بدون عنوان

 

افتتاح الندوة الدكتور عزمي بشارة والدكتور فارس بريزات في خضم الأحداث الجارية في تونس، وعلى وقع خطى الثائرين هناك، عقد "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ثاني ندواته الفكرية بهدف فهم أعمق لأبعاد ما حدث في تونس، وإمكانيات تأسيسه لمستقبل جديد، ومحاولة استقراء ملامح هذا المستقبل، وانعكاساته على الوطن العربي، وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين التونسيين، الذين حضروا خصيصا من تونس- ليوم واحد- وذلك لأهمية الحدث، وهي أول ندوة علمية فكرية حول "الثورة الشعبية في تونس".
 

 

وفي تقديمه للندوة، حدد الدكتور عزمي بشارة، مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، مجموعة من الملامح العامة لوصف ما حدث في تونس، وقد جزم أولا أنها "ثورة شعبية"، لإتصافها بالشمولية، و الديمومة، ولأنها تحولت إلى طرح أسئلة حول طبيعة النظام كله.

كما أكد أن للثورة جذورا عدة، ومن بينها ما كان من إنتاج النظام التونسي نفسه، فنسبة التعليم المرتفعة كانت عاملا مؤثرا في وعي المجتمع، وللتقارب الثقافي الموجود بين أفراد الشعب التونسي الذي حمى الثورة من التحول إلى صراعات طائفية، بدل التركيز على إسقاط النظام السابق، ويضاف إلى ذلك كله أن تاريخ التونسيين في العمل النقابي جد عريق، ولهم حركة معارضة متمرسة في الميدان، وتجد منطلقاتها التأسيسية، في كامل هذه العوامل مجتمعة ومتراكمة ومتضامنة.

وانتقل بشارة إلى قراءة بعض المؤشرات التي أطلقتها الثورة، وأولها أنها لم تلجأ للعنف، بما يعني إمكانية أن تتفق أحزاب تونس المحظورة، وغير المحظورة على قواعد اللعبة في المرحلة المقبلة، دون أن يكون العنف أحدها، وفي المقام الثاني فقد أطلقت الثورة موجات من الخوف ارعبت الأنظمة العربية التي تخشى تكرارها، وعليه فلا يمكن استبعاد أن تعمل هذه الأنظمة على إفشالها، وهو ما يتطلب تضامنا عربيا شعبيا لإنجاحها.

 وثالثا أن الثورة بينت أن التغيير في العالم العربي ممكن، وإذا كانت للشعب التونسي عبقريته الخاصة التي تجلت في تفرد تحركه باتجاه إزالة النظام السابق، فإن لكل شعب عربي خصوصياته التي تفرض تحركات يحترمها ويتفاعل في إطارها، وإمكانيات التغيير جد محتملة، في ظل تردي الوضع العربي لدرجة نشوء "أسر حاكمة"، في أنظمة جمهورية، وانتقال عمليات التوريث من توريث الأشخاص، إلى توريث النخب: (الأمن، رجال الأعمال، الأسر الحاكمة..الخ.)

كما رأى الدكتور أن الانتقال لمرحلة الديمقراطية، يتطلب توفر عاملي تشخيص ومراكمة التجربة ثم الموقف الأخلاقي المسؤول وطنياً، والذي يسهل عملية الإنتقال بالإتفاق على قواعد اللعبة في النظام العقدوي الممثل، ويأتي بعد مرحلة من الفوضى يطفو فيها الانتهازيون للسطح.

وقبل توجيـه الكلمة للباحثين المشاركين في الجلسة الأولى، والمخصصة لفهم أدق لما حدث في تونس، أشار منسق الــندوة الدكتور فارس بريزات، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إلى أن ثورة الشعب في تونس تؤرخ لبداية عهد جديد في الوطن العربي، وتعتبر حدث حاسم، لأن انتفاضة التونسيين ساهمت في تقديم إجابة واضحة على سؤال لطالما طرحه الكثيرون، وهو: هل يمكن للشارع العربي أن يتحرك؟حيث أجابت "ثورة الشعب التونسي"، بنعم على هذا السؤال، لكنهم تركوا لنا العديد من نقاط الإستفهام التي نحن بحاجة للإجابة عنها. واختتم الدكتور فارس كلمته بطرح السؤال الملح، هل سقط الرئيس؟ أم النظام؟

السحباني: بن علي أسقط نفسه عندما احتكر الدولة والمجتمع

عبد الستار السحبانيحاول الدكتور عبد الستار السحباني، الأستاذ في "جامعة تونس"، الإجابة عن السؤال الرئيسي من سقط، هل هو النظام؟ أو الرئيس؟ ورأى أن الذي حدث هو "إسقاط الرئيس لنفسه"، وذلك بناءً على عوامل عدة، وبينها أنه قد احتكر "الدولة"، و"المجتمع" في نموذج مغاير لنموذج سلفه الذي احتكر "الدولة، والمجتمع"، والفرق بين النموذجين، أن نموذج بن علي قد كان احتكارا خالصا لكل هياكل الدولة، وتغييبا لمنافذ التنفيس ما وضع الأساس الصلب للثورة، ويضاف إلى ذلك طبيعة البناء السياسي التونسي الذي يمثل هرما يقف بن علي على رأسه محكما قبضته عليه بصفة تجعل الحلقات المرتبطة به تتداعى بسقوطه تدريجيا، مرحلة تحددها أوضاع الثورة وطريقة تفاعلها.

كما أكد السحباني أن بن علي سقط نتيجة لأسباب جوهرية أربعة، أولها برأيه هو عدم قدرته على تجدد خطابه منذ تسلمه إياه عام 1987، ويليه عدم امتلاكه لإيديولوجيا واضحة، وتأسُّسِهِ على مشروع مجتمع شعبوي يقوم على ( التضامن) ليتحول هذا المفهوم إلى أحد آليات الابتزاز المؤسساتي والسياسي، وفي المرتبة الثالثة تغييب الطبقة الوسطى، حيث بدأت الأحداث في المناطق التي لا يوجد فيها طبقة وسطى. كما أن الأحياء الشعبية التي تحركت كانت نسبة تواجد الطبقة الوسطى فيها ضعيفة.

 وبالتالي شكل غيابها عاملا هاما في تطور الأحداث في تونس، وآخر الأسباب هو أن بن علي لم يمكّن الطبقة السياسية من التجدد، سواءًا على مستوى كوادر نظامه، أو حتى لحركات وأحزاب المعارضة، التي حافظت على قياداتها توافقا مع النهج الاحتكاري في السياسة، وعلى النقيض من ذلك فإن المرحلة المقبلة ستشهد إنهاءًا للاحتكار وستقود إلى الديمقراطية باعتبار أن الحراك السابق لم يشمل هذا التجديد.

لطفي زيتون: الأرياف التونسية هي التي صنعت الفارق وأنجحت الثورة

لطفي زيتون لفت الباحث لطفي زيتون، القيادي السابق في "حركة النهضة"، إلى أهمية التجربة التاريخية المتراكمة في أعماق الذات التونسية، ليستقرئ منها المعطيات التي أسّست للصورة الحالية، ورأى أن النتيجة المستخلصة من مقارنة الانتفاضات السابقة هي أن الثورة الحالية قد نجحت لأنها انطلقت من الريف على عكس الانتفاضات السابقة التي كان منطلقها المدينة والتي زالت قدرتها على الاستمرار سريعا، وذلك توافقا مع التاريخ التونسي الذي يشهد أنه كلما استلم الريف زمام الثورة، جاء بنتائج عملية على عكس المدينة، فانتفاضة 1864 كانت مقدمتها في ديسمبر عام 1857، عندما حاصرت الأساطيل الأجنبية وفرضت على الباي ( عهد الأمان)، وتم كتابة الدستور الإجباري لتونس في ليلة واحدة، وقد أثارت هذه المقولة (حول عهد الأمان التونسي)، ردودا غير موافقة من قبل الباحثين، وقد كان (عهد الأمان) مشابها للشراكة الأوروبية في الظروف الراهنة، و أدى إلى أزمة صناعية خانقة أسهمت في رفع الأسعار، واضطر الناس إلى إحراق محاصيلهم كما أحرق بوعزيزية نفسه، وبناء على ذلك وغيره فإن "السبب الرئيس لنجاح الثورة الحالية هو انطلاقها من الأرياف، بأعداد كبيرة، من أصحاب الشهادات التي عبرت عن احتجاجاتها في أدوات إعلامية عملاقة"، حسبما أكد المتحدث الذي رسم سيناريو الأحداث بقوله: "بعد أن تخمرت الثورة في الأرياف تحركت المدن، ومن صفاقس رفع أول شعار سياسي خالص ينادي بـ(رحيل بن علي)، وعلى إثر ذلك التقطت الحركات السياسية (الاتحاد العام للشغل - نقابة المحامين) الثورة، ومن بعدها الأحزاب السياسية التي رتبت مطالبها والتي تكللت بالمطالبة برحيل التجمع الدستوري".

 مهدي مبروك: للشعب التونسي ذاكرة احتجاجية

مهدي مبروك وفي ثاني جلسات الندوة كان الموعد مع تشريح الأوضاع الإقتصادية، والإجتماعية لتونس، وترأس الدكتور عبد الوهاب القصاب، باحث مشارك- منسق البرنامج الاستراتيجي بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الجلسة وتحدث فيها ثلاثة باحثين: هم مهدي مبروك، ومحمد النوري، وشوقي الطبيب.

واعتبر مهدي مبروك، الأستاذ بقسم علم الاجتماع في "جامعة تونس"، أن الثورة كانت مفاجئة في نقطتين، أولهما عدم الإعداد لإيديولوجيات جاهزة تسيطر على عقول المجتمع التونسي، فلم يكن هنالك أية ملامح إيديولوجية في الثورة، وثانيهما فحقيقة أنه لا يوجد قادة ولا زعامة تفرض نفسها على الثورة كديكتاتورية جديدة.

 وفي المضمون الاجتماعي للمنطقة التي حركت الثورة التونسية فإن مبروك لاحظ أن سيدي بوزيد تقع في منطقة محورية، تحدها 6 ولايات تمثل 4.6 % من مساحة تونس، وتغطي الأراضي الزراعية 64% من مساحتها، وقد بلغ عدد سكانها حسب إحصاء عام 2004، أزيد من 395 ألف ساكن، أما في 2007 فارتفع الرقم إلى 400 ألف ساكن، ويهيمن الطابع الفلاحي على الولاية التي تتميز بمناخ صعب، وتفتقر إلى المناطق العمرانية، أي أن الولاية أقل تحضراً وأيضا الأقل نيلا للاهتمام، باعتبار أن كافة المناطق الداخلية التونسية تنال ما نسبته 16.8% من الميزانية التنموية بينما تنال مناطق الشريط الساحلي ما نسبته 82.2 %، وعطفا على هذا تسجل سيدي بوزيد أدنى مستوى معيشي بتونس، حيث يعمل 75.5% من سكانها في الزراعة التي لا توجد بهل عائدات كبيرة، ولكنها في نفس الوقت تتميز بأدنى مستوى بطالة أي 9.5%، كما تتميز المنطقة بوحدة العائلة والترابط الأسري الذي كان له دوراً بلا شك في استمرار الاحتجاجات.

وركز الباحث على هذه النقطة، وهي أن بدايات الثورة انطلقت من مناطق ذات طابع فلاحي، بعكس انتفاضة الخبز 1984 التي كانت قواها الأساسية مدنية، كما أكد أن هناك احتجاجات هامة جداً شهدتها تونس، و منها الاحتجاجات الشبابية وخاصة في الملاعب, وأن بداية الاحتجاجات بالأصل انطلقت من الملاعب.

 ويرى الباحث أن النظام السياسي فقد أي رابط مع المجتمع من خلال قمع الحريات والصحافة واضطهاد حقوق الإنسان, وكانت تهم الإرهاب والخيانة هي الحجة لقمع الحريات والمطالب. وواجه النظام هذا الغياب بقوة للبحث عن بديل ولكنه لم يجد، وتزامن ذلك مع تفاقم مشكلة خريجي الجامعات ودخولهم إلى سوق البطالة منذ أواخر التسعينات، واندلعت الأحداث بعد حالات الانتحار بسبب الهشاشة الاقتصادية وانتشار "الاحتجاج الاقتصادي". وعالج الباحث في مداخلته مسألة الانتحار التي تحتاج إلى دراسة معمقة مع تحول النسيج الاجتماعي إلى مخزون قد يساهم في تدمير الدول.

محمد النوري: الفساد والتنمية المختلة، بيئة الثورة

محمد النوريإذا كانت العوامل الاجتماعية سهلة لتفسير التحول في تونس, فإن العوامل الاقتصادية صعبة بحكم الصورة البراقة التي رُوِّجَت للاقتصاد التونسي، وهنا فإن الباحث محمد النوري، أستاذ الاقتصاد الإسلامي والمالية الإسلامية بـ"المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية- باريس"، قد سعى لقراءة تلك العوامل, والتي لخصها في ثلاثية أساسية ( البطالة - الفساد - التنمية المختلة).

وعرَّج الباحث سريعاً على البطالة، لأن خطورة البطالة على المجتمعات وخاصة بين الشباب والمتعلمين، أما الفساد المالي فقال أنه لطالما ارتبط بالعائلة الحاكمة، ولكن نسبته زادت في الفترة الأخيرة، وقد كشفت "ويكليكس"، وثائق خطيرة تظهر مدى الفساد المالي للعائلة الحاكمة.

إذ أن فضائح الفساد المتتالية أخافت المستثمرين وأشعرتهم بعدم الثقة في الجو الاستثماري التونسي، وفي المرتبة الثالثة يأتي عامل التنمية المختلة حيث كان الوضع التونسي في صدارة التقارير الدولية, وتحتل به تونس مرتبة متقدمة على صعيد الدول العربية والإفريقية في التنمية. ورأى الباحث أن أنه هناك فعلاً إنجازات، لكن المشكلة تكمن في المنوال التنموي الذي استنفذ أغراضه وأصبح له دور عكسي، وأصبح هناك تنمية لكنها مختلة اجتماعياً وجهوياً.

 حيث أن تونس ركزت على القطاعات الهشة مثل الخدمات والسياحة، وتحولت نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد التونسي من 54% إلى 16% في الدخل الوطني. كما أصبحت القطاعات الصناعية تمثل 36%، والخدمات 48%، والسياحة والخدمات هي قطاعات لا توفر فرص عمل هيكلية ولا مستمرة, ولا تلبي احتياجات المجتمع. وأدى ذلك إلى عدم التوازن بين القطاعات وعدم التوازن بين الطبقات وذوبان الطبقة الوسطى.

شوقي الطبيب: النقابة كانت بديلا لأحزاب المعارضة أيام القمع

شوقي الطبيب وفي قراءته للجوانب الحزبية والحقوقية للثورة رأى المحامي والباحث شوقي الطيب، أن تونس بلد صغير له تاريخ طويل, فالدولة المركزية موجودة منذ 3 آلاف سنة، أي منذ قيام قرطاج, وهذا كان له انعكاسات وتراكمات عديدة، وترتب عنه وجود احترام للسلطة المركزية, وقد يفسر هذا عدم قيام الثورة ضد الدولة لفترة طويلة، وقد كان لبورقيبة برنامجا لتحديث البلاد وتم تحذيره من تعليم الشعب التونسي لكنه خصص 30% من موارد الميزانية للتعليم، على الرغم من استبداده.

ويؤكد الباحث أن استمرار الظلم والقمع دفع النخب السياسية إلى الانضمام إلى الاتحادات والنقابات العمالية, وأصبحت المعارضة تمارس دورها من خلال هذه النقابات، فالاتحادات تعج بالإسلاميين والماركسيين والليبراليين، وبرغم أن الاتحاد العام للشغل تنخره البيروقراطية ويتعامل قسم منه مع السلطة، فإن هناك قسما آخر على مستوى الطبقات المتوسطة، حافظ على هذه الخصوصية، كما وقفت هيئة المحامين وجمعية حقوق الإنسان مع المحتجين، ودعت للدفاع عن حقوق المتظاهرين.

 وأكد الباحث بأن الاحتجاج تحول إلى ثورة لها مطالب بخلع الرئيس وبإسقاط الحكومة و إعلان دستور جديد، وهي ثورة لم يكن لها مجلس "قيادة ثورة" أو زعامات كاريزماتية. لكن الانترنت والشبكة الاجتماعية، لعبوا دوراً مهماً في نجاح الثورة. وبناءً على ذلك تساءل الطبيب : هل ما زلنا بحاجة إلى أحزاب سياسية خصوصاً بعدما تبين أنه بإمكان الشعب أن يفرض أجندته من دونها؟

وفي الجلسة النقاشية التي تلت الجلسة تساءل بعض المتدخلين عن الحاجة إلى الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في ظل اتجاه الشباب نحو الشبكة الاجتماعية؟ وتم التساؤل أيضاً عن دور القطاع الخاص في تونس, ومسؤولية بن علي عن الفقر في سيدي بو زيد؟ وتم طرح تساؤل بخصوص دور الاتحاد الوطني لطلبة تونس، وهل هناك احتمال إفلاس الدولة التونسية والسير على خطا اليونان؟

 وفي معرض ردهم قال الباحثون أنهم لا ينكرون الإنجازات الاقتصادية التي تمت في تونس بفعل جهود كل التونسيين. وأكدوا أن تونس لولا الفساد والاستبداد لكان مستواها الاقتصادي كماليزيا والهند.أما عن احتمال انهيار الاقتصاد التونسي فجاء التأكيد على أن ذلك مستبعد، قد يتعرض لهزات على المدى القصير، ولكنه على المستوى البعيد سيحقق تقدماً كبيراً بسبب الحرية الاقتصادية وإيقاف النهب والسلب. 

البحث عن مستقبل ديمقراطي لتونس

محسن مرزوقوخصصت الجلسة الثالثة لسؤال "مستقبل الديمقراطية في تونس"، وترأسها الدكتور محمد المسفر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر، وكان أول المتدخلين الدكتور محسن مرزوق، الأمين العام لـ"لمؤسسة العربية للديمقراطية"، والمتخصص بشؤون التحول الديمقراطي في الوطن العربي، و"مؤسس مركز الكواكبي للدراسات في تونس"، والذي كان حديثه متمحوراً حول سؤال: هل تتجه تونس إلى الديمقراطية؟

واعتبر مرزوق أن ما حدث في تونس، هو ثورة انتقلت من الاحتجاج الاجتماعي لتصل إلى الحيز السياسي. كما أوضح أن ميزة هذه الحركة الشعبية تكمن في أنها كانت متقدمة على القوى السياسية الموجودة في الساحة. وبين أن القوى الديمقراطية الحالية، لا تمتلك أجندة وليس لديها استعدادات لهذا التحول الديمقراطي. وأوضح مرزوق أن هنالك فشلاً سياسياً يظهر في تباين "الفرقاء السياسيين" وتنافرهم، لذا فهناك حاجة إلى إعادة بناء للتشكيل السياسي في تونس.

 بعد ذلك انتقل مرزوق للحديث عن المكاسب التي تحققت من هذه الثورة، مثل حرية الإعلام، والإعداد لانتخابات تشريعية جديدة. كما بين أن هناك حاجة ملحة إلى تقديم وثيقة ضمانات للمرحلة الحالية تتمثل في 6 أو 7 ملامح أساسية لابد من ملاحظتها ووضعها كمحددات للجميع من أجل منح بعض الثقة في هذه المرحلة الانتقالية. 

 الجورشي: اندفاع جماهيري وتأطير حزبي ضعيف

صلاح الدين الجورشيوحاول الكاتب، والصحفي، مدير "مركز الجاحظ في تونس"، صلاح الدين الجورشي، خبير الشؤون الإسلامية، والذي تحدث عن الخارطة الحزبية والسياسية في تونس. تبيان الخطر الموجود حالياً في الحالة التونسية، وهو وجود اندفاع حركي جماهيري، بينما هنالك من جهة أخرى "بنية ضعيفة" للأحزاب السياسية، وهي في المجمل أحزاب غير مستعدة لاحتواء ما يجري حالياً.

 وأبرز الجورشي تراكم التجربة التونسية ما أدى إلى وصول الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم، ومن هذه التجربة، أزمة اليسار في الستينات والسبعينات، بالإضافة إلى المخاض الصعب الذي عاشته الحركة الإسلامية في تونس، وتبعات انتقالها من التجربة الدعوية، إلى الممارسة السياسية.

وما ساهم في اضعاف الأحزاب هو هيمنة بن علي عليها، وقمعه لأخرى معارضة له. وختم الجورشي مداخلته بالتشديد على أهمية المحافظة على الدستور رغم الثغرات التي تبدو فيه، وأيضا المحافظة على المؤسسات، والقبول بعملية تسوية سياسية. كما يجب الحذر من الاندفاع الشعبي غير المؤطر، ومن تفكك المؤسسات، وتدخل الجيش، وتراجع الاقتصاد في ظل الأزمة.

العيدودي: لا بد من إصلاحات قانونية

المختار العيدوديتحدث الناشر الحقوقي، المختار العيدودي عن الإصلاحات القانونية المطلوبة، وأوضح أن منها ما يدور في الحيز الاجتماعي مثل توفير لقمة العيش، وضرورة سن تشريعات تتعلق بتنقيح قوانين الشغل، وأخرى قانونية تتعلق بضمان استقلالية القضاء، وحرية الصحافة وحرية التعبير، ورأى أن هذه الإصلاحات يجدر أن تنطلق في سيرها حتى تكون للثورة التونسية إطارها الأشمل وفضاءها الجديد الذي تتحرك فيه، مؤسسة لميلاد مجتمع سياسي متجدد وقادر على الأخذ بها نحو الديمقراطية.  

الجلسة الختامية: انعكاسات ثورة تونس على الوطن العربي 

أشار الدكتور عزمي بشارة الذي ترأس الجلسة الرابعة والختامية من ندوة "ثورة الشعب في تونس: أسبابها ونتائجها وإنعكاساتها على الساحة العربية"، في مستهل مداخلته، أنه من المهم عقد ندوة أخرى موازية لندوة الدوحة، التي بادر إليها المركز في العاصمة "تونس"، لأن ذلك أفيد للباحث وللدارس للحالة التونسية، فأهل البلد هم أحسن من يعبر عن الوضع العام هناك، و هم من بإمكانه أن يشخص تطور الأحداث التي تسجل منحى متسارعا جدا. وحاولت الجلسة التي شارك فيها كل من العربي الصديقي، وحسن بن حسن، وعزالدين عبدالمولى، وزياد كريشان الإحاطة بكافة جوانب الثورة التونسية وتحديد ما إن كانت تحمل بذور الإستمرار، ونقل ثمارها للدول العربية الأخرى.

العربي الصديقي: "العالم العربي ليس له مخزون يسمح بحدوث عملية تحول ديمقراطي"

العربي الصديقيوقدم الأستاذ التونسي في "جامعة اكستر" البريطانية، العربي الصديقي الذي عالج في ورقته: "جدلية تونس، ونظريات التحول الديمقراطي"، مقاربة نظرية حول إشكالية "الديمقراطية" في الوطن العربي، محاولا توضيح المفاهيم الأساسية في موضوع "التحول الإجتماعي"، وشرح معنى "الدمقرطة"، الذي أصبح يتداول على نطاق واسع هذه الأيام، وهذا انطلاقا مما حدث في تونس. وشدد على أن الكثيرين يقومون باستخدام تلك التوصيفات بشكل سيء، و ذلك بعد أن تم تسطيح الكثير من المفاهيم الإجتماعية.

وركز الصديقي في توضيح مقاربته على شرح مفهوم "الثورة"، التي تعني برأيه التغيير، وهذا اعتمادا على وصف المدرسة الفرنسية، مضيفا أن المشهد التونسي يقدم للباحث المتخصص مادة خاما تسمح له بإجراء بحوث أكثر عمقا ودقة. وقال أن الدارسين والمهتمين متعطشون لمادة علمية من الداخل تساعدهم على اعتماد نظريات تغيير واقعية، وهذا من خلال التركيز على خصوصية وطبيعة البلد و أوضاع دول المنطقة عموما، مشيرا إلى أن الديمقراطية هي وليدة البيئة المحلية.

 وبعد استعراضه لهذا المدخل النظري حاول إسقاط ذلك على موضوع ندوة المركز حول ثورة تونس من خلال تشريح خصوصيتها، مستخدما مفهوم عبد الرحمن بن خلدون حول "العصبية"، التي وصفها بالديمقراطية، والتي لا تقصي العصبيات الأخرى.

 وأكد الصديقي على ضرورة تشريح الحدث التونسي من جميع أبعاده، وهذا من خلال عدة مداخل أولها البوابة الدستورية، حيث أن الدستور التونسي يعد من أعرق الدساتير في الوطن العربي ويعود إلى القرن التاسع عشر . ثم البوابة النقابية حيث أسست طلائع النقابيين التونسيين أول نقابة في 1902، و التي قادها رموز النضال النقابي مثل فرحات حشاد، وحبيب عاشور، وهناك أيضا مخزون معرفي مهم جدا. وأعتبر أنه هناك تحديات عديدة تواجه التونسيين لحماية مكتسباتهم والعمل دون وئد تجربتهم وهذا من خلال الاستفادة من التجارب الأخرى الناجحة، على غرار تجربة اسبانيا "التعاقدية"، و تجربة جنوب افريقيا "المصارحية".

حسن بن حسن: هل ستنتقل الثورة إلى العرب؟

حسن بن حسنحاول الدكتور حسن بن حسن، المستشار في"جامعة قطر لشؤون البحث العلمي"، في مستهل مداخلته تحديد اسقاطات الأحداث الأخيرة في تونس على دول الوطن العربي، مشيرا إلى أنه يعتبر حدث كبير، وهو يملك قوة الإفتتاح المبنى على قوة الإختزان، التي تستند على الإنتصارات.

 وأضاف أن الحدث يملك قوة التوجيه لأنه ما من أحد كان يدرك كل البواعث التي قادت المسار، خصوصا وأنه اذا تم الإعتماد على مبدأ الإسقاط في العلوم الإنسانية على أحداث تونس، يتأكد للجميع أنه ليست الأوضاع الإجتماعية من حرك الناس أو قاد المواجهة.

ونفى الباحث ما يتردد على أن أحداث تونس مجردة من مطالب عميقة وتسميتها فقط، بـ"ثورة الخبز"، واعتبر ذلك إجحافا في حقها، لانه من اللازم النظر إليها من عدة اعتبارات، منها انجازات الشارع وامتحان النخبة، وبالنظر إلى منسوب الشرعية للأنظمة العربية وقدرتها على المواجهة، خصوصا وأن الحدث مفتوح على احتمالات عدة، وهذا لكون الشارع أصبح الآن واثق من انجازاته وتحرره من القدرية التاريخية، واكتشافه لقوته، وتأكده من ضعف الديكتاتور، حيث أدى ذلك إلى تقليص الحدود بين الممكن و المستحيل.

 وأشار إلى أن سقوط النموذج السياسي القائم على "سلطة البوليس"، و"لغة الخشب"، وميلاد مجتمع مدني جديد، سيفتح صفحة جديدة في المستقبل، خصوصا وان الإعلام كان له دورا حاسما في الإنتصار وهو ما شكل ظهور أشكال جديدة من المبادرات الثورية بينت أن التغيير مسألة مجتمع وكل من راهن على النخبة في الوطن العربي فشل.

 واعتبر أن الإشتراك في البؤس الإجتماعي وتشابه الأوضاع التاريخية و السياسية ووحدة التكوين الثقافي، وبوجود قنوات لانتقال "المخيال" السياسي العربي والذي استند على الإخفاقات السياسية أمور من شأنها أن تساهم في عملية الإنتقال للثورة من تونس إلى دول أخرى، خصوصا وأن الشعب نجح في مساره وعلى النخبة الآن أن تسلك نفس المسعى، وهي مطالبة بتوحيد الصفوف لتجاوز خلافاتها وتقسيماتها، وهذا ما يضعها حاليا أمام لحظة مفصلية إما أن تنتهي إلى ديمقراطية أو تكون مجرد ديكور.

عبد المولى: كيف تتوسع حركة إحتجاج إلى إسقاط الحكم؟

عبد المولىأشار الباحث المتخصص في شؤون الإعلام الحديث عز الدين عبد المولى في مداخلته حول دور الإعلام في ما حدث في تونس، إلى أنه لم يحن بعد الوقت، لتعداد إنجازات الثورة، لكن من الملح التأكيد على ما حققته من تقدم في الميدان. ووصف ما حدث بأنه ثورة شعبية والتعامل معها دون ذلك هو إجحاف بحقها، ولا يساعد على فهم الأمور بشكل دقيق لأنها ليست احتجاجات إجتماعية، أو ثورة خبز، بل ثورة حقيقية بأتم معنى الكلمة مشددا على ضرورة تصنيفها ضمن الثورات الكبرى، مثلها مثل الثورة الفرنسية، أو ثورة 1917 في روسيا، أو الثورة الإيرانية سنة 1979.

وأشار إلى أن ثورة تونس كانت من دون قيادة محددة، ولم تكن زعامة معينة، لكن كانت هناك قيادات عدة انضوت تحت راية الجميع، معتبراً أنه إذا كان لكل ثورة ظروفها، وسياقها العام، فخصوصية ثورة تونس أنها تنبع من واقعها الخاص، وتتميز بكونها وقعت في عصر طفرة الإعلام. وفي هذا المحور حاول الانعطاف على توضيح المقاربة التحديثية التي كان لها دور أساسي، وتتمثل في النمو الإقتصادي الذي حدث في البلد و الذي يقع في قلب هذا الحراك، حيث تضاف لها مسارات تحول بنية الدولة، و التي تعتمد على دور النخب في مرحلة الإنتقال.

 و أكد عبد المولى أن الإعلام لعب دورا رئيسا خصوصا "الإعلام الجديد"، الذي كسر الإحتكار، وفتح آفاق جديدة وهو ما أدى إلى عدم قدرة الدولة على ضبط المعلومات المتداولة في حدودها، ولم تعد السيادة تعني أمرا واضحا في ظل الطفرة الإعلامية الحاصلة، خصوصا وأنه لا يمكن محاصرة التدفق الحاصل، أو التضييق عليه.

وأضاف في هذا الخصوص أن الإعلام الجديد ديمقراطي في معناه العام لانه يوجد تفاعل كبير بين المتلقي والمرسل، واستعان للتدليل على مقولته ببعض الإحصاءات التي تشير إلى وجود 2 مليون مشترك في الفايسبوك في تونس التي تحتل المرتبة الأولى في العالم العربي مقارنة بعدد السكان، و الفئات العمرية التي تشكل هذا الرقم 70% منها تتراح أعمارهم بين 18 إلى 34 سنة.

زياد كريشان: نجاح ثورة تونس سيحولها لنموذج للدول العربية

من جانبه أشار الاعلامي والباحث زياد كريشان في ذات المحور المتعلق بدور الإعلام في ثورة تونس إلى أن هذه الأخيرة، تخرج عن سياقها التاريخي وليست بمنطق الثورات السابقة لأنها وقعت في زمن الإنترنت وكان من الصعب تحقيقها لو خرجت عن هذا السياق.

 وأشار إلى أنه هناك لحظات مفصلية في كرونولوجيا ما حدث، أهمها احراق الشاب بوعزيزي لنفسه حيث وصلت الصورة لجميع الناس في نفس اللحظة بسبب الانترنت وأحدثت انقلابا كبيرا، وأشعرت الجميع بالخزي.

 وأكد على أن الإعلام التونسي اكتسب حريته الآن وهو مطالب بلعب دور الوسيط النزيه في المرحلة المقبلة.لأنه لو تنجح ثورة تونس وتكمل مسيرتها حتى الآخر، سوف تكرس نموذجا يحتذى به للدول الأخرى.

الختام

عزمي بشارة: ماجرى في تونس قد ينتقل لدول أخرى

عزمي بشارةوفي ختام الندوة أشار الدكتور عزمي بشارة إلى ضرورة تفادي إطلاق أحكام تعميمية على ما حدث في تونس خصوصا حين وصف البعض الحدث بثورة الخبز، أو تسميتها بثورة الفايسبوك مثلما تحاول جهات تقزيمها إلى هذا المستوى، مؤكدا أن هذه الشبكات الإجتماعية كان لها دور قد يكون كبيرا، لكنها ليست العامل الأساسي والمحرك الرئيسي للشعب التونسي، فهي موجودة أيضاً في دول أخرى. المهم هو تشابك هذه العوامل العامة مع الخصوصية التونسية. ونبه إلى عدم "أسطرة الأمور"، بما فيها أسطرة دور الشبكات الاجتماعية على أهميته.

وركز على أن المناقشات التي فتحت حول ثورة تونس تعتبر من المحاولات الرائدة والأولى في الوطن العربي التي حاولت فهم ما يحدث في هذا البلد الشقيق، مضيفا أن المركز لم يشأ أن يقف مكتوف الأيدي أو يظل في موقف المتفرج مما يحدث، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالقضايا الكبرى التي تتعلق بمسائل الحرية. كما أكد أن المركز غير مطالب أن يكون محايدا في مثل هذه المواضيع، لكن يتوجب عليه فقط أن يكون موضوعيا، وهناك فرق بين الحياد و الموضوعية في القضايا الرئيسة و الكبرى للوطن العربي.

 والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يرى أنه الوقت المناسب للتحرك وبسرعة لكشف حقائق الثورة التونسية، والبحث عن فهم أدق وأعمق لما حدث وما سيحدث في المستقبل لأنه ليس بالإمكان الإحاطة بجميع حيثيات الثورة التونسية إن لم يصاحب ذلك فهم أشمل للجوانب العامة والجوهرية للمسألة، وهذا انطلاقا من تحديد خصوصية الظاهرة.

وعند الإجابة على الكثير من الأسئلة المتعلقة بالموضوع يفهم التونسيون لماذا حدث ذلك الآن؟ واعتبر الدكتور أن ما جرى في تونس قد ينتقل يوما ما إلى مناطق أخرى، لأن نفس الأسباب عموما موجودة في أكثر من مكان، وثورة تونس قد تساهم في حدوث ثورات أخرى في المستقبل.

 ونبه الدكتور عزمي إلى ضرورة إيجاد أجوبة عميقة حول الظاهرة التونسية حتى نكون منصفين للتاريخ ولمن خرج للتعبير عن غضبه خصوصا وانه لا يوجد طرف يدعي أنه هو من قاد الحراك بنسفه وقاد غضب الجماهير التي حققت المطلوب.

 ومع أن الثورة شعبية لا تعرف لها قيادة، إلا أن هذا لا يعني أنها اتت خارج التراث السياسي والحزبي المنظم الذي أثر في الحياة السياسية والثقافية، كما لا يعني هذا أن لا تضطلع القوى السياسي بدورها في عملية الانتقال نحو الديمقراطية.

 ودعا النخب في تونس إلى أن تلعب دورها كاملاً في المرحلة المقبلة وأن تتحلى بالمسؤولية التي ترعى مصلحة الوطن وتعمل على الحفاظ على منجزات الثورة فوق المصالح الحزبية، وتتجنب الوقوع في المآزق حتى تحافظ على المكاسب المحققة.