بدون عنوان

إحدى جلسات اليوم الثاني

شمل برنامج اليوم الثاني (الجمعة 22 كانون الثاني/يناير 2016) من ندوة "خمس سنوات على الثورات العربية: عسر التحوّل الديمقراطي ومآلاته" الذي يقيمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، ثلاث جلسات في كل واحد من مسارين الندوة إضافة إلى حلقة نقاشية ومحاضرة عامّة قدمها جلبير الأشقر.

وانطلقت أعمال اليوم الثاني بجلستين متوازيتين جاءت واحدةً بعنوان "التيارات السياسية والثورات العربية: أدوارٌ واتجاهات" ترأسها الأستاذ جهاد الزين وشارك فيها سلامة كيلة بمداخلة عنوانها "اليسار العربي في الثورات العربية وتطوراتها" بيّن فيها أن اليسار العربي قبل الثورات كان متوزّعاً على يسار تحوَّلَ إلى الليبرالية؛ وعلى الديمقراطية كمدخل أساسي لكل تغيير؛ وعلى الإمبريالية ويعدّ المسألة الوطنية هي الأساس. ورأى كيلة أن هذا اليسار كلّه فوجئ بالثورات نظراً إلى عدم ارتباطه بالبنى المجتمعية. وتحوّلت المفاجأة إلى ارتباك حين توسّعت الثورات.

جاءت المداخلة الثانية بعنوان "حركات الإسلام السياسي والعملية الديمقراطية"، ألقتها نجوان الأشول التي تناولت الجماعة الإسلامية في مصر منطلقةً من سؤال: كيف أثّر التفاعل مع المجال السياسي على إيديولوجيا الجماعة الإسلامية وقراراتها وأفعالها؟ وبَنَت إجابتها عن هذا السؤال على أساس منهجٍ قريبٍ من منهج العمل الأنثروبولوجي القائم على مقابلات مع أعضاء الجماعة وتحليل بياناتها ووثائقها وبحث مفاهيميها لتكتشف أنّ الجماعة الإسلامية في مصر تطوّرت خلال التاريخ وتنوّعت بسبب تفاعلها مع الواقع، ومع ثورة يناير دخلت مرحلة العمل السياسي التي تناولت فيها الباحثة مواقف للجماعة، من الثورة والانتخابات البرلمانية والرئاسية ومن العلمانيين والمسيحيين.

ألقى خليل العناني المداخلة الثالثة بعنوان "محدّدات نجاح الحركات الإسلامية في الثورات العربية" تساءل فيها لماذا اختلف مسار حركة النهضة في تونس عن مسار الإخوان المسلمين في مصر في مقارنة بين أداء الحركتين في انتقالهما من المعارضة إلى السلطة وفي التجاه المعاكس. وجاءت المقارنة على مستويين: مستوى الدولة كإطار عام ومستوى الحركة. وأبرز الاختلاف بين الحركتين في السياقات السياسية والثقافية والاجتماعية، وفي المسار الانتقالي بعد الثورة، وفي الإستراتيجيات المتّبعة، وفي السياق الإقليمي والدولي. أمّا التشابهات فتتمثّل في الجذر الفكري الواحد، والقمع والإقصاء من الساحة السياسية قبل الثورة، وأنهما لم تكونا من أشعل الثورة في البلدين لكنهما شاركتا فيها بعد انطلاقها.

كانت الجلسة الأخرى بعنوان "التيارات السياسية والثورات: أدوار وتحولات"، أدارها ريان الأمين، وتحدث فيها زولتان بال، فقدم ورقة بعنوان "كيف يؤسس سلفيو لبنان سيطرتهم الدينية في مرحلة ما بعد الثورات العربية؟". وقال إن بعض الدراسات التي تتناول موضوع الحركة السلفية في سياقات وطنية مختلفة تعلل نجاح الحركة السلفية في قدرتها على استقطاب أفرادٍ ينتمون إلى فئة شبابية نسبيًا، يواجهون أزمة هوية ترتبط بالحداثة. أضاف: "في لبنان، السلفيون يستقطبون السنة الذين يشعرون بالحرمان والقهر مقارنةً بجماعاتٍ أخرى تنعم بأوضاعٍ أفضل. وشهد شمال لبنان ذو الأغلبية السنية تنامي نفوذ الحركة السلفية في الفترة التي أعقبت الثورات العربية".

وتكلم محمد علي عدراوي عن "السياسات الخارجية للحركات الإسلامية"، فعرض كيف تفهم الحركات الإسلامية العلاقات الدولية وكيف تمارسها. وقال إن إدخال الإسلام المعتدل إلى السياسة الخارجية يزيدها ديناميّة.

جاءت الجلستان المتوازيتان التاليتان بعنوان واحد هو "الدولة والثورات: مواجهة واحتواء". ترأس إحداهما بشار حيدر وألقى فيها مهدي مبروك مداخلة بعنوان "الدولة العميقة والتحوّل الديمقراطي في تونس: افتراضات أوليّة" تناول فيها مصطلح الدولة العميقة، وذلك في طموحٍ إلى كشف الإستراتيجيات الخطابية التي أدّت إلى ولادة هذا المصطلح الذي اختفى الآن بسبب إستراتيجيات أخرى كشفت انتهاء قيمته الدلاليّة.

تتبّع الباحث ظهور هذا مصطلح "الدولة العميقة" في تسعينيات القرن الماضي كمقولة وصفية بعيدة عن التحليل لوصف النظام السياسي التركي، ثم ظهوره في موجة ثانية من استعماله لوصف الحالة الباكستانية، وصولاً إلى الموجة الثالثة في دول الربيع العربي، حيث يشير هذا المصطلح إلى أهمية المؤسسة العسكرية في إدارة الحكم من خلال مراكز نفوذ وجملة أجهزة تُملي القرارات السياسية أو تؤثّر فيها. ورأى الباحث أن ثمّة مفارقة في استخدام هذا المصطلح في تونس التي اتّخذ فيها الجيش دور الحياد الإيجابي. ومع ذلك فقد استُخدم المصطلح بمعانٍ متعاقبة، فعنى حكومة الظلّ ثم بقايا النظام القديم، ثم قوى الثورة المضادّة، إلى أن استقرّ على الدولة العميقة. والمضمون في هذه الاستخدامات كلّها هو حكومة تقف بعيداً أو في سراديب حكومة الواجهة، ولوبيات مال وأعمال مستترة.

ألقى بعد ذلك ولد باهي بون مداخلة بعنوان "محنة الربيع العربي: الدولة ضد التغيير"، رأى فيها أنّ موجة التغيير اتّسمت بفروقات وتفاوت من دولة إلى أخرى بحسب مستوى قوة الدولة وقدرتها على المقاومة، حيث كان ثمّة دول قاومت التغيير وأجهضته ودولٌ أخرى قامت بإصلاحات ودول عرفت التغيير واستقرّت بعده أو تراجعت عنه. وبتنا الآن في مرحلة ما بعد الربيع العربي التي يجب التساؤل فيها أين يكمن العطل في هذه التجربة؟ وإلى أي حدّ يمكن اعتبار الدولة العربية ضدّ التغيير. وأكّد على ثلاث مسلّمات بعد الربيع العربي هي أن الاستثناء العربي لم يعد وارداً، وأن الشعوب باتت حاضرة سياسياً، وأن العالم العربي يتغيّر بيد المجتمع.

جاءت بعد ذلك مداخلة محمد العجاتي "بنية الدولة العربية والتحول الديمقراطي: نماذج تونس ومصر والمغرب"، رأى فيها أن المطالب في جميع دول الربيع العربي كانت واحدة لكن المسارات اختلفت، مما أدّى إلى اختلاف النهايات. كما رأى أن التحول الديمقراطي بعد الثورات يمرّ بأربع مراحل: انهيار النظام السلطوي، قيام النظام الديمقراطي وتأسيس الديمقراطية، التماسك الديمقراطي، نضج النظام الديمقراطي الجديد.

ألقت بعد ذلك مليكة الزخنيني مداخلة بعنوان "أزمة الدولة الوطنية ومآزق الديمقراطية في تجارب ما بعد الحراك: الدول المغاربية نموذجاً"، انطلقت فيها من ملاحظات واضحة هي أن الحراك عرّى واقع الدول الوطنية المأزوم، وأنّ المطلب الديمقراطي كان حاجة في جميع أجندات المتدخّلين، وأنه لم يُفض إلى تحول ديمقراطي، وأن هذا العجز وليد اختلالات في بناء الدولة الوطنية منذ الاستقلال. وهناك تجاذبات تفسّر العجز أو التعثّر في بناء الدولة الوطنية، كالتجاذب بين الديني والعلماني، والتجاذب بين المدني والعسكري، والتجاذب بين الدولي والإقليمي، فضلاً عن البنية الاستعمارية التي تتميّز بالعجز عن بناء الديمقراطية.

ترأست منى حرب الجلسة الأخرى، وشارك فيها مايكل هدسون، الذي تساءل: "هل تصمد الدولة العربية بعد الثورات؟ بحث في أزمة الدولة". وقال إن انتفاضات عام 2011 كشفت بشكل دراماتيكي ضعف الدولة العربية. ولا يزال الزلزال والهزات الارتدادية التي أعقبتها مستمرةً، وتزعزع استقرار الدولة والنخب الحاكمة، حتى في الدول التي لم تشهد احتجاجات شديدة. لكن النتائج التي أسفرت عن تلك الاحتجاجات، كشفت أيضًا عن ضعف المجتمعات العربية. وفشلت المعارضة، في جميع الحالات تقريبًا، في تحقيق تماسك فعّال.

وتحدث محمد الشيوي عن "مصر والتحول من داخل الإستبداد"، رادًا على الادعاء بأنّ تنفيذ العدالة الانتقالية يساعد بالفعل في تطوير المؤسسات الديمقراطية. ويرى المؤلف أنّ العدالة الانتقالية فشلت في معالجة التحولات وتوقع تطوراتها ضمن هياكل الدولة الاستبدادية، ويفضل بدلًا من ذلك مفهوم "التحوّلات الفاشلة"، لأن العدالة الانتقالية برأيه تعيد إنتاج أنظمة توتاليتارية، كما أنها لا تحل القضايا الكبيرة.

وختم الجلسة دانييل براون، متسائلًا: "إلى أيّ حد تستطيع الملكيات العربية النأي بنفسها عن الثورات؟" فرأى أن الرؤساء لا يبنون علاقات مع المواطنين، وأن البعض يظن أن الأنظمة الملكية أفضل من أنظمة أخرى، فالأردنيون يفضلون بقاء الملكية على أن تتحول بلادهم إلى سورية جديدة.

وقال إنّ كلا النظامين الجمهوري والملكي يكشفان عن نماذج متشابهة من آليات التعبئة الشعبية، أو المؤسسية أو الثقافية، ويبرز نموذج العمل الجماعي المشاكس في الأردن، على الرغم من أنه لم يؤد لتغيير النظام، فإنه أكثر استدامةً، ويستند إلى شبكات ناشطين أكثر كثافةً ممّا كانت عليه الحالة في عامي 2010 و2011 في تونس.

آخر جلستين متوازيتين أخريين في اليوم الثاني من الندوة، كانت أولاهما بعنوان "الجيش والثورات: إعادة رسم الأدوار" ترأسها سامر فرنجية وألقى فيها هاني عواد مداخلة بعنوان "التطور التاريخي لـ "اللاسياسية" في مصر"، تناول فيها خصوصية البيروقراطية المصرية بالمقارنة مع مثيلتها التايلاندية متسائلاً لماذا لا يترك الانقلاب الذي يحدث في مصر هامشاً للمعارضين أو مجالاً لتسوية؟ فانقلاب يوليو كان خياره الأمني بلا رحمة وكذلك الانقلاب الأخير، في حين نجد في أماكن أخرى، مثل تايلاند، أنَّ الجيش يترك هامشاً لاحتواء عناصر من المعارضة السياسية.

جاءت المداخلة الثانية بعنوان "تأثير المهنية العسكرية الجديدة في الثورات العربية" ألقاها حسن الحاج علي أحمد منطلقاً من فرضية تباين تعامل المؤسسة العسكرية من بلد إلى بلد، حيث قارن بين المهنية القديمة حين كان الدور المحوري للجيوش هو الصراع العربي الإسرائيلي، ثم المهنية الجديدة، حين تحوّل اهتمام هذه المؤسسات إلى الداخل بعد السلام وباتت المؤسسة العسكرية تتولى أعمالاً أمنية وسياسية واقتصادية أكبر بالقياس إلى القديمة. وهكذا بتنا أمام مجمّع عسكري أمنيّ في مصر، وجيش عقائدي في سوريا، ومجمّع عسكري تجاريّ قبليّ في اليمن.

ألقت بعد ذلك كارلا عيسى مداخلة بعنوان "الإخوان المسلمون والجيش المصري: تاريخ من العنف من عام 1954 حتى اليوم"، حاولت فيها أن تبيّن كيف أعاقت الدولة العميقة في مصر والعنف المفرط الذي يمارسه النظام عمليةَ الانتقال الديمقراطي التي أطلقتها ثورة يناير. وبتنا أمام تهديد يواجه النظام الحالي من جهتين، على الرغم من حملاته القمعية العسكرية: شبكات الإرهاب المتنامية، والاحتجاجات المتواصلة.

جاءت المداخلة الأخيرة بعنوان "سلطة الدولة ما بين التحوّل والاستمرار: أمننة الديمقراطية في مصر وتونس" ألقاها أرنود كورز، ورأى فيها أن ثمّة استغلال للتهديدات المتزايدة لتنظيم الدولة الإسلامية بغية تعزيز الأمننة في المجتمع في مرحلة ما بعد الربيع العربي. وتتّخذ هذه الأمننة شكل تشريعات وممارسات قمعية باسم الأمن القومي، الأمر الذي يعزّز الاستقطاب ضمن المجتمع والسيطرة من خلال الخوف والإسكات والإستلاب.

ترأس باسل صلوخ الجلسة الموازية التي عُقدت تحت عنوان "التحول الديمقراطي: مقاربات وأسئلة". وبدأها محمد باسك منار بورقته "قراءة في التجربة الدستورية والسياسية في المغرب: بعد خمس سنوات على الثورات العربية"، تناول فيها التجربة الدستورية والسياسية في المغرب بعد الثورات والبحث في ما عرفه المغرب من أحداث دستورية وسياسية بعد احتجاجات حركة 20 فبراير. وقال إن التغيير البنيوي يغير القواعد الرئيسة في النسق، ما يؤدي إلى تغيير في النسق، أو تغيير النسق نفسه. لكن الحراك المغربي لم يصل إلى حد التغيير البنيوي، وما تحقق لا يخرج عن دائرة التغيير في التوازنات الذي قد يتضمن بعض التحولات في مواقع الفاعلين من دون المساس بالقواعد الجوهرية لاشتغال النسق، ما يصب في نهاية المطاف في استمرار النسق وتجدده. وفي سياق موافق قدّم سيدي مولاي أحمد عيلال ورقة عن "العملية الديمقراطية في المغرب وإشكالية الفاعلية: حركة شباب 20 فبراير نموذجًا".

وتحدث جورج فهمي عن "الأزهر ودعم الديمقراطية في مصر (2011-2015)" ساعيًا إلى الإجابة عن سؤال: "هل يتوافق الاسلام والديمقراطية"، من خلال التركيز على مؤسسة الأزهر، الأعرق في مصر للتعليم الديني، وتحليل مواقف الأزهر من الديمقراطية.

وختم هذه الجلسة أنطونيو مارتين بوراس-غوميز بورقة عنوانها "القانون الدستوري للانتفاضة العربية" فقال إن الثورات العربية نجحت في إطلاق عملية تغيير الدساتير وإصلاحها، على الرغم من أن ذلك استغرق وقتًا طويلًا، ملاحظًا تشابهًا كبيرًا في العديد من بنود دساتير مصر وتونس والمغرب، ما يعني أن استلهامًا حصل بين هذه الدول. كما لاحظ نزعة في هذه الدساتير إلى الاعتراف بالحقوق المدنية.

تلت جلسات اليوم الثاني حلقة نقاشية مع شباب شاركوا في الثورات العربية، أدارها فواز طرابلسي، وقدّم فيها هؤلاء الشباب شهادات عن الثورة ولكن أيضا قراءاتهم لتحولات الثورات ومآلاتها. وكان ختام اليوم الثاني مع جيلبير الأشقر، الذي حاضر تحت عنوان: "هل يستطيع الشعب إسقاط النظام والدولة لا تزال قائمة؟ تأمل في المعضلة الرئيسية للانتفاضة العربية". وأشار إلى أن الانتفاضات انطلقت في مصر وتونس، وميزتهما أنهما بلدان "نيو ميراثيين" يقعان في منزلة بين المنزلتين، فلا هما دولتان ميراثيتان، ولا حديثتان بالمعنى القانوني والديمقراطي، لكنهما تتميزان عن سورية وليبيا بأن لجهاز الدولة استمرارية، ولم يقم الحكام بإعادة تركيبه عن بكرة أبيه. وهذا ما سمح في مصر وتونس بإسقاط النظام وبتمييز هذا النظام عن الدولة، الأمر الذي لم يكن ممكناً في سوريا وليبيا بطريقة سلمية.

ولإسقاط النظام من دون انهيار الدولة، يقترح الأشقر إستراتيجيا تقوم على الهيمنة المضادة من داخل جهاز الدولة. ويرى أن هذا يتطلّب تشخيصاً دقيقاً للنظام، وتكنيساً للأوهام، وتشخيصاً لآليات النظام وأدواته داخل الدولة، وتوحيدًا للقاعدة الاجتماعية من أجل عدم ذهاب القوى المرشحة للثورة إلى الطائفية والقبلية.