بدون عنوان

تواصلت أعمال اليوم الأوّل من مؤتمر "عشر سنوات على احتلال العراق: التداعيات والتأثيرات" الذي يعقده المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة يومَي 10 و11 نيسان / أبريل 2013، بعقد ثلاث جلسات تلت الجلسة الافتتاحية التي تحدّث فيها الدكتور عزمي بشارة المدير العامّ للمركز العربي، وجلسة الشهادات من واقع الحرب التي تحدّثت فيها شخصيّات عايشت سنوات احتلال العراق وكان بعضها في مناصب مسؤولية مرتبطة بالأزمة وتبعاتها.

وفي الجلسة الأولى من القسم الثاني للمؤتمر المخصّص للأوراق الأكاديميّة، حمّل الباحث العراقيّ عبد الوهّاب القصاب الرئيس الأميركي السابق جورج والكر بوش وموظّفي إدارته، وعلى رأسهم دونالد رامسفيلد، وكونداليزا رايس، وصقور المحافظين الجدد: بيرل، وفولفو فيتس، ودوغلاس فيث، وسكوتر ليبي، وغيرهم، مسؤولية ما حصل للعراق من كوارثَ على الصعد كافّة. وأضاف القصّاب في ورقته المعنونة بـ"الغزو وأطروحات المحافظين الجدد لتفتيت العراق" أنّ الوثائق المسرّبة أثبتت أنّ "السفير الأميركيّ في العراق نيغرو بونتي شكّل قوّة للمهمّات القذرة استهدفت المكوّنات العراقيّة من دون تمييز بهدف تأليب بعضها على الأخرى".

ومن جهته قال عضو "المنظّمة الدوليّة من أجل مجتمع مشارك" ديرك أدريانسنز في ورقته التي جاءت تحت عنوان: "التدمير المتعمّد للدولة في العراق"، إنّ هدف الحرب على العراق كان تدمير الدولة وتفكيكها وإقصاء النخبة العلميّة والثقافيّة العراقيّة. وأضاف أدريانسنز، والذي كان منسّق حملة "أس أو أس عراق" (SOS IRAQ) التي عملت على مناهضة الحصار المفروض على العراق في الفترة من 1990 إلى 2003، أنّ القوّات الأميركية تعمّدت تشجيع اقتحام مؤسّسات الدولة الحكوميّة، واتّخذت إجراءات تهدف إلى مسح الذاكرة الجماعيّة العراقيّة وتجريدها من الإرث المشترك ممّا جعل العراقيّين "على أنقاض مؤسّسات اجتماعية معاصرة كانت تحمي وحدة المجتمع وتماسكه، يتعرّضون للدمار جرّاء قوى الحرب الأهلية والرجعية الاجتماعية الدينية والإجرام المعمّم".


تدمير الدولة فتح المجال أمام سيادة منطق الطائفيّة

 وفي ورقته المعنونة بـ"الطائفية السياسية أداة للتدخّلات الإقليمية"، أكّد الباحث العراقيّ عبد الحسين شعبان أنّ كارثة تدمير الدولة في العراق لم تؤدِّ إلى تغذية الطائفية في العراق فحسب، بل إلى تسرّب الحالة الطائفيّة إلى سورية ومصر ولبنان أيضًا، وساهمت في تسهيل تدخّل الدول الإقليميّة والاستعماريّة في المنطقة. وأضاف شعبان أنّ سياسة التمترس الطائفي أوصلت البلاد - بعد عشر سنوات من الحرب - إلى طريقٍ مسدود بعد أن حُصدت أرواح مئات الآلاف وتهاوت هيبة الدولة، واستشرى الفساد الماليّ والإداريّ، وتواصل عمليات الإقصاء والتهميش، خصوصًا في إطار قانون المساءلة والعدالة الذي شمل عشرات الآلاف من المواطنين، ولا سيّما في وظائفهم وتقاعدهم، فضلًا عن حقوقهم المدنيّة والسياسيّة، واعتماد سياسات التجسّس على المواطنين والتي فجّرت الاحتجاجات الأخيرة في بعض مناطق العراق.

 واختتم أستاذ علم الاجتماع العراقيّ حميد الهاشمي الجلسة بتقديمه ورقة جاءت تحت عنوان: "ميكانيزمات العيش المشترك وأزمة الهويّة في العراق". وقال إنّ سياسة إعادة "بناء الأمّة" في العراق والتي رفعتها الإدارة الأميركيّة تبريرًا لغزو البلاد قد نُفِّذت بطريقة مشوّهة، وذلك من خلال إيجاد نظام للمحاصصة الطائفية، موضّحًا أنّ "طبيعة الديمقراطية الجديدة المزعومة قامت على أساس حماية الأقلّية من هيمنة الأغلبية، ولكنّها في الحقيقة كانت محاولة لتأليب أطراف على أطراف أخرى".

الحرب انتهت وتبعاتها على المجتمع مستمرّة

 في الجلسة الثانية من القسم الثاني للمؤتمر في يومه الأوّل، قدّم أستاذ في علم اجتماع التنمية العراقي عدنان ياسين مصطفى ورقة عنوانها "تحوّلات المجتمع العراقي بعد الاحتلال"، وقال إنّ المشهد الاجتماعي في العراق شهد ازديادًا في ظواهر التهجير القسري، واليتم والترمّل والتشرّد والتفكّك الأسري، والفساد المالي والإداري، وارتفاع معدّلات البطالة، والإعاقة البدنيّة والعقليّة، وارتفاع شديد في ظاهرة العشوائيات الحضريّة.

 وأضاف أنّ أزمات كبيرة لم يألفها المجتمع العراقيّ برزت أهمّها الإرهاب والصراعات الطائفية، وعدم احترام القانون، والجريمة المنظّمة والاستغلال الجنسي وتعاطي المخدّرات والمتاجرة بالجسد والتسرّب المدرسي والهجرة الكثيفة من الريف إلى المدينة بسبب إهمال الزراعة وعمالة الأطفال.

 من جهته قال رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين عبد الحكيم خسرو في ورقة قدّمها إلى المؤتمر بعنوان "الغزو الأميركي والقضيّة الكرديّة في العراق" إنّ إحدى السياسات التي برزت وترسّخت خلال عشر سنوات منذ احتلال العراق هي محاولات تأجيج صراع عربيّ - كرديّ ولأوّل مرّة منذ تأسيس الدولة العراقيّة عام 1921 وهي طريقة لإدارة النزاعات وتسهيل السيطرة.

 وأضاف خسرو أنّ الحكومة العراقيّة تستخدم قضيّة المناطق المتنازع عليها ورقة ضغط على إقليم كردستان وعلى الكتل السياسية السنّية، وقد وصل إلى درجة تأجيج الصراع العربيّ - الكرديّ وإشارة قيادات كتلة دولة القانون إليها علانية مع أنّ الأحزاب السياسية الكردستانيّة لم تشر لا في بياناتها، ولا في سياساتها، إلى مسؤولية المواطنين العرب عن أحداث الأنفال وحلبجة، والتهجير، ومحاولات تعريب الشعب الكردي، حتّى لا يؤدّي ذلك إلى احتقانات قوميّة.

 وفي ورقته التي جاءت تحت عنوان "العمليّة السياسية العراقيّة - معالم أزمة عصيّة على الحلّ"، قال رئيس حزب الوسط الديمقراطي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة بغداد حسن البزاز، إنّ أبرز نتائج حرب العراق كانت شيوع روح العنف والإقصاء والإيغال في العداء حتّى وصلت إلى التصفية والإبعاد السياسي المتواصل وبناء أجهزة الدولة على أسسٍ طائفيّة. وأضاف البزاز أنّ كلّ ذلك قاد إلى إرهاب السلطة الديكتاتورية ومحاصرتها للعمل السياسي الديمقراطي المعارض، وما أفرزه من ابتعاد الأجيال الجديدة عن معرفة الفكر السياسي الديمقراطي ومضامينه الإنسانية.

 وتناول رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا صباح المختار وضع أزمة المؤسّسة القضائية في العراق بعد غزوه عام 2003، وذلك في ورقة جاءت تحت عنوان: "القضاء العراقيّ - عشر سنوات بعد الاحتلال". وقال إنّ أزمة المؤسّسة القضائية العراقيّة تنبع من عدم شرعية التشريعات والقرارات الأميركيّة عقب الاحتلال، وتعمّد قوّات الاحتلال السماح بتدمير الهيكلية القضائية، وعزل القضاة العراقيّين وإعادة هيئات المحاكم بالمعايير الطائفية. وأضاف أنَّ نتيجة كلّ هذا كانت افتقاد القضاء العراقيّ المشروعيّة والمهنيّة والحياد والاستقلال نتيجة تغوّل السلطة التنفيذيّة وتدخّلها في تشكيله، خاصّةً بعد أن أُعيدت هندسة الشرطة والأجهزة الأمنيّة على أسسٍ طائفيّة.

 وفي الجلسة الثالثة من الجلسات الأكاديمية التي جرت في اليوم الأوّل من المؤتمر (الأربعاء 10 نيسان / أبريل)، تحدّث جوزيه ديلبرادو، الدبلوماسي الدولي المختصّ في مجال النزاعات المسلّحة وحقوق الإنسان، والذي سبق أن شغل منصب رئيس مجموعة العمل حول المرتزقة التابعة لمجلس الأمن، عن "دور الشركات الأمنيّة العالمية في الإخلال بالأمن العراقي" بعد الاحتلال. وقدّمت هيفاء زنكنة ورقة عنوانها "معتقلات العراق الجديد: سيرورة تجريد العنف من مفهومه الجنسوي"، فيما تناول ناجي حرج موضوع "الحقّ في طلب التعويضات"، وقدّم حسن أبو هنية ورقة بعنوان "المنظّمات والفاعلون الخارجيّون: القاعدة والميليشيات المسندة من الخارج".