بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العدد الثالث والثلاثون (صيف 2020) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية، تضمّن مجموعة من الدراسات المتنوعة التي عالجت العديد من القضايا، أهمها الذاكرة والاحتجاج، والصراع على المرجعية الشيعية العراقية، والتعليم في سياق استعماري، وقضايا الاقتصاد التضامني، إضافة إلى مناقشة حول مفهوم "مجتمع الشبكات"، ومراجعتين لكتابين تناول أحدهما تاريخ الشتات الفلسطيني في الكويت، والآخر عالج الممارسات الاستعمارية الفرنسية في إحدى الواحات المغربية، كما ترجمت عمران لهذا العدد مقالة مرجعية تناولت موضوع الهوية الجمعية والحركات الاجتماعية.

المفاهيم المتنازع عليها وقضايا الذاكرة والاحتجاج في الريف المغربي

تصدّرت دراسات هذا العدد ورقة أستاذ الدراسات الأمنية النقدية، سيد أحمد قوجيلي، بعنوان "التعريف بالتجريد: حل مشكلة المفاهيم المتنازع عليها في العلوم الاجتماعية (مفهوم الأمن مثالًا)"، التي تناولت بعض المسائل الإشكالية المتعلقة بتكوين المفاهيم وتعريفها في العلوم الاجتماعية من خلال مناقشة حالة اختلاف الباحثين حول مفهوم الأمن. ووجّه قوجيلي نقدًا مباشرًا إلى الطرح المنهجي السائد الذي يفترض أن كل المفاهيم قابلة للتعريف، منتقدًا على وجه التحديد عدم الأخذ في الحسبان أن العديد من المفاهيم لا يمكن التوصل إلى إجماع أو اتفاق عام بشأن معانيها ومدلولاتها.

أما أستاذ حقوق الإنسان والعلوم السياسية، محمد سعدي، فقد ناقش في دراسته "شباب حراك الريف بالمغرب والذاكرة الجمعية الحارقة: الاعتراف كمدخل لمصالحة الدولة مع الماضي الأليم"، دور الذاكرة الجمعية في حراك الريف الذي اندلع في مدينة الحسيمة المغربية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 عقب حادثة طحن بائع السمك محسن فكري. وقد استعرضت ورقته تاريخ الفشل الحكومي المغربي في تسوية الجراح التي خلّفها تاريخ القمع والإرهاب ضد سكان الريف المغربي، وهو العامل الأهم الذي أدى إلى استمرار نقمة أهالي الريف على الدولة ومن ثم تغذية النزوع إلى الاحتجاج.

الاقتصاد البديل في تونس والحرب على التعليم في فلسطين

يُناقش الباحث صفوان طرابلسي في دراسته "أثر مبادرات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في إعادة بناء الثقافة الاقتصادية لدى الفئات الهشّة اجتماعيًا: دراسة حالات في تونس"، مدى قدرة مبادرات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني القائمة في تونس على تجميع الفئات المستهدفة حول أرضية ثقافية تتعارض في تصوّرها المشروع الاقتصادي، مع ما تؤسس عليه الأرضية التي تفرضها السوق الرأسمالية. ومن خلال تقييمه عددًا من المبادرات التضامنية، أشاد طرابلسي بالدور المهم الذي تؤديه تلك المبادرات في إيجاد روابط انتمائية تحترم خصوصياتهم المحلية، بل تذهب إلى حد دمجهم في دورة اقتصادية بديلة.

وفي دراستهما "استثناء الاستثناء: التعليم ’العاري‘ في السياق الاستعماري في فلسطين"، عالجت أستاذة النظريات والفكر السياسي، لورد حبش، وأستاذة العلوم السياسية، غادة المدبوح، الكيفية التي أثّر بها السياق الاستعماري الإسرائيلي في بنية التعليم الفلسطيني، بالاستناد إلى مفاهيم ميشيل فوكو وجورجيو أغامبين. وبيّنت الدراسة كيف تعامل الاحتلال مع التعليم، منذ بداياته، بمنهجية محددة تعتبره قضيةً أمنية؛ إذ يعتمد الاحتلال منظومة من الأوامر العسكرية والسياسات غير الواضحة، تنمّ عن إهمال كامل وممنهج للعملية التعليمية، بهدف تحويل التعليم من أداة تحرير وتعزيز للهوية إلى عبودية واغتراب.

الصراع على المرجعية الشيعية في العراق

انتقد الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، حارث حسن، في دراسته "المرجعية الدينية الشيعية والفضاء السياسي - الاجتماعي: قراءة في تجربتي المرجعين محمد الصدر وعلي السيستاني" ميل معظم الدراسات التي تتناول نشاط الفاعلين الدينيين الشيعة إلى تصنيفهم إلى مسيسين وغير مسيسين، أو إصلاحيين وتقليديين، موضحًا أن هذه الثنائية شوّشت فهم طبيعة الصراع على المرجعية الدينية الشيعية في العراق. ومن خلال المقارنة بين نموذجَي محمد الصدر وعلي السيستاني، اللذين تصدّيا للمرجعية في وقت متقارب زمنيًا، أوضح حسن أهمية التركيز على طبيعة "النشاط الديني". ففي حين طوّر الصدر ممارسته عبر المزج بين الديني والحركية الاجتماعية المتلونة بمشروع الأسلمة المجتمعية، فإن السيستاني اتجه إلى الفصل بين الممارسة السياسية والممارسة الدينية، ولم يؤطر حضوره في المجال العام بقالب أيديولوجي محدد.

ترجمة ومراجعات

وتضمن باب مناقشات ورقةً نقاشية بعنوان "مانويل كاستلز ومفهوم مجتمع الشبكات: من المجتمع إلى الشبكة (نحو مقاربة تأويلية للهوية والسلطة في عصر المعلومات)"، تتبّع فيها أستاذ علوم التربية إدريس الغزواني، طبيعة تطور مفهوم "مجتمع الشبكات" وسياقاته، مُقدمًا مقتربات بشأن بعض المفاهيم المؤطرة لـ "عصر المعلومات، ومناقشًا أعمال السوسيولوجي مانويل كاستلز.

كما ترجم ثائر ديب لهذا العدد دراسة "الهوية الجمعية والحركات الاجتماعية" من تأليف فرانشيسكا بوليتا وجيمس م. جاسبر، التي تبحثُ على نحو معمق في العلاقة بين الاحتجاج والهوية الجمعية. وفيها شدد المؤلفان على أهمية الهوية الجمعية في وصف الجماعات وإدراكها وبنائها في المخيال الاجتماعي واكتشاف روابط ومصالح وحدود موجودة من قبل. كما انتقدا نزوع العديد من الدراسات إلى تحويل الهوية الجمعية إلى "نوعٍ من المقولة اللاحقة أو الزائدة، تصف ما يحدث خارج البنى وخارج الدولة وخارج الفعل العقلاني".

أما باب مراجعات الكتب، فقد اشتمل على مراجعة كتاب "النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت" لشفيق الغبرا، من إعداد مجد أبو عامر، ومراجعة كتاب "واحة غريس والاستعمار: آليات التحول وأشكال المقاومة" لقسطاني بن محمد، من إعداد رشيد الزعفران.

وقد عرضت عمران في هذا العدد على غلافها وداخل المجلة لوحات الفنان السوري تمّام عزام، الذي يعتمد فيها على الكولاج وإعادة تشكيل الورق الممزق.