بدون عنوان

لمناسبة صدور كتاب المؤرخ والباحث اللبناني أحمد بيضون "الربيع الفائت: في محنة الأوطان العربية أصولًا وفصولًا"، عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، أُقيمت حلقة نقاشية بدعوة من المركز، لمناقشة الكاتب في مضمون كتابه، وذلك في قاعة مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر، في الأول من أيلول /سبتمبر 2016.


شارك في الحلقة الزميل صقر أبو فخر (الذي أدار الندوة)، والدكتور خالد زيادة (مدير الفرع) والباحث الدكتور شبلي الملّاط.

الإقامة في الشك

بداية اعتبر أبو فخر أن عبارة "تأملات معرفية" في ما آلت إليه أوضاع المجتمعات العربية التي بشّرت بإمكان التحول إلى الديمقراطية، ولا سيما غداة الثورتين التونسية والمصرية، لكنها سرعان ما بدأت بالتفسخ، خصوصاً بعد التجربتين السورية واليمنية، وراحت تئن جراء انقلاب أحوالها إلى ما يشبه الحرب الأهلية"

لكن الكتاب يستعيد، بحسب الزميل أبو فخر، "سيرة جيل عربي عركه الزمان وتعارك معه منذ نكبة فلسطين (1948) وثورة الجزائر (1954) والعدوان الثلاثي على مصر (1956) والوحدة السورية – المصرية (1958) وإطاحة الملكية في العراق (1958)، ثم الانفصال السوري المصري (1961)، صعوداً نحو التغييرات المتسلسلة والمتمادية التي عصفت بالعالم العربي منذ هزيمة 1967 حتى اليوم (...) وفي ثنايا الصفحات نعثر على معالجات لقضايا شتى مثل حركات التغيير العربية والطائفية والهوية والمواطنة والعلمانية والمذهب والدين ومداواة الأوطان بتفكيكها".

اللاعنف والطوائف دستوريًا

"مهمٌّ جداً هذا الكتاب موضوعياً وعاطفياً"، بهذه العبارة افتتح الدكتور شبلي الملاط مداخلته، معتبراً أن "الشخصي والموضوعي يتلاقيان في ما وضعه أحمد بيضون من تساؤلات صعبة تبادرت الى أذهان كلٌّ منا مراراً وتكراراً".

رأى الملاط أيضًا أن صفة الثورة، وهي الصفة الصحيحة في نجاحها الأولي بإسقاط أربعة قادة عرب من علاهم الاستبدادي، تقابلها ثورة مضادة، يشير إليها الكاتب في بعض فصول الكتاب، الأمر الذي جعل الحدث الربيعي الجلل "في التاريخ المعاصر عند أحمد بيضون فائتاً بعد تردياته الكبيرة، حتى في الجمهورية التونسية التي كانت المسيرة الدستورية فيها موفّقة إلى حدٍ كبير بالتزام الجمهور الأكبر بالالتئام حول الدستور وتنظيم الانتخابات الدورية الحرّة.

اعتبر الملاط الكتاب "كشكولًا واسعًا من التحاليل العميقة لظواهر مختلفة من الثورة المضادة، وأهمها التركيبة الطائفية المقوِّضة لما يقدّمه الكاتب عن مفهوم التبلّر: أي صعوبة انصهار الملل والنحل في قالب لا تستجير الرمضاء بالنار في كلّ ملّه أو نحلةٍ تطغى عليها حتى التهجير، ملّةٌ أخرى أو كوكبة من الملل".

يتألّق الكاتب في الكتابة عن المعضلة الطائفية على امتداد سيرته المعطاء الطويلة، بحسب الملاط الذي رأى أن الموضوع دستوري أيضًا. أما مبدأ المعالجة الذي ذكر الملاط أنه جدير بالتأمّل مع الإقرار ببعده الشاسع عن متناولنا، فهو أن يقابِل الابتعاد عن المحاصّة الطائفيّة إنشاء مؤسساتٍ سياسية وحقوقية توفّر ضمانات تقمع التمييز على أساس الطائفة على غرار قمعها التمييز، في الصيغة المعاصرة لحقوق الإنسان، على أساس العنصر أو الجنس أو اللغة".

ختم الملاط كلامه في نقده الكتاب قائلًا: "أودّ مخاطبة أحمد بيضون في الربيع الفائت فأقدم له بعض النقد"، مركّزًا على غياب مسألة اللاعنف في معالجة أحمد بيضون. فثورة اللاعنف هذه شملت الشرق الأوسط بين عامي 2005 و2012 تقريبًا. وهو لاعنف جديد في مواجهة عنف سلطات دكتاتورية.

المسألة الثانية في نقد الكتاب هي غياب المقاربة التاريخية للثورة الشرق أوسطية على الصعيد العالمي. أما المسألة الثالثة الغائبة أيضا فتتعلّق بالاجتهاد الدستوري الخاص بالمسألة الطائفية في المجتمعات العربية.

أمل الديمقراطية المجهض

في مداخلته اعتبر الدكتور خالد زيادة أن أحمد بيضون حمل ما حدث في عام 2011 على أنه امتداد للحياة الشخصية لجيله. ذلك أنه يمكن لمن شهد الحركات أو الانتفاضات وعايشها، أن يعتبرها امتداداً لحياته الشخصية. لذا "مهد (بيضون) لكتابه بطرف من سيرته الذاتية، أو بالجزء المتعلق منها بالحقل العام والاهتمامات الوطنية والأوقات التي كُرِّست للعمل الحزبي والسياسي، فضلاً عن الكتابة وممارستها كفعل اجتماعي وفكري". فأبناء ذلك الجيل "انتظروا ذاك الحدث عمراً كاملاً (...) أملًا بتغيير طال انتظاره".

رأى زيادة أيضًا أن الكتاب يضم مقالات ومداخلات ودراسات كُتبت كلها بعد اندلاع الثورات العربية، متراوحًا بين تعقب للوقائع وتحليل لظواهر التي تبرزها مجتمعاتنا من الطائفية والمذهبية إلى التعددية التي مثالها لبنان. وهي أقرب ما تكون إلى ما يمكن أن نسميه بالتاريخ المباشر. فبعض أجزاء الكتاب التي كتبت خلال خمس سنوات سابقة، يمكن أن نعتبره، قراءة مدققة للأعوام السالفة في محطات ومفاصل لافتة.

أضاف زيادة، يقرن المؤلف في إحدى المقالات التي تحتل عنواناً معبراً - "الاستبداد بالمعرفة" - بين عدم القدرة على توقع ما جرى وما يجري، وما بين أنظمة الاستبداد، فيكتب: "كانت المجتمعات، مجتمعات سرية: بمعنى أن أحداثها كانت تبقى سراً عليها، فلا تجتمع لها معرفة بنفسها". ويمكن أن نضيف هنا: ولا بأحوالها وتاريخها، لذا نعتبر هذا الفصل من الكتاب قراءة دقيقة ومهمة لعلوم الاجتماع في بلداننا.

أما ما حمل الكاتب - بحسب زيادة - على التفاؤل والغبطة في بدايات "الربيع الفائت"، فهو "الشعارات والأفكار التي أطلقت وكانت تبشر بإحلال الديمقراطية بديلاً من الأنظمة الأحادية والتسلطية". وتحتمل "الأمل بنظام يفصل ما بين السلطات، وبتحقق استقلال القضاء وسيادة البرلمان المنتخب وحصانة أعضائه". وهذا إضافة إلى "الحياد السياسي للإدارة العامة، وحرية تكوين الأحزاب، وحرية تأسيس الجمعيات وتنشيط التنظيمات والعمل النقابي، ونزاهة الانتخاب وحريته، وتحرير الاتصال والإعلام، واقتران التنمية بإجراءات تقرب من العدالة الاجتماعية، وتعلي صرح المواطنة. وهذه لائحة غير حصرية بمسائل تتعلق بما يمكن تسميته ثورة ديمقراطية عربية".

وبحسب زيادة، يعود أحمد بيضون في كتابه الجديد إلى "موضوعه الأثير في شأن الطوائف ليعمق البحث فيها في ضوء المستجدات التي طرأت بعد عام 2011، ليميز بين المذهب والطائفة". ثم نوّه "بالجهد الذي بذله في كل ما يكتبه، وفي بحثه عن العبارة التي تنطق بالفكرة، وهذا دأبه على الدوام: المساهمة في مقالاته وأبحاثه في الإضاءة على الوقائع التي شهدتها السنوات الماضية، "محافظًا على طريقته المتأنية في سرد الوقائع وتحليلها والتعقيب عليها". وبهذا المعنى يحتلّ هذا الكتاب مكانة في ما كُتب وما سيُكتب عن مرحلة غيّرت أفكارنا، ومع ذلك نقول أنها ليست إلا البداية.

تعقيب بيضون

كان لبيضون تعليقه على ملاحظات الملاط، فحصر خلافه معه في المصطلح وتركيب النص وليس في عمق الأمور، مشيراً المؤلف إلى أن كتابه لا يزعم التماسك الشكلي ولا التطرق الحصري والشامل إلى جميع المشكلات التي فرضتها وتفرضها المرحلة.

أخيرًا لخّص بيضون ركني كتابه في موضوعين:

- الأنظمة السلطانية، وهي إرثية محدثة.

- الطائفية، وهي مشكلة متصدّرة في مجتمعات الثورات.

* يمكنكم التعرّف على محتويات كتاب "الربيع الفائت" وشرائه عبر المتجر الإلكتروني.