بدون عنوان

استمرت فعاليات مؤتمر "خمسون عامًا على حرب حزيران/ يونيو 1967: مسارات الحرب وتداعياتها" الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لليوم الثاني على التوالي، ويطرح مراجعة أكاديمية متجددة لمجريات الحرب وتداعياتها بعد مرور نصف قرن عليها من زاويتي التاريخ الموثق والتحليل الإستراتيجي.

وقُدمت في الجلسة الأولى مقاربةٌ متعددةُ المداخل للبيئة الإقليمية والدولية التي جرت الحرب في سياقها؛ إذ سعى الدكتور عبد الحميد صيام للإجابة عن سؤال حتمية الحرب، فتساءل: هل كان على العرب التورط فيها؟ وذلك من منظور التطورات التي جرت في أروقة الأمم المتحدة؛ إذ كانت إدارة الأزمة محدودة في الجمعية العامة، بينما كان مجلس الأمن مكبلًا بحق النقض "الفيتو" والاستقطاب الدولي بين القوتين العظميين. كما ناقش بصفة خاصة مسألة سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، ثم فرض وقف إطلاق النار وصولًا إلى إنفاذ قرار مجلس الأمن، وفحص إن كان بإمكان تلك القوة الدولية في ذلك الوقت توفير بديل من الحرب أو الحد من تداعياتها. وتناول الدكتور أسامة أبو أرشيد الوثائق الأميركية التي جرى كشفها، ودور إدارة الرئيس ليندون جونسون في الحرب، وطبيعة المقاربة الأميركية للعلاقة مع إسرائيل ما قبل الحرب وأثناءها، وكذلك بعد أن تحققت هزيمة العرب. وبيّن دور الدعم الأميركي الواسع لإسرائيل، والذي تعلق بالتوازن الإستراتيجي في زمن الحرب الباردة، ثمّ تأسيس مبدأ "الأرض مقابل السلام" الذي لا يزال حاكمًا للصراع حتى اليوم. أما المؤرخ الدكتور محمود الحمزة، فقد قدم قراءة للوثائق السوفياتية المتعلقة بالحرب، والمواقف التي أطّرت العلاقة بين موسكو وأطراف الحرب، وكذلك في سياق مواجهة الولايات المتحدة. وقدمت وثائق موسكو، على قلتها، معلومات مهمة تكشف جانبًا من مسبّبات هذه الحرب، ومنها طبيعة الصراعات داخل الأنظمة العربية، ونظرة موسكو إلى حلفائها العرب وتعاملها معهم بتقشف؛ سواء في المعلومات الاستخبارية أو في الدعم العسكري. وألقى الدكتور محجوب الزويري نظرة على تطور مسار العلاقة بين إيران البهلوية وإسرائيل، وطبيعة التعاون بينهما، ومواقف الشاه من إسرائيل وتأثيرها الكبير في تصاعد المعارضة ضده، وفحص التغيّر في سياسات إسرائيل إزاء إيران وتطوّر هجرة يهود إيران إلى إسرائيل بعد هذه الحرب.

أما الجلسة الثانية، فسعت إلى تقديم مراجعة للرواية الإسرائيلية لحرب حزيران/ يونيو؛ فمن مدخل صنع قرار الحرب وما تعلّق بجوانب الصراع داخل النخبة الإسرائيلية العسكرية والسياسية التي أدارت الحرب في جانبيها الميداني والدبلوماسي، أكد الدكتور محمود محارب على الطبيعة المعقدة لعملية صنع قرار الدخول في هذه الحرب في إسرائيل، والتي تداخلت فيها العوامل الداخلية والدولية. وقد حاجّ بأن حرب 1967 كانت استكمالًا لأهداف المشروع الصهيوني وتأسيسه لإسرائيل في عام 1948، وتغلبت رؤى المكون العسكري في النخبة الإسرائيلية التي سعت لاستغلال الفرصة السانحة والاستثنائية لتوسيع حدود إسرائيل. وطرح الباحث ياسر جزائرلي نظرة على الجوانب الأيديولوجية للتصورات الإسرائيلية حول هذه الحرب، وذلك في إطار بحثه عن المسؤول عن بدء هذه الحرب من خلال فحص التصورات المؤدلجة بطرح قصة داوود وجالوت كمنظور لتصوير الحرب عند مايكل أورين وتوم سيجيف ويوسي هاليفي. واستعرض الباحث محمد خير الحامد صورة للإستراتيجية الإسرائيلية في الحرب وجوانبها العسكرية والدبلوماسية، وحاول التعرف إلى اتجاهات الفكر الصهيوني وخصوصًا في ما يتعلق بتطورات هذه الإستراتيجية ما بعد تحقّق أهداف الحرب.

وفي الجلسة الأخيرة، التي ناقشت تداعيات الحرب، وكيف تفاعلت أطرافها معها؛ طرح الدكتور عبد الوهاب الأفندي تقييمًا لظلال الهزيمة على الجانب العربي، وكيف اختلت التقييمات لهذه الحرب بحيث ألقت باللائمة على الشعوب، متجاهلة الحكام المسؤولين الحقيقين عنها. وحمّل هذه التحليلات المسؤولية عن تبرير الهزيمة وتمريرها، والدفع بذهنية الخضوع لتُهدر طاقات مجتمعاتنا. وقدم الباحث مهند سليمان استعراضًا للتحركات الدبلوماسية العربية في مواجهة العدوان، ومقررات مؤتمر القمة العربي في الخرطوم، وتحولات النظام الإقليمي العربي من بعدها. وناقش الباحث نزار أيوب تداعيات الاحتلال الإسرائيلي للجولان وسياسات الاستيطان الإحلالية فيه، وقيّم الخطط الإسرائيلية التي استخدمت في الهجوم في حرب 1967، وكيف بيّنت تجذّر مطامع إسرائيل وتخطيطها المسبق لاحتلال الأراضي العربية، كما كشف العديد من دوافع سياسات الاحتلال وممارساته في الجولان واستهدافها استيطان الأراضي العربية.