بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العدد الثالث من الكتاب السنوي استشراف. تمحور العدد حول مستقبل الطاقة في العالم بطرحه تساؤلات عديدة حول استدامة النموذج الطاقي (الأحفوري بالأساس) السائد اليوم، وتتصل بالإنتاج والتوزيع والاستهلاك، والتأثيرات في البيئة ومحيط عيش البشرية، ونجاعة إستراتيجيات الانتقال الطاقي، وفاعلية سياسات التنويع الاقتصادي، فضلًا عن التوازنات السياسية والجيوسياسية في ظلّ عالم متقلّب وأسواق طاقية غير مستقرة.

وفي هذا الإطار، يأتي هذا العدد الخاص بموضوع "استشراف مستقبل الطاقة" لمقاربة هذه القضايا وغيرها، من خلال منظور عربي موصول بواقعنا ورهاناتنا ومآلاتنا. وتستشرف الأبحاث، التي يضمّها كتاب استشراف السنوي الثالث بين دفّتيه، أبرز هذه القضايا الطاقية التي تهمّ واقعنا العربي، بدءًا بمسألة النفط المركزية بالنسبة إلى البلدان العربية، المصدّرة أو المستوردة. ويستهلّ ممدوح سلامة هذه الأبحاث بتناول قضية "ذروة النفط"، محاججًا بأنّ عصر ما بعد النفط "خرافة" فحسب، وأنّ النفط سيظلّ عاملًا مركزيًا محدّدًا في القرن الحادي والعشرين وما بعده. أمّا خالد بن راشد الخاطر، فينطلق من ظرفية انهيار أسعار النفط في السنين الأخيرة؛ ليستشرف شروط تحويل الاقتصادات الخليجية من اقتصادات ريعية تعتمد على الاستخراج والاستقطاع والتوزيع إلى اقتصادات تعتمد العمل والإنتاج، وتنويع النشاطات والصادرات. ويخصّ عبد المجيد عطار الحالة الجزائرية بالدرس والتحليل، مستكشفًا شروط الانتقال الطاقي المتوازن بالجزائر؛ أي الانتقال الطاقي الذي يضمن إعداد استغلال المحروقات غير التقليدية التي تتوافق، في الوقت الحاضر والمستقبل، مع الجزء الأعظم من التجديد الممكن لموارد الطاقة. وينظر قاسم حجاج في الإشكالية ذاتها، من خلال التجربة السويسرية الرائدة للانتقال الطاقي، بوصفها نموذجًا جديرًا بالدراسة والاحتذاء عربيًا، ويدرس من خلالها رشيد البزيم حالة النموذج المغربي.

إلى جانب النفط، يكتسي المورد الأحفوري الثاني، أي الغاز، أهمية قصوى يتناولها بالدرس والتحليل عدد من الأوراق المضمّنة في هذا الكتاب. في البدء، يعرض ناجي أبي عاد لقضايا تزايد الاستهلاك الخليجي وإشكالية بناء شبكة غاز خليجية. أمّا لوران لامبير وجوردان لي، فيتناولان مسألة التكامل الإقليمي في مجال الغاز بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، منذ انطلاق "مشروع دولفين للطاقة" في عام 1999، ويقترحان ثلاثة سيناريوهات مستقبلية لصادرات الغاز القطرية عبر خطوط الأنابيب، آخذين في الاعتبار أزمة حصار دولة قطر المستمرّة منذ 5 حزيران/ يونيو 2017. وينتقل مروان قبلان إلى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط (حوض الشام) التي عرفت اكتشافات غازية مهمة خلال السنوات القليلة الماضية، موزّعةً أساسًا بين مصر، وقبرص، وإسرائيل، وتركيا، ولبنان، وفلسطين، وسورية. يتناول قبلان هذه المسألة درسًا وتحليلًا من منظور جيوستراتيجي، في سياق يسوده عدم الاستقرار وضعف إمكانات التعاون بين هذه البلدان، وصراعات مزمنة أو حديثة النشأة. ويختم هذا المحور شاكر ظريف بتناول أبعاد الغاز الصخري الذي أضحى يكتسي أهمية قصوى في السنين الأخيرة، خاصًّا الحالة الجزائرية بالنظر.

وضمن منظوره الاستشرافي الشامل الذي يولي أهمية كبرى لدرس التحولات التكنولوجية الحالية والمستقبلية وتأثيرها في واقعنا المعيش وفي نماذج نمونا واستدامتها، يخصّص كتاب استشراف السنوي الثالث حيّزًا لإحدى أهمّ الطفرات التكنولوجية التي شهدها العقدان الأخيران، والمتمثلة في "إنترنت الأشياء" التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمستقبل الطاقة عبر تأثيرات متعدّدة. وفي هذا الإطار، يستكشف السيد يوسف دور "إنترنت الأشياء" في تغيير نظم الطاقة التقليدية، من حيث الإنتاج والاستهلاك، والتوليد والتوزيع، وانعكاس ذلك على مولِّدي الطاقة ومستخدميها في المستقبل القريب.

كما يضمّ كتاب استشراف السنوي الثالث بين دفتيه خمس دراسات مترجمة؛ تخصّ طاقة المستقبل من دون نفط أو وقود أحفوري (جون لوري)، والتوقعات الحالية والمستقبلية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (عبد السلام درويش وصبري شعبان)، ومستقبل السيارة الكهربائية بوصفها بديلًا طاقيًا في المستقبل (بيير بونور)، وإشكالية ندرة الموارد الطاقية واستدامتها في المستقبل (سيسيل ديسوني وإيريك فيدالون)، وتحليل النظام الطاقي، والجهات الفاعلة، وعوامل التطور في تحديد أسعار الطاقة في المستقبل (جون - ماري شوفالييه). وأخيرًا، يعرض كتاب استشراف السنوي الثالث مجموعة متنوعة من قراءات الكتب الحديثة ذات الصلة بمستقبل الطاقة.


** تجدون في موقع دورية "استشراف" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.