بدون عنوان

صفدي يعيد طرح أسئلة انكسار النهضة

رسم الكاتب والمفكر العربي مطاع صفدي صورة قاتمة عن اللحظة العربية الراهنة في محاضرة فكرية نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات اليوم (الأحد 21 كانون الأول / ديسمبر 2014) في النادي الديبلوماسي بالدوحة. وأكد صفدي أن ما يتهدد الأمة العربية اليوم لا يهدد كياناتها السياسية ودولها وإنما يهدد وجود الأمة في ذاتها. وأضاف يقول إن ما يحدث اليوم في المشرق العربي هو تكرار لما حدث في فلسطين طوال 50 سنة وتوسيع له، إذ إن الإنسان العربي يتعرض للتجريف والتشريد بهدف إنهاء وجوده كإنسان.

ورأى صفدي أن ما تواجهه الأمة العربية في زحمة ما سمي "الربيع العربي" هو أخطر ما حدث لهذه الأمة على الإطلاق، وأن الوضع أصبح خارجا عن السيطرة ويهدد كل كيان الأمة. ودعا إلى ضرورة الابتعاد عن التحليلات الأيديولوجية في قراءة هذا الوضع بل فحصه كما هو في الواقع، وتابع بالقول: "يجب أن نشاهد الواقع كما نراه وليس كما نريد أن نراه". وتعجب المحاضر كيف للأمة أن تخطئ بكاملها في قراءة الواقع، وهو ما لم يسبق حدوثه وهو شيء خطير، فقد تخطئ فئة أو قيادة لكن الأمم لا تخطئ بأكملها.

وتساءل صاحب كتاب "الثورة في التجربة" ماذا حدث لهذه الأمة؟ لماذا هذا الانهيار؟ مشيرا إلى أن العالم العربي ولد جديدا بعد الحرب العالمية الثانية بآمال وأحلام كبرى مع بروز دولة الاستقلال، لكن هذه الأحلام والآمال سرعان ما انهارت ولم يبق منها سوى الحطام وأصبحت الأمة تطلب وتنشد الحد الأدنى من الأمن والقوت.

مطاع صفدي

وأوضح صفدي أن هدفه الأساس ليس أن يجيب عن التساؤلات التي يطرحها ولكنه يسعى أولا لجعل الحياة تدب مجددا في العقل العلمي لهذه الأمة لتحكّمه وتفهم علله الذاتية أولا. ولكنه يرى أن التنازل عن الهوية العربية والانسلاخ عنها وإلصاق كل ما اقترفته قيادات متسلطة بها، هو أهم عوامل هذا الانهيار. وكان من تداعيات هذا التنازل عن الهوية الجامعة أن أصبحت الأمة العربية عرضة لنزعات التقسيم والتفتيت. وتأسف أن التفتيت والتفكيك لا يقوم به عدو خارجي إنما يقوم به العرب ذاتهم. وقال في هذا الصدد: "نحن الآن نفتت أنفسنا بأنفسنا، ونخلق كيانات تتصور بـأنها حلول وطنية أو إنسانية ... لقد أصبحنا فريسة تأكل ذاتها بذاتها، ولا وجود لوحش خارجي". وتابع بالقول: "نحن نغذي عللنا ولا نواجهها، ولا نحاول أن نحللها ونفككها ونخضعها للعقل العلمي".

ورأى صاحب رواية "جيل القدر" أن الأمة العربية أمام مصير سيئ يجب أن نتخلى عن الكثير من عاداتنا لمواجهته. وأكد أن ما يتهددنا اليوم لا يتهدد كياناتنا السياسية أو دولنا، إنما يهدد وجود الأمة، وفي هذا النطاق يدخل ما يحدث في العراق مثلا أو في سورية التي يتعرض شعبها يوميا لثلاثة آلاف قصف جوي، وهو ما يرى المحاضر أنه تدمير ممنهج وليس مجرد حماية لنظام مستبد. وتأسف أن دولا عربية كثيرة لا تملك مؤسسات دول وإنما مؤسسات مجرمين وقتلة ولصوص. وفي مقابل هذه السلط المستبدة تبرز ظاهرة فريدة مثل "داعش" التي اتخذ أفرادها مهنة القتل والذبح وعقيدة التدمير طريقا لبناء دولة مع الادعاء في ذلك بأنها تطبق منهج الإسلام، أو أن يدّعي زعيمها الدموي أنه خليفة رسول الله.

وفي ختام محاضرته التي أثارت نقاشا كبيرا مع الأكاديميين والباحثين الحاضرين في القاعة، جدّد مطاع صفدي الدعوة إلى ضرورة العودة إلى استقراء الواقع العربي بعقل علمي عربي يرى الواقع على حقيقته ويملك الاستعداد للاعتراف بأن علل الأمة الداخلية أولى بالإصلاح من أجل تجاوز اللحظة الخطرة التي نعيشها، واستثمار أبسط ما يمكن من الإمكانيات الواسعة المتعددة التي تمتلكها الأمة لإنقاذ الإنسان العربي من مصيره المشؤوم.