بدون عنوان

في ندوة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، توقع المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة أن القضية الفلسطينية ستعزز من مكانتها المركزية في السلوك السياسي العربي في أعقاب ثورات الشعوب العربية.

وأكد خلال افتتاحه بالدوحة السبت 10 أيلول/ سبتمبر 2011 ندوة ينظمها المركز بعنوان: " أيلول الفلسطيني: بين مسار أوسلو والعودة إلى المؤسسات الدولية، الخطوة وجدواها وأبعادها القانونية والسياسية"، أن القضية الفلسطينية تظل مركزية في الوجدان العربي ومع انعتاق الشعوب العربية من نير الاستبداد فإنها ستمارس حريتها في التعبير عن قضاياها الوجدانية وهو ما سيعزز المكانة المركزية للقضية العربية مهما كانت النتائج التي ستترتب عن تقدم السلطة الفلسطينية بطلب مدعوم عربيا للحصول على اعتراف أممي وعضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة سواء أفضى هذا المسعى إلى تحقيق ذلك أم لا.

وقد جمعت الندوة التي نظمها المركز نخبة من الأكاديميين والباحثين المتخصصين في القضية الفلسطينية من أبناء الشعب الفلسطيني والعرب، مع تسجيل حضور لافت للعديد من المهتمين من مختلف الدول العربية يتقدمهم سعادة وزير الثقافة والفنون والتراث لدولة قطر الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري وسفراء فلسطين ومصر والعراق.

وأشار الدكتور عزمي بشارة إلى أن القضية الفلسطينية رغم أنها أصبحت في الموقع الثاني من التناول الإعلامي العربي في ظل زخم الثورات العربية إلا أنها تظل محافظة على موقعها وأهميتها في السلوك السياسي العربي وحتى في ما يسمى الربيع العربي، بل إن إحدى النقاط المشتركة للشعوب العربية التي ثارت ضد أنظمة بلدانها الاستبدادية هو شعورها المشترك بالإحباط من تعامل الأنظمة العربية مع هذه القضية وفشلها في استرجاع حقوق الشعب الفلسطيني.

وتوقع أن تعود القضية الفلسطينية إلى مقدمة أجندة الاهتمام العربي في المدى المتوسط والبعيد بمجرد أن تحقق الثورات العربية أهدافها وتكسر الحاجز الذي تضعه الأنظمة المستبدة بين الشعوب وترجمة مكنوناتها الوجدانية تجاه القضية الفلسطينية والتعبير عنها بحرية، مشيراً إلى أن هذا بدأ يتحقق فعلاً في مصر وتونس إذ أن إنهاء الاستبداد يمنح حركية أكبر للشعوب في التعبير عن وجدانها.

وأوضح المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن تخصيص المركز ندوة لمناقشة موضوع اعتزام السلطة الفلسطينية تقديم طلب للاعتراف بالدولة الفلسطينية يأتي من اهتمام المركز أساساً بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ليس كموقف فقط ولكن أيضاً للوضع العربي الحالي حيث انتقل الموضوع إلى مستوى ثان من الاهتمام الإعلامي العربي والعالمي، وعلى ذلك فإن إقدام السلطة الفلسطينية على خطوة طلب الاعتراف بالدولة يمثل حدثاً مهما يجب أن يحظى بالتحليل الوافي والمستفيض خصوصاً وأن مراكز البحث العربي جميعها لم تقم بهذه الخطوة لتوفي الموضوع حقه من التحليل.

وفي شأن خطوة السلطة الفلسطينية في حد ذاتها، قال الدكتور عزمي بشارة: "أعتقد أن هذه الخطوة تشير إلى أن المفاوضات الثنائية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في إطار مسار أوسلو الذي مرت على انطلاقته 18 سنة وصلت إلى وضع انسداد مما جعل الطرف الفلسطيني يقرر العودة إلى المؤسسات الدولية، مشيرا إلى أن هذا المسار المتجدد يستدعي فحصاً وتمحيصا من جوانبه وتبعاته القانونية والسياسية وهذا ما تركز عليه الندوة.

وأوضح في ختام مداخلته الافتتاحية أن تقديم طلب عضوية الأمم المتحدة والاعتراف بالدولة الفلسطينية يطرح الكثير من الأسئلة بخصوص الإسقاطات السياسية لهذه الخطوة، مثلما يطرح التساؤل حاليا حول الجهة التي يجب ان تتجه إليها السلطة الفلسطينية بطلب الاعتراف بدولة فلسطين، هل الأفضل التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أم إلى مجلس الأمن أم كليهما؟ مثلما يطرح هذا المسار أسئلة متعلقة بحق العودة.


"هندسة سياسية" أم "خطوة غير محسوبة"

وقد عكست جلستا الندوة التساؤلات التي اختتم الدكتور عزمي بشارة مداخلته الافتتاحية بها إذ تناولت الجلسة الأولى تساؤلات من قبيل: هل ستغير هذه الخطوة مكانة القضية الفلسطينية دوليا؟ ما معنى دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة؟ ما هي إسقاطات ذلك على الوضع القانوني للمفاوضات، وما الأبعاد القانونية لاتخاذ إسرائيل خطوات أحادية؟ وكيف تتعامل السلطة الفلسطينية مع احتمالات مواجهة فيتو اميركي؟

كما حاول المتدخلون في الندوة الإجابة عن أسئلة اخرى تتعلق بإمكانية أن تمثل خطوة طلب الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية تحولا فعليا في مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أو بديلا عنها، والتأثيرات التي يمكن أن تحدثها هذه الخطوة على مسار المصالحة الفلسطينية الداخلية، بالإضافة إلى سؤال استخلاصي عن استقلالية القرار الفلسطيني الفعلية ومدى قدرة السلطة على التحكم في خطواتها في ظل السيطرة الاحتلالية الإسرائيلية والاعتماد على التمويل الأجنبي.

وشهدت الجلسة الاولى من الندوة والتي ترأسها الأستاذ علي الظفيري تقديم وجهات نظر متعددة ومتعارضة في بعض مفاصل مسألة تقديم طلب الاعتراف الأممي، فقد ذهب الدكتور أنيس فوزي قاسم إلى اعتبار ان هذه خطوة غير محسوبة ولم تقم السلطة الفلسطينية باستشارة واسعة بخصوصها ناسبا إياها إلى قرار فردي من محمود عباس ومعاونيه ومستشاريه دون الرجوع إلى الهيئات صاحبة القرار في القضية الفلسطينية فضلا عن استشارة الشعب الفلسطيني.

في حين اعتبر الدكتور كمال الأسطل أن هذ الخطوة تعبر عن اقتدار السلطة الفلسطينية في التعامل مع الانسداد الذي وصلت إليه المفاوضات مع إسرائيل بل اعتبرها قمة "الهندسة السياسية" لأنها تضع إسرائيل في مازق حقيقي.

ومن جانبه، ناقش الدكتور أنيس فوزي قاسم المسألة من النواحي القانونية ورؤية القانون الدولي تحديدا، مشيرا إلى العناصر الفعلية المتوفرة من أجل افتكاك الاعتراف بالدولة الفلسطينية والعناصر الغائبة مثل الرقعة الترابية والسيادة المطلقة عليها، معرجا على العقبات التي ستواجه هذه الخطوة خصوصا إذا مرت عبر مجلس الأمن حيث تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى عدم الاضطرار إلى استخدام حق "الفيتو" من خلال ضمان معارضة 9 من بين الأعضاء الـ15 لمجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وتحدث عن الحلول القانونية والخيارات التي تمتلك السلطة الفلسطينية لتحقيق مسعاها، ولم يخف تخوفه من أن الاعتراف حتى وإن تم فإنه على أرض الواقع لن يمثل شيئا ولن يضيف زيادة ما على فشل إعلان الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين من الجزائر في عام 1988 رغم اعتراف العديد من الدول بها، ولن يحقق مكاسب أكبر من وضع العضو المراقب والاعتراف الأممي بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني منذ العام 1974.

وقد أثارت النقاط التي طرحها المتحدثون في الجلسة الأولى من الندوة نقاشاً كبيراً من الحضور، وفي مقدمتهم سفير فلسطين بالدوحة منير غنام الذي أكد على أهمية الخطوة التي أقدمت عليها السلطة بعد تفكير ملي ومشاورات موسعة.


خيارات وتأثيرات

وخلال الجلسة الثانية، التي ترأسها الدكتور باسم سرحان، تحدث الدكتور ألان غريش عن تطور مواقف منظمة التحرير الفلسطينية وتغير استراتيجيتها بخصوص القضية الفلسطينية عبر هذه الخطوة الجديدة بالعودة إلى مسار اللجوء إلى الهيئات الدولية.

أما الدكتور ساري حنفي فقد ركز على تأثير خطوة الذهاب إلى الأمم المتحدة على حق العودة ووضع اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، مركزاً على مثال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ومعاناتهم من أجل الحصول على حقوقهم الأساسية، وتحدث عن إمكانية تقديم أفكار خلاقة لإيجاد حلول لوضع اللاجئين، ومن ضمنها اللجوء إلى خيار الدولة القومية الممتدة، التي تمنح الجنسية لمواطنين غير مقيمين على أراضيها.

ومن جانبه، قدم الدكتور محمود محارب ورقة بعنوان "إسرائيل والتوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة" تطرق فيها إلى احتمالات إقدام إسرائيل على خطوات أحادية من منطلق المخاوف التي تستشعرها من هذه الخطوة من قبيل تزايد عزلتها الدولية أو أن تواجه مصير نظام "الأبرتايد" في جنوب أفريقيا وأن تتدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية.

وأشار إلى أن من بين ردود الفعل المحتملة وقف تسليم أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، والتضييق على تحركات وسفر القيادات الفلسطينية أو انتزاع مناطق جديدة هي الآن تحت إدارة السلطة الفلسطينية.

وأبرز الدكتور علاء بيومي في ورقته المعنونة "موقف اللوبي اليهودي في أميركا من خطوة الاعتراف الأممي"، تحركات هذا اللوبي منذ إعلان السلطة الفلسطينية عزمها تقديم طلب عضوية الأمم المتحدة عبر وسائل الإعلام خصوصاً من أجل دفع الإدارة الأميركية إلى اتخاذ موقف معارض لهذه الخطوة والعمل على إحباطها.

وأشار إلى أن موقف اللوبي اليهودي ليس واحداً فهناك اليمين الذي لا يؤمن أصلاً بوجود عملية سلام وبأن القوة ستحسم الصراع لصالح إسرائيل، والفريق الثاني الذي يقول بالحاجة إلى عملية سلام، فيما يلتزم الفريق الثالث بمواقف ناتنياهو وسيكونون أينما اتجه.

وعرفت الندوة في نهايتها نقاشاً من قبل الحضور، تناول الخيارات المطروحة أمام السلطة الفلسطينية لتنفيذ خطوتها بالتوجه إما إلى مجلس الأمن أو إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة دون أن يرجح من النقاش أحد الرأيين فلكلٍ مبرراته وحججه.