بدون عنوان

من جلسة "تعقيدات عملية السلام السابقة" في اليوم الأول للمؤتمر
سلطان بركات
مطلق القحطاني
بارنيت روبن
ألكس ثير
ميريديت بريستون ماكاغي
من الجلسة الثانية بعنوان "السياسات الإقليمية تجاه السلام في أفغانستان"
السفير جنان موسى زاي
أمينة خان
نيلوفار ساخي

عقد مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بالمشاركة مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن العاصمة، مؤتمرًا بعنوان "التطلّع إلى إرساء السلام في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي"، وذلك في الفترة 21-23 حزيران/ يونيو 2021. وينعقد المؤتمر افتراضيًا نظرًا إلى ما فرضته جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) من قيود، ويُبث عبر منصات التواصل الاجتماعي للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

افتتح المؤتمر الدكتور سلطان بركات، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، الذي أكد على أن انعقاد هذا المؤتمر قد جاء انطلاقًا من فكرة أساسية بدأ العمل عليها منذ بدء المفاوضات الأفغانية الأميركية في العاصمة القطرية الدوحة، وهي استحداث منتدى يمكن أن ينظر في الخيارات المستقبلية لأفغانستان. وأشار إلى أهمية البحوث التي تقدم في هذا المؤتمر، حيث تتناول أفغانستان منذ بدأ الغزو الأميركي، مرورًا بالحرب، وما تلاها من قرارات أهمها انسحاب القوات الأميركية. وأشار إلى أن هذا الحدث فريد من حيث إنه جمع عددًا من الخبراء بالشأن الأفغاني خلال العقدين الماضيين، وسياسيين شاركوا في مبادرات تتعلق بعملية إحلال السلم في أفغانستان. وشدد على أن هذا المؤتمر هو مبادرة أكاديمية وغير مرتبط بأي جهود حكومية، وهو فرصة لفتح حوار بين الأكاديميين والسياسيين من أجل طرح الأفكار المتعلقة بالمستقبل الأفغاني.

كما قدّم للجلسة الافتتاحية الدكتور خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي في واشنطن ، الذي أشار إلى أن هذا المؤتمر يمثل فرصة للاستماع إلى الخبراء والأكاديميين المختصين بالشأن الأفغاني، إضافة إلى الدبلوماسيين الحاليين والسابقين ونصفهم من الأفغان، وذلك من أجل بحث جهود عملية السلام من الناحية المعرفية، وخاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من أفغانستان. وأضاف أن ما حفّز المركز العربي على المشاركة في هذا المؤتمر هو راهنية الأزمة الأفغانية وأهمية التفكير في سد الثغرات المعرفية حولها، وتسليط الضوء على الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين الفرقاء في أفغانستان.

القحطاني متحدثًا حول جهود الوساطة الدولية وحل النزاع

بدأت أعمال الجلسة الافتتاحية بكلمة لسعادة الدكتور مطلق بن ماجد القحطاني، المبعوث الخاص لوزير خارجية دولة قطر لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، الذي كان له دور حيوي في مسألة الوساطة القطرية في مباحثات السلام الأفغانية. وسلّط الضوء على أهمية هذا النوع من المؤتمرات الذي يتناول الأزمات من ناحية معرفية، خصوصًا أنه ينعقد في وقت ملائم بعد إعلان الولايات المتحدة عزمها الانسحاب من أفغانستان وفق اتفاق الدوحة.

وبيّن القحطاني أن الوصول إلى اتفاق الدوحة كان مليئًا بالعراقيل والتحديات على مدى عام من المباحثات والمفاوضات، ومن بين أبرز هذه التحديات طبيعة المفاوضات الفريدة التي تتفاوض فيها دولة عظمى "الولايات المتحدة الأميركية" مع حركة لا تزال مصنفة كحركة إرهابية من قِبل الأمم المتحدة، إضافة إلى عدم وجود قواعد مجموعة وأحكام تنظم سير المفاوضات أو الوسطاء. ومع ذلك، استطاع الوسطاء في نهاية الأمر الوصول إلى الاتفاق الذي يتكون من أربع نقاط رئيسة أولها: ألا تسمح طالبان أن تُستغل أفغانستان من مجموعات إرهابية، ثانيها: أن تنسحب القوات الدولية من أفغانستان، وثالثها: أن تبدأ محادثات بين الأطراف الأفغانية نفسها، ورابعها: أن يكون إعلان وقف إطلاق النار شاملًا ودائمًا.

وأوضح القحطاني أنه بالنسبة إلى النقطتين الأولى والثانية، فقد شعرت الأطراف المعنية بأنها تستطيع حل خلافاتها من دون وساطة أو تدخل خارجي، وإن ظهر الأمر مستغربًا من جانب الوسيط، لقناعتنا الراسخة بأن المفاوضات من دون وساطة لا تنجح، ولهذا كان تدخل قطر ناجحًا من ناحية التوصل إلى اتفاق حول النواحي الإجرائية، والذي عزز الثقة كثيرًا بين الطرفين.

وأضاف أنه وفق اللحظة الراهنة المتعلقة بعملية إرساء السلام في أفغانستان، فإن إجراء محادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بات ضروريًا لأنه لن يستطيع أحد من الطرفين حسم النزاع عسكريًا. لذلك، فإن المباحثات هي الحل الوحيد، كما أن انسحاب القوات المتنازعة يترك طرفي النزاع أمام حلّين، إما تجدد النزاع العسكري أو التفاوض. ويعتقد القحطاني أن الطرفين عليهما أن يغتنما الفرصة بعد الانسحاب، لأن هناك احتمالًا للاستقطاب والتشظي وانتشار الفوضى والنزاعات التي من الممكن أن تُفضي إلى حرب أهلية.

وشدّد على أن هناك خطوات معوّقة لا بد من البحث فيها، أهمها مسألة قوائم العقوبات، وإطلاق سراح السجناء، وهما ليستا مسألتين سهلتين. ولا بد من أن يتم الاتفاق حول إطار زمني للمفاوضات، وعلى جدول أعمال محدد، لكي ينعكس ذلك بشكل مباشر على الشعب الأفغاني. وأشار إلى أن الوساطة القطرية قد عملت على ورقة تتضمن ست نقاط وُزّعت على الأطراف المعنية، منها الاتفاق على جدول زمني للوساطة، وأن ينتهي الجدول الزمني قبل 11 أيلول/ سبتمبر.

واختتم القحطاني كلمته بأنه لا يجب التنافس حول أفغانستان، بل لا بد من أن يكون هناك اتحاد حولها من أجل إرساء السلام وإحلال الأمن، وألا يسمح الشعب الأفغاني للآخرين بأن يتدخلوا في شؤونه الداخلية أو السياسة المستقبلية لبلاده.

تعقيدات عملية السلام السابقة والسياسات الإقليمية تجاه السلام في أفغانستان

بدأت أعمال الجلسة الأولى من المؤتمر بعنوان "تعقيدات عملية السلام السابقة"، التي تضمنت أربع أوراق، بدأها الأستاذ فايز محمد زالاند، الباحث المختص بالسياسات العامة في جامعة كابول، الذي تركّزت مداخلته حول التحديات الرئيسة لعملية السلام الرسمية. وأشار فيها إلى أربعة معوقات، أولها: مرحلة ما بعد توقيع اتفاقية السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، وبعد التطبيق الجزئي غير الكامل له، الذي ادّعت طالبان أنه لم يُنفذ بما يتضمن انسحاب القوات الأجنبية. ثانيها: التحدي الذي يواجهه اتفاق السلام، وهو انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي الذي ينبغي أن يكتمل في 11 أيلول/ سبتمبر القادم. ثالثها: سعي طالبان لزيادة زخم القتال من أجل السيطرة على أكبر قدر من المناطق والولايات بدلًا من التوجه بشكل سلس للسلام، وهو ضمن استراتيجية تتعلق برغبة طالبان في زيادة الزخم على الأرض. رابعها: ضرورة أن تتدخل الدبلوماسية بشكل أكبر، وبإضافة شخصيات جديدة في العملية كتركيا وروسيا اللتين من الممكن أن تدعما دور الأمم المتحدة.

وتابعت الجلسة الأولى أعمالها بمداخلة لبارنيت روبن، الباحث والزميل الأول في مركز التعاون الدولي Center on International Cooperation CIC في جامعة نيويورك، الذي ركّز على أوجه تعقيد عملية السلام في أفغانستان. وقد أشار إلى أنه عندما تتعقد الأمور ويوقن كل طرف من أطراف النزاع أنه ليس باستطاعته أن يحسم النزاع لصالحه من خلال العنف، يأتي دور طاولة المفاوضات التي تقود نحو عملية السلام. وأَضاف أن العامل الخارجي يمثل عنصرًا مهمًا في تعقيد عملية السلام؛ فأطراف كثيرة بما فيها الحكومة الأفغانية تتلقى تمويلًا خارجيًا يتعلق حتى بالتسليح. وقال إن تعزيز دور الوساطة الدولية وخصوصًا على مستوى الأمم المتحدة أمر ضروري ويجب تقبّل دور الأمم المتحدة. وألمح إلى أن الوسيط في النزاعات يمكنه أن يرى كيفية تطور العلاقات بين طرفي النزاع ويعرف اللحظة المناسبة للتدخل.

قدمت المداخلة الثالثة ميردث جاي، الخبيرة بشؤون النزاعات والاستقرار في آسيا وأفريقيا، والأمين العام للمركز العالمي للتعددية بأتاوا، في كندا. وركّزت على التعددية كمدخل لحل النزاع في أفغانستان، وأشارت إلى أن أفغانستان البلد الذي يتميز بوجود عدد من اللغات والإثنيات. ووفق روبن، فإن هذه التعددية تساعد في تعزيز قوة أفغانستان، إلا أنها في الوقت نفسه تساهم في زيادة حدة النزاع في السنوات الأخيرة، لذا تمثل إدارة التعددية تحديًا أمام إحلال السلام وفض النزاع في البلاد. وتابعت بأن هناك طرقًا يمكن أن يتم تقديمها للشركاء في أفغانستان لاستخدام التعددية بشكل إيجابي وفقًا للخصوصية الأفغانية، منها مثلًا الدين الإسلامي كعامل أساسي في بنية المجتمع. واختتمت بأن فهم التنوع والتعددية على مستوى الفاعلين والمكونات الأساسية في المجتمع الأفغاني يمكن أن يُفضي بالضرورة إلى نقاط إيجابية، مع عدم إهمال جبر الضحايا من كل الأطراف للحيلولة دون تجدد النزاعات، وكذلك فهم طبيعة الحوكمة في أفغانستان والتي يجب أن تتضمن كل الفاعلين في المجتمع الأفغاني، وتأمين فرص الحوار لهم.

واختتمت الجلسة الأولى من المؤتمر بمداخلة لألكس ثير، المدير التنفيذي للصندوق العالمي لإنهاء الاسترقاق المعاصر Global Fund to End Modern Slavery الذي ركّز على التعقيدات التي عانتها مسارات التفاوض لأجل إحلال السلام في أفغانستان. وأشار إلى أنه لا توجد صيغة واحدة لعملية السلام، وأن ما يعوّق التفاوض في الحالة الأفغانية ليس أن الأفغان يتذكرون الكثير من الماضي، بل إنهم يتذكرون أكثر من اللازم. وقال إن هناك عددًا من القضايا التي تقوّض فرص نجاح عملية السلام، وأهمها طبيعة الدولة الأفغانية ونظام حكمها الإسلامي. واختتم بالإشارة إلى ثلاثة محاور يمكن أن تعطي صورة شاملة عن مضمونها، أولها: مفهوم الجمهورية الإسلامية مقابل مفهوم الإمارة الإسلامية، ثانيها: النظام المركزي مقابل النظام اللامركزي، وهو محور مهم لفهم طبيعة الحكم وشكله في أفغانستان، وثالثها: هوية متخذ القرارات الدستورية، وكيفية نظر الأفغان إلى أنفسهم.

أما الجلسة الثانية التي ناقشت السياسات الإقليمية والدولية تجاه عملية السلام في أفغانستان فقد استهلت بمداخلة لنيلوفر ساخي، مديرة السياسة والدبلوماسية في شركة McColm & Company التي تناولت التحديات التي تواجه أمن أفغانستان واستقرارها. ووفق ساخي، فإن البيئة السياسية المعقدة أدت إلى انقسامات حول مصلحة أفغانستان الوطنية، إضافة إلى دور العوامل الجيوستراتيجية والخارجية مثل المصالح الدول المتضاربة للدول المجاورة. كما أشارت إلى عدة دراسات تؤكد على أهمية تحقيق الاستقرار في أفغانستان باعتباره فرصة مهمة للتنمية الاقتصادية في منطقة وسط آسيا آخذة في الاعتبار موقع أفغانستان الجغرافي وحيادها الإيجابي. وبالنظر إلى تاريخ السياسة والحرب والسلام في أفغانستان، أكدت بأن أفغانستان ظهرت كتهديد في المنطقة أكثر من فرصة، حيث نظرت دول الجوار إليها كفرصة لتحقيق مكاسبها الاقتصادية والسياسية.

وفي المداخلة الثانية تطرقت أمينة خان مديرة مركز الشرق الأوسط وأفريقيا وأفغانستان بمعهد الدراسات الاستراتيجية إلى حالة التذبذب التي يتسم بها الأمن السياسي والنمو الاقتصادي في أفغانستان، إضافة إلى التحديات المستمرة التي تواجه المجتمع الدولي والبلدان المجاورة. وأشارت إلى أن بعض الدول الخارجية قد اتخذت دورًا مركزيًا في النزاع في أفغانستان، لذا فإن التنافس الاستراتيجي عليها قد شهد تزايدًا ملحوظًا. كما أكدت على الرؤية المشتركة في المواقف التي تتخذها كل من باكستان وإيران وروسيا والصين تجاه الشأن الأفغاني، حيث سعت هذه الدول للوصول إلى حلولٍ تفاوضية وكبح جماح الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.

واختتمت الجلسة الثانية بمداخلة للسفير الأفغاني في باكستان السيد جنان موسى زاي، عضو اللجنة التنفيذية لمجموعة قلب آسيا، حيث شدد على أهمية ملء الفراغ الأمني في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة، على أن يتم ذلك بالشكل الذي يضمن حقوق الشعب الأفغاني للحيلولة دون تطور النزاع هناك.

وركز على دور باكستان الخارجي في الحرب الأفغانية، مشيرًا إلى أن تاريخ التدخل الباكستاني المباشر في أفغانستان يعود إلى ما قبل الاجتياح السوفياتي، حيث بدأت باكستان بدعم عدد من الثوار ضد الحكومة قبل الحرب السوفياتية، كما ركزت على دعم المجاهدين بشكلٍ مباشر من خلال الجيش والاستخبارات، إضافة إلى تمرير دعم الولايات المتحدة لهم في معركتهم ضد السوفيات. وبذلك، وفقًا لزاي، فقد تم اغتيال عدد كبير من الجهات المعتدلة من قِبل المتطرفين. واختتم بقوله أن باكستان قد شاركت في مباحثات جنيف، ووقعت اتفاقًا مهمًا مع الحكومة تضمن عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. ودعمت باكستان حركة طالبان خلال عام 1994، ما مكنها من السيطرة بشكلٍ محكم على كابل، ووفرت الملاذ الآمن لقادة حركة طالبان في باكستان.