بدون عنوان

نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في إطار فعاليات معرض بيروت للكتاب، يوم السبت الواقع فيه 9/12/2015، ندوة عن كتاب "محمد عبد العزيز الحبابي: الشخصانية والغدية 1922–1993"، أدار الندوة الدكتور مشير عون، الأستاذ الجامعي اللبناني والباحثٌ في فلسفة الدين وتلاقي الحضارات، وشارك فيها الزميل الدكتور كمال عبد اللطيف، أستاذ الفلسفة السياسية والفكر العربي المعاصر، الذي أشرف على إعداد الكتاب، والدكتور أنطوان سيف، الأستاذ الجامعي والباحث الفلسفي والاجتماعي، وحضرها لفيف من الأساتذة والمهتمين بفكر الحبابي.

دعا الدكتور عون في كلمته المقتضبة إلى استجلاء أبعاد أخرى في فكر الحبابي، وفي مقدمها الحوار بين الأديان، وإلى سد الثغرة في السرد الذاتي الموضوعي "لمراحل مكتومة" في حياة الفيلسوف المغربي. وأشار إلى أن الفكر الذي لا يتصدى للمحرمات الثلاثة في الاجتماع العربي (الدين والجنس والسياسة) ويفككها ويستخرج منها جوهرها ومادتها الإنسانية المستنهضة للسوية الوجودية، لا يقوى على الاستجابة لمتطلبات الحياة الإنسانية المستجدة في مجتمعات العالم العربي. وأكد عون في معرض حديثه أن "هذه الاستجابة هي التي كان يطمح إليها الفيلسوف المغربي، محمد عزيز الحبابي، عندما انتقل من الشخصانية إلى الغدية التي تقف من الوجود موقف المعاصرة والنهضة والنضال الحي".

أما الدكتور أنطوان سيف فاعتبر في عرضه المطوّل للكتاب أن أغلبية النصوص التي احتوى عليها الكتاب تكتسي إلى جانب صفتها البحثية، صفة الشهادة، ذلك أن أصحابها عرفوا الحبابي شخصيًا وعايشوه أعوامًا طلابًا جامعيين في حلقاته التدريسية في قسم الفلسفة في المغرب. علاوة على ذلك، فإن هذه النصوص تصطبغ بالنوستالجية، وتكشف عن مواقف فكرية ونفسية تتكئ على ذكريات غائرة. وينبغي علينا التنبه إلى أن هذا البعد النوستالجي هو في أحد أشكاله حزمة من الضغط العاطفي الخفي على الباحث/الشاهد. ومما أشار إليه الدكتور سيف أن الحبابي كان سلفيًا نقد السلفية لأنها ناقصة، لأنها لم تدرك دينامية المجتمع الصناعي الغربي ولم تسع إلى الانفتاح عليه. واعتبر أن الشخصانية الإسلامية" الحبابية" لم تبن على تحليل فلسفي، بل على معاناة وجودية ووجدانية بعيدة عن المنطق واللغة الفلسفيين.

أما الدكتور كمال عبد اللطيف، الذي كان تلميذ الحبابي، فأفاض في سرده عن السيرة الذاتية للفيلسوف المغربي ودراسته وتدريسه، الذي أكد بتودد جم في أكثر من موضع في مداخلته أنه كان فوضويًا. واستذكر أمام الحضور أستاذه الذي اعتبر أنه لا يمكن فهم مكانته في الفكر المغربي والعربي المعاصر من دون ربطها بالسياق الثقافي والمجتمعي العام، الذي نشأت وتطورت في إطاره: واقع المجتمع والثقافة المغربية والعربية، وانخراطه في الحركة الوطنية المغربية في صفوف حزب الشورى والاستقلال، التيار الليبرالي الذي انشق عن حزب الاستقلال المحافظ.. كما أكد عبد اللطيف انه لا يمكن فهم الحبابي إلا في إطار النقاشات الفلسفية التي كانت سائدة في أوروبا في بداية الستينيات (الوجودية والعبثية والحوار الذي كان دائرًا بين سارتر وألبير كامو... إلخ). فالحبابي – في رأيه – تشبع هذه النقاشات كلها، وأثرى بها فلسفته ورفدها بها. ونقصد بذلك الفلسفة الشخصانية وما ارتبط بها من مذاهب ومفاهيم فلسفية في دائرة الفكر الفرنسي المعاصر، حيث استوعبها وقولبها بما يتلاءم مع المفاهيم العربية، وسعى إلى تطوير جوانب منها، انطلاقًا من القضايا المرتبطة بالمشروع الثقافي المغربي والعربي في أبعاده التحررية. واعتبر الدكتور عبد اللطيف أن مؤلفات الحبابي التي نُشرت في سبعينيات القرن الماضي ساهمت في بلورة قضايا عدة تتعلق بمصير العالم الثالث، تستهدف التفكير في تناقضات العالم المعاصر، وتقترح إعادة تأسيس قواعد جديدة للتضامن الإنساني، بمعايير اجتماعية وأخلاقية، من منظور تحرري بحت.