بدون عنوان

د. شمس الدين الكيلاني مُحاضرًا

في إطار النشاطات الأكاديمية الدورية التي ينظمّها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تشرَّف المركز باستقبال الأستاذ شمس الدين الكيلاني، الزميل والباحث في المركز العربي، وقد تناول بالعرض والتحليل موضوع "آراء غربية في التجربة السياسية في الإسلام"، وذلك من خلال عرض أربع وجهات نظرٍ لمستشرقين غربيين معروفين وهم؛ برنارد لويس، ومونتغمري وات، وبيرتراند بادي، وأوليفيه روا.

من خلال عرض الأستاذ المحاضر تبيّن أنّ برنارد لويس في دراسته للتجربة السياسية في الإسلام قد انطلق من فرضية مُفادها أنّ الإسلام دين ودولة، وأنّ العلاقة بينهما علاقة عضوية، ومن ثمَّة لا يمكن التفريق بينهما، وهو بذلك متفق كليًّا مع أطاريح الإسلام السياسي المعاصر. وفي هذا السياق أضاف المحاضر أنّ الإسلام، بحسب برنارد لويس، لا يميّز بين الدولة والكنيسة، كما هو الحال بالنسبة إلى التجربة التاريخية للمسيحية. علاوةً على ذلك، يرى برنارد لويس أنّ مفهوميْ حقوق الإنسان والمواطنة في المجال الإسلامي من المفاهيم التي اقتُبست من الغرب، والتي جرى اختزال معانيها في عملية الترجمة؛ وذلك بتجريد هذين المفهومين، وإضعاف البعد المتعلق فيهما بمبدأ الحرِّية.

أمّا مونتغمري وات، فهو يفرّق بين المرحلة المكيّة والمرحلة المدنية من حياة الرسول؛ إذ كانت المرحلة الأولى دينيةً فقط، من دون أيّ بُعد سياسي فيها. في حين أنّ الدين قد شهد امتزاجًا بالسياسية في مرحلة المدينة، من خلال مفهوم الجماعة، علاوةً على البعد التعاضدي للإسلام. وفي هذا السياق يرى وات أنّ الأديان بمعناها الجوهري لا تتصل بمفاهيم سياسية، وأنّ جلّ ما في الأمر هو  تصالح دين ما مع بعض المفاهيم السياسية السائدة في منطقة ولادته الأصلية، وأنّ هذا هو الوضع تمامًا بالنسبة إلى الإسلام، ولا سيما في فترتي الدولة الأموية والدولة العبّاسية.

وأمّا برتراند بادي فقد لاحظ، في سياق مقارنته الواسعة بين الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية، أنّ الحداثة في أوروبا نهضت عبر التحرر من النظام الإمبراطوري، في حين أنّ المجال السياسي الإسلامي قد حُدِّد من خلال إنشاء الصَّرح الإمبراطوري على حساب التفكُّك القبَلي، وعلى تجاوز الطوائفي – المذهبي؛ ما جعل إبراز الفردية في العلاقات الاجتماعية أكثر صعوبةً.

جانب من الحضور

ويركّز بادي أيضًا، كما هو الحال بالنسبة إلى غولدزيهر، وماكس فيبر، على الدور الذي اضطلعت به "السلطة المحاربة" في بناء الإمبراطورية الإسلامية، وفي تحديد نموذج الحكم. ويشير إلى توتُّر آخر، في التجربة السياسية الإسلامية، بين الوجه الديني المعطى للخليفة، مقابل قبول الفقهاء من الناحية الإجرائية بسلطة الضرورة (سلطة القهر والتغلب). وهذا الأمر قد وَسَم الثقافة الإسلامية، عبر تاريخها، بالتوتر الشديد الذي يجعل نظام الضرورة (سلطان الأمر الواقع) يتواجه مع نظام الشرعية المُرتجى. فكان لهذا نتيجة رئيسة متمثّلة بتفجُّر السياسي إلى مجالين؛ هما الضرورة من جهة، والشرعية من جهة أخرى، في حين أنّ الثقافة المسيحية ساهمت في توحيدها، ممهِّدةً بذلك السبيل لجدلية العلاقة بين الحكم والمعارضة.

وفي ما يخصّ تجربة أوليفيه روا مع الإسلام السياسي، فإنّ الأستاذ الكيلاني يرى أنّها بمنزلة بحْث نقدي معمق، لا يخلو من صيغة سجاليه مع تيّار الإسلام السياسي المعاصر الذي اتخذ الإسلام دينًا وأيديولوجيا. فــروا لم يستهدف فكر هذا التيار وممارسته إلاَّ ليتقصَّى أبعد سوابقه الفكرية، ويفكِّكها، ويفنِّدها ويُظهر تهافتها وهشاشتها الفكرية. ثمّ إنه لا يقف عند المواقف السياسية الظاهرة حتى يتتبَّع أبعد أُسسها غورًا، ويتعرض خلال ذلك لانتقاد البرامج النظامية للحركة، ولتكـتيكها، ولإستراتيجيتها.

وقد رأى المحاضر الضيف، أيضًا، أنّه على الرغم من اتسام أبحاث روا بالتوتر الذهني، والانفعالي، وقوَّة العبارة، فإنه يبقى محافظًا على تماسكه وترابط حججه، وعلى الرصانة البحثية التي تضعه خارج حُمَّى الاستشراق، والنظرة الغربية المبسَّطة المألوفة، إلاَّ أنه لا يستطيع إخفاء تحيُّزه ولا سيما بعد أن كان العنف - في حدوده القصوى - أبرز مظهر للإسلام السياسي في زمن القاعدة وطالبان. إنّ روا يعرف ما يريد أن يقول، وهو يعرض رأيه من دون مداراة أكاديمية أو دبلوماسية، على الرغم من حرصه على تماسك قوله.

في الختام، دار نقاش شيِّق وثريٌّ بين المحاضر الضيف والحضور، ظهر من خلاله مدى الاهتمام الواسع بقضية العلاقة بين الإسلام والسياسة، ومدى الاختلاف في الآراء بشأن هذا الموضوع.