بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العددُ الثالث والخمسون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية" التي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين. وقد تضمّن العدد دراسات في مواضيع الدولة في سورية، وجيش المهدي في العراق، والقانون الدستوري في المغرب، والقوة الناعمة، وورقة في باب المؤشر العربي، وتوثيقًا لأهمّ محطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأهم محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي ووثائقه، ومراجعة لأبرز أدبيات دراسات التحول الديمقراطي ودراسات الأوتوقراطية.

في باب "دراسات"، تسلط دراسة مروان قبلان بعنوان "لماذا انهارت ’دولة البعث‘ في سورية؟" الضوء على الأسباب والعوامل التي أدت إلى دخول الدولة السورية في أسوأ أزمة وجودية منذ أن أعلن قيامَها المؤتمر السوري العام في 8 آذار/ مارس 1920 باسم "المملكة السورية". ويرى قبلان أن تخلّي الدولة التي حكمها حزب البعث عن وظيفتها الاقتصادية (الريعية - التوزيعية) تجاه قواعد دعمها الاجتماعية التقليدية (العمال والفلاحون والأرياف)، وتبنّيها سياسات اقتصادية ليبرالية، وتراجع هيمنتها الأيديولوجية، وتعويض ذلك بزيادة الاعتماد على ذراعها الأمنية، قد أفقدها كل ذلك آليات السيطرة التقليدية التي اعتمدتها في العلاقة بالمجتمع نحو نصف قرن. ويفحص قبلان الفرص المتاحة في سورية أمام إعادة بناء دولة قادرة على أداء مهماتها ووظائفها، واستعادة سيادتها على كامل أراضيها، وما شكل هذه الدولة، في حال تمكنت من ذلك؟

ويحاجّ حيدر سعيد في دراسته بعنوان "جيش المهدي والتيار الصدري: الصراع على الهوية والتحوّل" بأن السجال على حجم العمل المسلح بين جيش المهدي والتيار الصدري في العراق، في إطار دراسة العلاقة بين التنظيمات السياسية وأذرعها المسلحة، أفضى إلى صراع على هوية التيار بين جناحَين: جناح مع أن يبقى التيار تنظيمًا مسلحًا، وآخر مع أن يتحول إلى العمل السياسي. ويرى سعيد إن التحول الحاسم للتيار الصدري نحو العمل السلمي ومأسسة تنظيم سياسي، إنما جرى بدءًا من عام 2009. ويضيف أن هذا التحول يعني غلبةَ جناحٍ على آخر داخل التيار، وإن تفوّق الجناح الداعم للتحوّل إلى تنظيم سلمي لا يعني نهايةَ العمل المسلّح والجناح الداعي إليه، بل إنّ ما سيحدث هو انشقاق الجناح الأخير في تنظيم مستقل.

ويناقش علي باكير في دراسة بعنوان "نحو إطار نظري في صناعة القوة الناعمة" طبيعة القوّة الناعمة، وطريقة عملها، وكيفية توظيفها، ومدى فاعليتها وحدود تأثيرها. ويجادل بأنّ القوّة الناعمة ليست موجودة بذاتها وإنما تُصنع، ولذلك فهي ليست مجرّد استراتيجية كما هي الحال بالنسبة إلى القوّة الذكية، ولا يمكن شراؤها بشكلها الخام كمّيًا كما هي الحال بالنسبة إلى القوّة الصلبة، وليست ذات طابع سلبي أحادي كما هي الحال بالنسبة إلى القوّة النافذة. ويرى باكير ضرورة التمييز بين مصادر القوة الناعمة وأدواتها، ويؤكد كذلك إمكانية حشد مصادر هذه القوّة الناعمة وتوجيهها في اتجاه الطرف المستهدف باستخدام أدواتها.

وفي دراسة بعنوان "القانون الدستوري وشرعنة النظام السياسي بالمغرب: قراءة من منظور السوسيولوجيا السياسية" يسلط محمد كولفرني الضوء على مساهمة بعض فقهاء القانون الدستوري في شرعَنة النظام السياسي المغربي، من منظور السوسيولوجيا السياسية للعلوم. كما يتناول القانون الدستوري وعلاقته بالصراع على السلطة المعرفية، وهو صراع بين الباحثين، أفضى إلى تحوّل بنية هذا الحقل العلمي ووجهته. ويرى كولفرني أن هذا التحوُّل جاء في أعقاب "الثورة المحافظة" التي أحدثها باحثون شباب مغاربة في حقل علمي تابع للحقل السياسي، من خلال تمثُّلهم لمملكة الدستوريين. ويستنتج أن هذه الثورة التي تشكلت في الثمانينيات بوصفها حقلًا مضادًا ستتحوّل إلى حقل مهيمن، يساهم في شرعَنة النظام السياسي مساهمةً بيّنة، من خلال إنتاج مسلَّمات دستورية جرى بثُّها وتكريسها عبر الدرس الدستوري الذي سيحوّلها، بوساطة التأليف في الفقه الدستوري والتأطير الأكاديمي، إلى أمر مألوف.

أمّا في باب "المؤشر العربي"، فأعدّ محمد أوريا وهشام رائق ورقة بعنوان "رأي الشعوب العربية في الأنظمة السياسية: دراسة مقارنة باستخدام منهج تحليل المكونات الرئيسة" ركزت على مدى تجاوب المجتمعات العربية مع الأنظمة السياسية. ورأى الباحثان بالاستناد إلى تحليل المكوّنات الرئيسة لتقييم مدى ملاءمة الأنظمة السياسية للدول العربية من وجهة نظر المواطنين، أنّ المواطن العربي، على العموم، يتمسك بالأولوية الديمقراطية، رغم أولويات أخرى مرتبطة بالهمَّين الديني والأمني. ويبرزان أنه رغم الرغبة في نظام ديمقراطي، يبدو أنّ النخبة السياسية لم تولِ هذا الاختيار أهمية كبرى؛ ما يفسر سلسلة إخفاقات المسار الديمقراطي في المنطقة.

واشتمل العدد في باب "التوثيق" على توثيقٍ لأهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، و"وثائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي" في المدة 1 أيلول/ سبتمبر-31 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

وفي باب "مراجعات الكتب"، أعدّ عامر كاتبه مراجعةً بعنوان "منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين دراسات التحول الديمقراطي ودراسات الأوتوقراطية: استعراض الأدبيات والتأملات النظرية قبل الثورات العربية وبعدها"، أشار فيها إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طالما كانت موضوعًا بحثيًا مهمًا لكثير من الباحثين في حقلَي العلوم السياسية والدراسات المناطقية، لا سيما في نطاق دراسات التحول الديمقراطي أو دراسات الأوتوقراطية. وأوضح أن هذا الاهتمام بدراسة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زاد بعد الثورات العربية، وتغيّر نطاق التحليل في هذه الدراسات تغيرًا بسيطًا، إذ منحت هذه الثورات الباحثين لحظة مراجعة ليتأملوا ما يقومون به. وعلى الرغم من ذلك، استمرت بعض الدراسات في استخدام الأنماط السابقة نفسها (أي نموذج الأوتوقراطية مقابل الديمقراطية)، أو أنها اتّبعت مقاربة اختزالية في شرح التطورات في المنطقة.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.