المجال اضاءات أوضحت العديد من زوايا الموضوع. واشار بشارة إلى أن: "المركز العربي للدراسات يهدف إلى تغيير الخطاب السياسي من خلال النخبة المثقفة في العالم العربي ومن خلال تكثيف مثل هذه الحوارات".

محمد الشنقيطي: إيران تهديد وهمي للعالم العربي

كان د. محمد الشنقيطي أول المتحدثين في الجلسة قائلا ان ايران تشكل تحديا للعالم العربي وفي الوقت ذاته تشكل تهديدا وهميا، وقال ان الخطر الذي يتخيله الكثيرون عن ايران تم من خلال ردود الافعال العربية.. ولامس قضية حساسة وهي قضية الشيعة والسنة وقال انه على الرغم من ان القضية قديمة الا انها تطورت في الفترة الاخيرة حيث أخذت بعدا سياسيا مشيرا إلى نموذج الصراع الشيعي بين أهل بغداد في حيي الكرخ وباب البصرة.

وقال الشنقيطي ان العالم العربي يعاني من مشكلة تعريف ماهية العدو؟ وذكر ان ذلك عرض لمرض سمّاه "الشرعية السياسية" لدى الأنظمة.. وفي غضون ذلك أشار إلى أن البرنامج النووي الايراني هو لصالح العرب وليس ضدهم مبينا أن ايران اذا تمكنت من تصنيع السلاح النووي فان المنطقة ستدخل في حرب باردة وهذا خير للمنطقة بدلا من ان تكون عرضة لحرب نووية من جانب واحد وهو اسرائيل.. واشار في هذه الاثناء إلى الجانب النفسي الناجم عن امتلاك ايران للسلاح النووي وقال انه بحسب استطلاع اجرته احدى الصحف الغربية فان نحو 22 % من الاسرائيليين سيغادرون المنطقة - حسب قولهم للصحيفة - اذا ملكت ايران السلاح النووي. وقال ان التباكي من التدخل الايراني في الشأن العربي لا معنى له لان ايران تتدخل بإذن من السلطات الحاكمة.. وقال إنه لا يرى موقفا مشتركا يمكن أن تتخذه الدول العربية من ايران.

قالت د. فاطمة الصمادي الخبيرة في الشأن الايراني ان الملف النووي هو المحك الذي تحاسب به ايران جميع الدول.. وفي مجال العلاقات بين ايران وامريكا قالت ان العلاقات ليست كما نتصورها اذ ان الرئيس نجاد اكثر المسؤولين الايرانيين تحاورا مع امريكا مشيرة إلى ان ايران لديها شروط في علاقتها مع امريكا ابرزها الاعتراف بشرعية دور ايران في المنطقة.

وقال د.انور عبد الهادي ان اعادة بناء النظام العربي مسألة مهمة لمواجهة التحدي الذي يمكن ان تشكله ايران وقال انه لا يمكن ان يتم الحديث عن أي أمن عربي قومي بمعزل عن القضية الفلسطينية وزاد ان ايران ترى ان الوصول إلى حالة من الامن القومي يتم عبر القضية الفلسطينية مبينا أن موقف دول اوروبا من الملف النووي الايراني قائم على موقف ايران من اسرائيل.

وقال سمير حجاوي في تدخله ان اتخاذ موقف عربي من خلال الانظمة العربية مسألة صعبة لان هناك آراء متعددة وارتباطات متعددة وفي الوقت ذاته فان الانظمة العربية تعبر عن اجندة اخرى لذلك تقع في عداءات مع ايران. ولفت إلى انه على المستوى الشعبي فان الشعوب ليس لها عداء مع ايران.. وقال ان القضية الاساسية ان نحدد نحن العرب ماذا نريد من ايران؟ وكيف نصل إلى ما نريد؟ واشار إلى حالة العلاقات الايرانية الاماراتية مبينا ان بين البلدين مشكلات ولكن الامارات اكثر الدول تبادلا تجاريا مع ايران.. وقال إن ايران تمثل تحديا وتهديدا للعالم العربي وفي نفس الوقت تمثل فرصة مشيرا إلى أصابع ايران في اليمن والسعودية وخلية حزب الله في مصر ودعا إلى ان تكف ايران عما سماه العبث واللعب في الدول العربية والبعد عن الترويج المذهبي.

وقال محمد الاحمري ان المهددات المتوقعة من النظام الايراني سببها عدم وجود مشروع عربي وقال في هذه الاثناء ان مصر مثلا لم تكن هي مصر قبل 30 عاما وغياب المشروع جعل امريكا لاعبا اقليميا، وأضاف: يمكن ان نتصور كيف يكون الحال اذا خرجت ايران من المنطقة؟ ما هو موقف المقاومة في هذه الحالة؟.. وحول ما اذا كان بالامكان الوصول إلى موقف عربي موحد قال ان هناك قضايا لا بد من حلها مثل القضية الفلسطينية وعندها يمكن ان نتحدث عن موقف عربي موحد وقال ان الفرصة الآن ذهبية لتكوين موقف عربي موحد من العراق كما يمكن ان نظهر موقفا عربيا ضد الحرب على إيران.

 ومن ناحيته قال فهمي هويدي ان ايران تشكل تحديا حتى بالنسبة إلى امريكا وهذه الاخيرة تقول انه ليس بينها وبين ايران عداء ولكنها تختلف مع ايران.. وذهب هويدي إلى القول ان ايران تحد حقيقي وتهديد وهمي لكنه لم يبد تفاؤلا بإعادة بناء النظام العربي الذي دعا له بعض المشاركين في الندوة الفكرية.

لكن د. عبد العلي حامي الدين يقول ان العرب اذا أرادوا ان تكون لهم كلمة لا بد من ان يملكوا عناصر القوة العسكرية والاقتصادية والمؤسساتية واذا انعدمت هذه العناصر لا بد من توافر عناصر أخرى مثل الديمقراطية كما هو الحال في تركيا والهند.

نيفين مسعد: يجب توظيف العلاقات العربية بإيران للضغط على الولايات المتحدة

من جهتها رأت الباحثة ابتسام الكتبي انه لا يوجد مشروع عربي تجاه ايران ولا حتى تجاه اي قوى اخرى ودعت إلى تحديد موقف بلداننا العربية من إيران وماذا نريد منها. وترى الدكتورة نيفين مسعد أن ايران تشكل تهديدا لدول المنطقة وأوردت العديد من التهديدات غير انها دعت إلى توظيف العلاقات العربية بإيران من اجل الضغط على الولايات المتحدة الامريكية.. واستبعدت ان يكون هناك موقف عربي موحد على صعيد النخب الحاكمة وفي الوقت ذاته فان الشعوب منقسمة.

لكن الشيخ راشد الغنوشي يرى أن الخطر والتهديد من جانب اسرائيل لا من جانب ايران إذ ان هذه الاخيرة بمنطق الجغرافيا جزء اصيل من المنطقة كما ان ايران دولة اسلامية وعضو في منظمة المؤتمر الاسلامي وهي شريك في الدفاع عن امن المنطقة خاصة بعد ان انتقلت من دور الشرطي إلى نصير للعرب.. الا ان الغنوشي قال نريد من ايران ان تكف عن الفتنة المتمثلة في الاختراق المذهبي لانه مشروع فتنة وشدد على ان امن العرب لن يتحققق الا بتحالفات في المنطقة وتساءل ماذا يضيرنا لو امتلكت ايران السلاح النووي وأضاف قائلا "يحسب لايران انها استفزت الخائفين" واشار إلى ان ايران حددت رسالتها في حين ان الدول العربية خاوية بلا رسالة.

لقد كان الهدف من النقاش المفتوح هو التوصل الى صيغة بناء على تصور المثقفين العرب لما ينبغي ان يكون، وهنا بدأت وظيفة المركز ليس فقط كمركز للأبحاث وإنما ايضا لدراسة السياسات. وقد اجمع المشاركون كافة على امكانية الاتفاق بين مثقفين عرب ومحللين على ما ينبغي ان يكون.

 ولذلك فقد اتفق المجتمعون على صياغة تقرير عن اعمال الندوة يتضمن تصورا جامعا بالحد الأدنى يجري حاليا اعداده لإصداره للرأي العام.