بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الجزء الثاني من كتاب الدين والعلمانية في سياق تاريخي للدكتور عزمي بشارة، وهو كتاب في مجلدين؛ أوَّلهما تحت العنوان الفرعي: "العلمانية والعلمنة: الصيرورة الفكرية" (912 صفحةً من القطع الكبير)، والآخر عنوانه الفرعي: "العلمانية ونظريات العلمنة" (480 صفحةً من القطع الكبير). ويشكِّل المجلدان الجزء الثاني من مشروعٍ بحثيٍّ يُعنى بدراسة موضوع الدين والعلمانية بعد صدور الجزء الأول منه في نهاية عام 2012 وكان عنوانه الفرعي "الدين والتدين" وهو بمنزلة المقدمة النظرية للمشروع الذي يضم ثلاثة أجزاء. ويدرس الجزء الثاني "الدين والعلمانية" في سياق تاريخي من ناحية التأسيس النظري والتاريخي بوجهٍ عامّ، انطلاقًا من السياق التاريخي الأوروبي، وصولًا إلى تجليات العلمانية في الولايات المتحدة الأميركية ونماذج مقارنة أخرى.

يمكنك شراء نسخة من هذا الكتاب ومعرفة أقرب موزع بالضغط هنا

وقد خصَّص بشارة المجلد الأول من الجزء الثاني لمعالجة الصيرورة الفكرية والثقافية لنشوء العلمانية من أصولها الأوروبية، من خلال عملية تأريخٍ نقديٍّ للأفكار؛ إذ يعيد هذا التأريخ النظر في ما هو مألوفٌ من مقاربتها حتى الآن، ويُمكِّن من فهْم الجدلية بين الدين والسياسة في التاريخ الأوروبي على نحوٍ مختلف عمّا هو رائج، ويتيح فهم جذور التفكير العلماني على نحوٍ أفضل. وأمَّا المجلد الثاني فقد خصَّصه لبحث الصيرورة التاريخية وعملية العلمنة، من خلال الاستعانة بتحليل مختصر لنماذج تاريخية، مع اختيار حالات تاريخية تحوّلت إلى نماذج لعلاقة الدين بالدولة في أوروبا، ثمّ مقارنتها بأنموذج آخر لم يُتطرَّق إليه من قبلُ هو الأنموذج الأميركي.

يأتي المجلد الأول في اثني عشر فصلًا. والفصل الأول منه بمنزلة "مقدمة نظرية" للتمييز بين "المفردة" و"المصطلح" و"المفهوم". وفي الفصل الثاني "مقدّمات العصر الوسيط"، ناقش بشارة العلاقة بين الكنيسة والكيانات السياسية التي بدأت تتبلور على أنقاض الإمبراطورية الرومانية بوصفها علاقة وحدة وصراع قد انتهت إلى صعود الدولة. وفي الفصل الثالث "النهضة والأنسنية الكاثوليكية ومركزية الإنسان" يتناول المؤلف عصر النهضة، ويشير كذلك إلى النزعات الكلاسيكية لهذا العصر المتمثّلة بالعودة إلى الفلسفة والفنون اليونانية والرومانية، وإلى الفكر السياسي الروماني مع ردَّات الفعل الأصولية على هذه التحولات المهمة.

ويحلِّل بشارة في الفصل الرابع "الإصلاح الديني" نشأة البروتستانتية ودَور التيارات المُسالِمة المناهضة لأيِّ عُنفٍ في تأسيس فكر التسامح، ودورها في رفع مطلب الحرية الدينية وإرساء تقليد تحييد الدولة في الشأن الديني في الدول البروتستانتية بعد قرون. أمّا الفصل الخامس "في نشوء منطق الدولة"، فيعُدُّه المؤلف فصلًا مركزيًّا في الكتاب؛ لأنه يتناول فكرة الدولة التي لا يُمكِن فهْم العلمانية من دونها فهمًا جديدًا.

ويأتي الفصل السادس "الدين وبداية الاكتشافات العلمية" للتوقف عند تطور العلم التجريبي والتفكير العلمي، وضرورته؛ لفهم نشوء العلمانية. أمّا الفصل السابع "بين العقل في إطار الدين والدين في إطار العقل"، فيعالج المساحة الواقعة بين الريبيَّة المطلقة واليقين المطلق، في بحثٍ عن جدلية إخضاع العقل لليقين الديني وإخضاع الدين لليقين العقلي. كما يتطرق بشارة في هذا الفصل إلى "علمنة" المجال الديني نفسِه؛ بتعريضه للمنهج العلمي والريبيَّة النقدية. وأمّا الفصل الثامن "في بعض جوانب موضوعة الدين في فكر التنوير"، فخصَّصه بشارة لدراسة فكر التنوير.

ويُحيل الفصل التاسع "ما بعد التنوير بإيجاز: من الريبية إلى العقل المطلق ومنه إلى نقد العقل" على التنوير الألماني ممثَّلًا بكانط وتفاعله الفلسفي مع ديفيد هيوم، مع تخصيص مساحة مهمّة لهيغل. ويتناول الفصل العاشر "العلمانية باعتبارها أيديولوجيا في القرن التاسع عشر" الجمعيات العلمانية العاملة في الشأن العامّ التي بشَّرت بأخلاق اجتماعية صارمة ليس الدين مرجعيتها، والتي اعتمدت على مثقفي الطبقة الوسطى الذين أسّسوا مطلب فصل الدين عن الدولة.

ويناقش الفصل الحادي عشر "نماذج في النقد الحداثي للتنوير" نماذج حداثية في نقْد التنوير، ومنها ما أصبح يُسمَّى ما بعد الحداثة. ويستعرض الفصل الثاني عشر "نماذج ليبرالية وديمقراطية معاصرة في حرية الدين والعقيدة" بعض النقاشات المعاصرة في ما يتعلق بالموقف من علاقة الدين بالدولة، بعد تبيان عدم وجود علاقة ضرورية بين الليبرالية واقتصاد السوق الحرَّة.

يمكنك شراء نسخة من هذا الكتاب ومعرفة أقرب موزع بالضغط هنا

أمَّا المجلد الثاني من الجزء الثاني، فيَرِدُ في ثلاثة أقسام تتوزَّعها ستة فصول، يتناول القسم الأول منها النماذج التاريخية، ويقارن بينها من زوايا متعدّدة. وفي القسم الثاني يتناول بشارة بالفحص والنقد نظريات العلمنة، كما ينتقد نقدها أيضًا؛ وذلك من خلال مقاربات تتداخل فيها العلوم الاجتماعية وعلم التاريخ. ويعالج القسم الثالث توليد العلمنة لنقيضها، سواء كان ذلك على مستوى عودة الديانات التقليدية إلى القيام بدور في المجال العامّ أو على مستوى نشوء الديانات السياسية وأشباه الديانات البديلة كجزء من عملية العلمنة ذاتها. وأخيرًا يطرح بشارة تصوّرًا لأنموذج معدَّل أكثر تركيبًا لنظرية العلمنة.

وفي الفصل الأول "في العلمنة من زاوية نظر التأريخ وفي نقد تقديس العقل ذاته"، يُبيِّن بشارة أنّ عملية التأريخ في حدِّ ذاتها تَحَدٍّ للرواية الدينية بحوادث تاريخية؛ لأنّ كتابة التاريخ بالمعنى الحديث مهمّة علمانية تروي روايةً أخرى غير التاريخ المقدس، وتُخضع المقدّس للتأريخ في الوقت عينِه. ويشرح في الفصل الثاني "الأنموذج النظري كتعميم من حالة تاريخية هي الحالة الأوروبية" فكرةً مُفادها أنّ العلمنة، حتى في صوغ الدساتير، قامت من دون استخدام لكلمة "العلمانية". ويتضمَّن الفصل الثالث "نماذج تاريخية" عدّة فصول، كلّ فصل منها يُعنى بأنموذج تاريخي مختلف لممارسة نظام الحكم العلاقةَ بين الدين والدولة. ومن ثمَّة يؤسس بشارة لنشوء التصورات المختلفة للنظام السياسي المُعَلمَن، ومفهوم العلمانية في سياقات تاريخية مختلفة (من بينها فرنسا وبريطانيا)؛ وذلك قبل مقارنتها بالولايات المتحدة في سياق عرض نظرية العلمنة ونقدها.

ويبدأ القسم الثاني من هذا المجلد المتعلق بنظريات العلمنة ذاتها، من الفصل الرابع "العلمنة ونظريات العلمنة"، وينطلق من مكانة هذه النظريات في علم الاجتماع وتأصيلها في سوسيولوجيا فيبر ومصطلحاتها. وينتقل بشارة في الفصل الخامس "بين أوروبا وأميركا: واقع العلمنة ومساهمة إضافية في نقد أنموذج العلمنة"  إلى مناقشة أعمال الجيل الأحدث من منظِّري العلمنة، عبر عرْض معنى الصيرورات التي تؤكِّدها نظريات الحداثة؛ كالعقلنة والخصخصة والفردنة، بوصفها مكوِّنةً للحداثة. أمّا الفصل السادس "الديانة السياسية والديانة المدنية"، فهو مُخصَّص للتعريف بمفهوم الديانات السياسية وواقعها.

يختم بشارة الجزء الثاني بعرضٍ لأنموذجٍ نظريٍّ بديلٍ في فهم العلمنة قائمٍ على استقراء التاريخ وتاريخ الأفكار، وعلى استدلالات من التعميمات المستقرَأة، ومن المقاربة النقدية لنظريات العلمنة. وهو أنموذج أكثر تركيبًا، يتمثَّل اختباره الرئيس بقدرته التفسيرية.

 

    • يمكنك شراء نسخة من هذا الكتاب ومعرفة أقرب موزع بالضغط هنا

وكان الجزء الأول من كتاب "الدين والعلمانية في سياق تاريخي" قد صدر بعنوان فرعي "الدّين والتديّن"، ويتضمن فصولًا خمسة. يعالج الأوّل العلاقة بين ما هو مقدّس وأسطوريّ ودينيّ وأخلاقيّ، معالجة جدليّة، ففي موضوعة علاقة الدين بالأخلاق، وهي العلاقة الأكثر تعقيدًا "يصعب فصل الدين عن طاعة ما يمليه، ولكن لا بدّ من التعامل معه (الدين) كظاهرة باتت مختلفة عن الأخلاق. في الفصل الثاني، يعالج المؤلّف مسألة التديّن من منطلق أنّ "الدين هو ظاهرة لا تقف وحدها من دون تديّن (..)، على أنّ التديّن بصفته ظاهرة اجتماعيّة لها دينامية تطوّر وحيّز دلالي واجتماعيّ كافٍ يسمح بوجود تديّن من دون إيمان". يتطرّق بشارة في الفصل الثالث إلى نقد محاولات دحض الدين (في نقد نقد الدين)، إذ يتطرّق بالتحديد إلى نقد محاولات دحض الدين التي يعدّها بعض المنظّرين العرب "جهدًا تنويريًّا تقدميًّا". في الفصل الرابع (تعريفات)، يتناول الباحث المحاولات المختلفة لفهم الدين، وتحديدات الدين والتديّن نظريًّا، ليصل إلى اعتبار جهد تعريق الدين وتحديده جهدًا علمانيًّا حتّى لو قام به باحثون غير علمانيّين، وإلى النتيجة التي تقول "إنّ فهمنا للدين يتغيّر بحسب العلمنة وأنّ أنماط التديّن في مجتمعٍ من المجتمعات تتأثّر بأنماط العلمنة التي تمرّ بها". الفصل الخامس وعنوانه "انتقال من مبحث الدين والتديّن إلى مبحث العلمانيّة" هو الجسر الواصل ما بين الجزء الأوّل والجزء الثاني من مشروع عزمي بشارة.