بدون عنوان


المحاضرون في الندوة​

بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عقدت الجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية في حرم المركز ببيروت، ندوتها الثالثة ضمن سلسلة ندوات بعنوان "المناطق اللبنانية خلال الحكم المصري 1831-1840"، وذلك في الخامسة عصر يوم الخميس 12 أيلول/سبتمبر الجاري. شارك في هذه الندوة الأكاديمية التركية والمحاضرة في التاريخ الإسلامي بجامعة تراقيا التركية الدكتورة طوبى يلدز، والباحث والمؤرخ اللبناني نايل أبو شقرا. أدار الندوة الدكتور جوزيف أبو نهرا، وحضرها أكاديميون ومهتمون.

حروب الباشا


جانب من الحضور في الندوة​

بعد ترحيب أبو نهرا بالحضور وتقديمه المشاركَين، قدم أبو شقرا مداخلة بعنوان "حروب إبراهيم باشا في سوريا ولبنان وتداعياتها على الدروز والمسيحيين"، قال فيها إن النظام السياسي في جبل لبنان قام منذ بدايات القرن الثامن عشرة على شبكة معقدة من العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين مكونات الجبل، ليس أقلها سلبية الفجور السياسي الإقطاعي بحثًا عن مواقع التفوق، "وفي هذا المعنى، فأن المفاضلة بين الأمير بشير الثاني حاكم الجبل والشيخ بشير جنبلاط المتصرف بأكبر ملكية عقارية ومتعهد أكبر مقاطعة ريعية هي في الحقيقة العلمية مفاضلة بين قطبين نافذين يحاول أحدهما إلغاء الآخر، بعد محاولات حثيثة لتحجيم الكنيسة المارونية على يد الإثنين معًا، الأمر الذي أدى إلى نتيجة عكسية بعد نجاح الامير بشير بضغط من محمد علي باشا في أن ينتقم من الشيخ بشير جنبلاط سياسيًا وجسديًا حيث استقطب الكنيسة ورعاياها فخلت الساحة من أشرس مناوئيه". وبعد القضاء على بشير جنبلاط في عام 1825، خلا الجبل من الإقطاع الدرزي، إلا من بقايا إقطاع العائلة النكدية الموالية للأمير بشير.

تداعيات التجنيد

برأيه، إن التحولات السياسية بعد وصول إبراهيم باشا الى عكا وإسقاطها رمت بثقلها على صيغة الحكم في جبل لبنان، فلم يعد الأمير بشير يتحكم بالقرار السياسي في إدارة دفة الحكم، على الرغم من أن إبراهيم باشا ترك له الحرية في إدارة البلاد الداخلية، لكن المفارقة أن تحريك الجماعات الطائفية في الجبل من دروز وموارنة لم يعد بيد الأمير، كما أن الضرائب التي كانت كانت تتجمع في خزينة الإمارة تحولت إلى مساهمة جهادية في حروب الباشا. التداعيات الأخطر هي التي أصابت صيغة العيش بين الموارنة والدروز بسهام الفرقة والعداء، فالقرار الذي اتخذه محمد علي والد إبراهيم باشا بتجنيد الدروز بعد نزع سلاحهم خلق نوعًا من المكابرة لدى موارنة الجبل، وما زاد الطين بلة استدعاء الموارنة للتجنيد وإقحامهم لمحاربة الدروز.

وكان لقرار تجنيد أهالي الجبل تداعياته على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فدخل التجار الأوروبيون إلى الشبكة الاقتصادية وأغروا المزارعين بالسلف المالية التي كانوا يقدمونها لهم مقابل تسليمهم المحاصيل بأسعار بخسة، ما زاد من فقرهم، وأسهم في زرع الفتنة بين الدروز والموارنة.

فشل عامية إنطلياس

لم تحقق الثورة على الوجود العسكري المصري أهدافها في ظل إصرار العثمانيين على الدفع باتجاه مجابهة المصريين، وتشدد الكنيسة في رفض عودة العثمانين الى جبل لبنان وقدرة الأمير بشير على تنفيذ مآرب خديوي مصر، واعتماد الأمير بشير سياسة الحسم للحد من جموح اللبنانيين في مناهضة المصريين بالترغيب أو الترهيب، وبالتالي حذر الموارنة والدروز بعضهم من بعض. وبهذا المعنى، فإن عامية انطلياس التي اعتبرت محطة مفصلية في تاريخ لبنان كانت قد خرقت من قبل المسيحيين بعد أيام من صدور وثيقتها، نظرًا إلى موقف الكنيسة الرافض خروج المصريين من لبنان. إن انسحاب المصريين كان تحت وطأة القرار الأوروبي، بعد أن تعارضت مصالح الاوروبيين مع سياسة محمد علي باشا.

لا تغيير

بعد ذلك، قدمت يلدز مداخلة بعنوان "الأحوال الشخصية عند الدروز والموارنة: إشكاليات ومواقف (1832-1840)"، قالت فيها إن موضوع الأحوال الشخصية عند الدروز والموارنة تعرض لكثير من الإشكاليات على صعيد الزواج والطلاق والميراث، فعند الدروز كان هناك تمايز عن نصوص الشرع الإسلامي الذي تمثل في حرية الإيصاء، ولا سيما بالنسبة إلى عدم توريث البنات. أما عند الموارنة فكانت الإشكاليات أكبر وأخطر، لأن الموارنة ولا سيما مشايخ الإقطاع لجأوا إلى الشرع الإسلامي الذي كان يمثله قاضي الشرع الدرزي في دير القمر، للحفاظ على ملكياتهم العقارية من خلال تأمين أحكام تحرم البنات من الإرث؛ في حين أن معظم الموارنة كانوا يعرضون دعوى الإرث على القاضي ماروني.

رأت يلدز أن إبراهيم باشا سعى إلى المساواة بين المسلمين وغير المسلمين في الأراضي السورية، بدليل فرضه ضريبة موحدة على الجميع، لكنه طبق الشريعة الإسلامية وأحكام المذهب الحنفي في حلّ المنازعات التي كانت ترفع إلى المحاكم، من دون تمييز، واستمر في تطبيق أحكام "أهل الذمة" على الموارنة، ورفض تشييد كنائس جديدة، وفرض الجزية على حجاج الأراضي المقدسة من غير المسلمين، تحت مسمى ضريبة المسامحة، "لذلك، فإن الرأي القائل إن إبراهيم باشا تبني العلمانية لمواجهة التعصب للفكرة للعثمانية، وخلّص المسيحين من هذا التعصب ونال رضاهم، لا يبدو معقولًا عند النظر إليه من ناحية الممارسات الحقوقية".

على المذهب الحنفي

لم يلغ إبراهيم باشا العمل بالقانون الدرزي في الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية، وكان يعالج حالة الثنائية معالجة سياسية. ففي الدعاوى غير المتعلقة بالأحوال الشخصية، كان يلتزم مبادئ الشريعة الاسلامية والمكانة الرسمية للمذهب الحنفي.

قالت يلدز إن نزاعًا سياسيًا بين الأمير بشير والقضاة الدروز صعّب عليه أكثر مسألة تعين القضاة، ما دفعه إلى اللجوء إلى تعيين قاض سني ذو أصل أندلسي وهو الشيخ أحمد خطيب بدلًا من القاضي الدرزي. غير أن محاولة فرض ممارسات يطغى عليها المذهب السني على هذه المنطقة لم يجلب لها الاستقرار؛ إذ لم تمر فترة قصيرة حتى حدثت أزمات سياسية وحقوقية خطيرة أشعرت بشير الثاني بالحاجة لإعادة النظام من جديد، وذكرّته بضرورة التخلي عن الإستغلال السياسي للمذهب السني والعمل على إستمالة الدروز إلى جانبه. وعلى الرغم من أن العلاقات المتوترة بين مقام القضاء والأمير بشير استمرت، لم تحدث إنعكاسات يمكنها أن تحدِث تغييرًا في الممارسات الحقوقية الدرزية.

الموارنة قبلوا بقاض درزي

في الجانب الماروني، رأت يلدز أن النقطة المثيرة للإنتباه هو القبول الذي كان يحظى به القاضي الدرزي أحمد تقي الدين في المجتمع الماروني على الرغم من الصعود السياسي والتشريعي للكنيسة المارونية. ففي عام 1826، عين الأمير بشير المطران جبرائيل الناصري قاضيا على الموارنة، لكن استمر تقي الدين في معالجة الدعاوى بين الموارنة بقدر معالجته للدعاوى الطارئة بين الدروز، وبلغت القضايا التي عالجها في بين عامي 1832 و1839 والمتعلقة بمسائل الأرض، الميراث، الدين، الشفعة وغيرها نحو خمسين قضية، يعود ثلثاها إلى مرافعات أجراها موارنة، صدرت أحكامها وفق المذهب الحنفي.

من الأسباب الأخرى التي تقف وراء تفوق شرعية أحمد تقي الدين في المجتمع الماروني هي وعي أغلبية المارونة برغبة إبراهيم باشا في إنشاء نظام مركزي. فقد تعب موارنة جبل لبنان من الصراع على السلطة بين الأمير بشير والعثمانيين، وظهر لهم أن جمال باشا يريد رسم إطار إصلاحات خارجة عما تعودوا عليه، وكانت حالة الإستقرار القصيرة التي عرفتها المنطقة نتيجة لهذا.

وجرى في ختام الندوة نقاش بين المتحدثين والحضور، تناول جوانب عدة في الموضوعات المطروحة.