بدون عنوان

اختتمت اليوم أعمال مؤتمر "العرب والصين: مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة" الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على مدى يومين في الدوحة. وقد تناولت الأوراق البحثية المقدمة في جلسات اليوم الثاني والأخير المواقف الصينية من الصراع العربي- الإسرائيلي ومن الثورات العربية، وتطرقت إلى تأثير علاقات الصين مع القوى الإقليمية الكبرى في علاقاتها مع العرب. واختتم المؤتمر بجلسة نقاشية شارك فيها نخبة من الباحثين المتخصصين.



تحولات موقف الصين من الصراع العربي - الإسرائيلي

في جلسةٍ خُصصت لتقييم موقف الصين من الصراع العربي - الإسرائيلي، أبرز الباحث محمود محارب الموقف المساند لحقوق الشعب الفلسطيني الذي التزمته الصين منذ اغتصاب الأرض الفلسطينية وإنشاء الكيان الصهيوني الذي ناصبته الصين العداء، لأنّ القيادة الصينية الشيوعية حينها رأت فيه تجسيدًا "للإمبريالية" في المنطقة. وظلت الصين تقاطع الكيان الصهيوني لعقود قبل أن تبدأ في التعامل الدبلوماسي معه في عام 1992، وتطورت بعدها العلاقة بين الطرفين بشكل مطّرد في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمنية، وتزايدت المبادلات التجارية بينهما لتصل في عام 2015 إلى 10 مليارات دولار. وقد سعت إسرائيل إلى تغيير مواقف الصين منها ومن حقوق الشعب الفلسطيني - ولا سيما منذ بدء الثورات العربية - عبر تسويق مفاهيم في مقدمتها أنّ إسرائيل دولة مستقرة لا تتعرض لثورات تُهدد استقرارها، وأنّ لديها القوة الكامنة للمساهمة في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وأنها دولة متطورة اقتصاديًا وصناعيًا، وخصوصًا في التكنولوجيا المتطورة؛ سواء المرتبطة منها بالصناعات السلمية أو بالصناعات الأمنية - العسكرية، وأنها تحظى بعلاقات متينة ومتميزة مع الولايات المتحدة الأميركية.

ورأى الصحافي عزت شحرور أنّ موقف الرأي العام الصيني من القضية الفلسطينية ومن الصراع العربي- الإسرائيلي قد شهد تحولًا في السنوات القريبة الماضية. وقدّم شهادةً عن تجربته الشخصية وهو المقيم في الصين منذ ثلاثة عقود، في معايشته ومراقبته لتحولات الرأي العامّ الصيني تجاه العرب والصراع العربي – الإسرائيلي. واهتمّ شحرور بانعكاس التطور في العلاقات الصينية - الإسرائيلية على موقف النخب الأكاديمية والثقافية الصينية وشريحة واسعة من الشباب. ويظهر ذلك التحول، على نحوٍ واضح، في وسائل الإعلام الرسمية الصينية ووسائل التواصل الاجتماعي. ففي وقت تنشط فيه حملات المقاطعة لإسرائيل، اقتصاديًا وأكاديميًا وثقافيًا وعسكريًا، في عددٍ من دول الاتحاد الأوروبي، نجد النقيض في الصين؛ فهناك من جهة قوة العلاقات والتأييد والإعجاب بالنموذج الإسرائيلي، ومن جهة أخرى ثمة موجة من العداء للمسلمين والعرب وبأسلوب خارج عن اللياقة والأخلاق، ويصل الأمر أحيانًا إلى استخدام عبارات عنصرية ضدّ الفلسطينيين حتى في اعتداءات إسرائيل عليهم.

في المقابل، قدم الباحث منصور هويوشانغ، وكيل كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الدولية في بكين، ورقةً بحثيةً من منظور صيني بعنوان "دور الصين في عملية السلام في الشرق الأوسط في ظل مبادرة الحزام والطريق"، وعرض فيها تاريخ علاقة الصين بالصراع العربي - الإسرائيلي. وبيّن الباحث أنّ الحكومة الصينية تُعوّل في التعاون العربي - الصيني على قضايا اقتصادية وتجارية تتركّز في تطوير فكرة مبادرة الحزام والطريق. وبحسب رأيه، بما أنّ الصين طرفٌ مهمّ في المجتمع الدولي، فإنّ مشاركتها في إدارة الشؤون العالمية ومن ضمنها الصراع العربي – الإسرائيلي أصبحت معيارًا لتصف دول العالم الصينَ بأنها "قوة مسؤولة". ورأى أنّ الصين مرشحة لأداء دور الوسيط في الصراع العربي - الإسرائيلي؛ لأنها طرف محايد، وليست لها نزاعات مع أيّ طرف من الأطراف.


الموقف من الثورات العربية من وجهة نظر أكاديمية صينية

وضمّت الجلسة التي خصصت لمناقشة موقف الصين من الثورات العربية باحثين صينيين حصرًا، فقد قدّم الباحث جن ليانغ شيانغ المداخلة الأولى بعنوان: "السياسة الصينية تجاه العالم العربي في سياق إقليمي متغير"، أوضح فيها أنّ دول المنطقة تأخذ على الصين أنها تسعى لتحقيق الربح التجاري فحسب في علاقاتها معها، كما تشعر هذه الدول بالإحباط، لأنّ الصين غير قادرة على موازنة الهيمنة الأميركية في المنطقة. في المقابل، يؤكد الباحث على أنّ الصين اضطلعت بدور مسؤول وبنَّاء في المنطقة خلال العقد الأخير. فقد كانت مساهمًا اقتصاديًا ووسيطًا يتفادى لفْت الأنظار. وفي المستقبل ستتّسم سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط بالثبات والتنمية في آنٍ واحد. ومن المؤكد أنّ الصين ستعزز علاقاتها بدول المنطقة ولن تقتصر في ذلك على الطاقة، وأنّها ستعزز أيضًا علاقاتها بدول المنطقة بطريقة أكثر شموليةً، خلافًا للقوى العظمى الأخرى.

أمّا الباحثة أي وي جنيفير شانغ، فجاءت مداخلتها بعنوان "السياسة الصينية إزاء الصراع في سورية"، وقالت إنّ الصراع في سورية يعدّ أحد التحديات الأكثر إلحاحًا التي تواجه الصين اليوم في وقتٍ توسّع فيه نشاطها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط والمسرح الدولي، وهي تتبوأ موقعًا فريدًا يخوّلها الإعلان عن سياساتها وأهدافها في ما يتعلق بالصراع السوري. كما ناقشت الباحثة تطور السلوكيات السياسية الصينية بشأن الصراع في سورية على مدى السنوات الخمس الماضية، وسلّطت الضوء على حسابات بكين الكامنة وراء تصويتها على قرارات مجلس الأمن بشأن سورية وإدارتها علاقاتها بالقوى الأساسية الأخرى، والمبادرات الدبلوماسية التي قد تحقق تسويةً سياسيةً.

واستعرض المشاركون في الجلسة الرابعة في اليوم الأخير بعض نماذج العلاقات العربية - الصينية. وقدّرت الباحثة ابتسام عبد ياس أن السياسة الصينية تجاه العراق بعد الاحتلال الأميركي له، عام 2003، أخذت طابعًا متّصفًا بمعايشة الوضع العراقي، والدعوة إلى الجنوح للسّلم وتغليب الحلّ السياسي واتخاذ إجراءات سياسية تلائم هذه المرحلةَ المملوءة بالتقلّبات. وخلصت الباحثة إلى أن تحليل السلوك الصيني، يبين أنها غير مستعدّة للتخلّي عن علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، ولكنها تحاول القيام بدورٍ محدود ومعارض للهيمنة الأميركية.

ومن جانبه، يؤكد الباحث محمود زكريا إبراهيم في تحليله العلاقات المصرية –الصينية منذ انتهاء الحرب البادرة أنّ العلاقات بين البلدين حظيت بقدر كبير من الاستمرارية والثبات، منذ نشأتها في منتصف العقد الخامس من القرن العشرين. وعلى الرغم من تغيّر الأوضاع الدولية والإقليمية منذ انتهاء الحرب الباردة، فإنّ العلاقات المصرية – الصينية اتسمت بالتطور الإيجابي والازدهار في جميع المستويات.

وقدمت الباحثة أسماء بن مشيرح ورقة بعنوان "إستراتيجيات التغلغل الصيني في الجزائر: دراسة في الآليات والرهانات المستقبلية". أوضحت فيها أن الصين بدأت في منافسة الولايات المتحدة الأميركية والدول الكبرى في الأقاليم ذات الأهمية الإستراتيجية؛ كأفريقيا عمومًا، والجزائر بصفة خاصة، مستخدمة قوتها الناعمة. وحللت الباحثة توسع الوجود الصيني في الجزائر عبر قوتها الناعمة بالحضور في مشاريع اقتصادية كبرى في البنية التحتية.