بدون عنوان

افتتح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات صباح اليوم، الجمعة 22 نيسان/أبريل في بيروت أعمال مؤتمره السنوي الثالث للدراسات التاريخية بعنوان "التأريخ العربي وتاريخ العرب: كيف كُتب وكيف يُكتب؟ - الإجابات الممكنة"، بحضور نخبة من الأكاديميين العرب واللبنانيين ومن المتخصصين ومن ذوي الصلة بموضوع المؤتمر الذي يستمر لغاية مساء الأحد في 24 الجاري.

الجلسة الافتتاحية للمؤتمر

تحدث في بداية الجلسة الافتتاحية صقر أبوفخر، مشيرا إلى أن للمؤتمر شقيقين سابقين: مؤتمر "التاريخ الشفوي" في عام 2014، ومؤتمر "مئة عام على الحرب العالمية الأولى" في عام 2015؛ إضافة إلى مؤتمرات أخرى نظمها مكتب المركز العربي في بيروت لمناقشة قضايا حيوية وراهنة مثل الترجمة ومشكلاتها، وجدل الإعلام والسياسة كما تجلّى في وثائق ويكيليكس، وأخيرًا مؤتمر خمس سنوات على الثورات العربية: عسر التحوّل الديمقراطي ومآلاتها".

ثم ألقى المدير العلمي لإصدارات المركز الدكتور وجيه كوثراني كلمته، متسائلاً: كيف نكتب التاريخ؟ مؤكدًا أن ليس من طريقة واحدة أو منظور واحد لكتابة التاريخ العربي، فالسؤال هو التاريخ العربي، وما المقصود بالعرب وقد بدّلوا تبديلًا، وتحوّلوا تحويلًا، أطوارًا وأحوالًا وأمصارًا؟

وأوضح أن الورقة الخلفية للمؤتمر، كانت تتوقع مساهمات من التاريخ التركيبي أو مساهمات نقدية لما أنتجه المؤرخون العرب المعاصرون في هذا المجال، لافتًا إلى كثرة مساهمات الكتابة في التواريخ الوطنية أو المتخصّصة في كل قطر عربي. مشيرًا إلى غياب التأريخ التركيبي أو التوليفي أو الشامل للأقاليم الواسعة كالجزيرة العربية أو بلاد الشام أو وادي النيل أو المغرب، عن الأوراق التي قدّمت للمؤتمر، ما يشكّل ظاهرة تستحق التوقّف عندها.

أما مدير مكتب المركز في بيروت الدكتور خالد زيادة فقد تحدث عن استخدام الوثائق في كتابة التاريخ العربي، فقال إن استخدامها في الكتابة التاريخية ليس بالأمر الجديد. ولا يتعلق الأمر بكتابة تاريخ العرب والدول العربية فحسب، ولكنه يشمل أيضًا تاريخ تركيا ما بعد العثمانية وإيران القاجارية والبهلوية، وكذلك مصر التي عرفت تجربةً مبكرة في مطلع القرن التاسع عشر في بناء الدولة.

وأوضح أن ما نطلق عليه اسم العمل الوثائقي لا يتعلق بوثيقة مفردة أو مجموعة من الوثائق المتعلقة بواقعة محدودة، لأن ما نعنيه بالوثائق هو أنها تتصف بالتكرار عبر مراحل زمنية طويلة، مثل الوثائق الحكومية والدبلوماسية والقنصلية والكنسية والمحاكم الشرعية والأوقاف أو الأحباس والدفاتر التجارية والحزبية والتي تمتد على عشرات، بل مئات السنين.

ورأى أن الوثائق تبدل جذريًا فهم التاريخ وكتابته، فلا يعود التاريخ مستندًا إلى الخبريات التي دونها الإخباريون أو أصحاب التراجم، وإنما تستند إلى تراكم المعطيات التي تنقل التاريخ من سرد للوقائع والأخبار، إلى مواجهة مع صفحات متحرّكة ومتطوّرة تتضافر فيها مجموعة من المعطيات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية فضلاً عن دور الدين وحركاته في تفسير علاقات السلطة بالفئات المجتمعية، إلى تطور الأسعار والغلاء وحركات العامة والثورات، ثم الانتقال من المؤسسات التقليدية إلى الحديثة.

وأكد أن الوثائق على اختلاف أنواعها (شرعية- حكومية- قنصلية- تجارية) تضع المؤرخ على تماس مع العلوم الانسانية والاجتماعية والاقتصادية والاحصائية. وخلص إلى القول إن كتابة تاريخية معاصرة لا يمكن أن يحدث من دون العودة إلى الوثائق والاستناد إليها واعتبارها مصدرًا رئيسًا في كل كتابة تاريخية اعتمادًا على منهجيات وتقنيات علوم الاجتماع والأنثروبولوجيا، من أجل تجاوز الكتابة التاريخية المؤسسة على فرضيات إيديولوجية.

الوحي السياسي في كتابة التاريخ العربي

قاعة المؤتمر

تمحورت الجلسة الصباحية الأولى حول "كتابة التاريخ العربي مضمونًا وتحقيبًا ومنهجًا" وترأسها الدكتور أحمد بيضون، وقدم فيها الدكتور أحمد الشبول دراسة بعنوان "نحو مقاربة لدراسة التاريخ العربي من منظور التاريخ العالمي: مسألة النظر إلى الثقافات الأخرى" وطرح أسئلة حول مدى الاستفادة من الثقافات الأخرى ومن منهجيات بعض المؤرخين الغربيين.

وميز بعض المفاهيم المتصلة بتاريخ العالم، لافتًا إلى تأثير مسألة العولمة في كتابة التاريخ المعاصر، إلى مسألة صراع الحضارات وحوار الحضارات وحوار الأديان. وتوقف في مسألة المعرفة عند غير المسلمين في زمن ابن خلدون والمسعودي، وركز على كتاب "الفهرست" لابن النديم الذي احتوى عناوين الكتب عند العرب والعجم والأمم الأخرى. ورأى أن المؤرخ الناجح يجب أن يتحلّى بحس شعري.

أما الدكتور محمود حداد في دراسته عن "أحادية التأريخ للحركة القومية العربية المبكرة"، فعمد إلى نقد هذه الأحادية، قائلًا إن المثقفين العرب الذين عاشوا في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر كانوا غير واعين، وإن الهم الأكبر للسلطان العثماني كان الحفاظ على التراب الإمبراطوري العثماني، لافتًا إلى تصادم الروايات العربية حول نشأة الحركة العربية.

وأضاف حدّاد أن الفكر القومي العربي نشأ في مواجهة اسطنبول ولكن هذه النشأة هي نصف الحقيقة، في حين أن نصفها الآخر كان في الغرب الذي كان مسيطرًا على اسطنبول والأطراف الأخرى.

وأشار إلى أن لكل مرحلة عوامل مختلفة تظهر فيها طريقتها المميزة في التأريخ، فأثناء وجود الدولة العثمانية كانت هنالك الأمم – الدولة في ظل دولة واحدة هي الدولة العثمانية. ونفى وجود الدولة – الأمة العربية، موضحًا أن القومية العربية بالمعنى الغربي ليست موجودة، إذ أنه أثناء وجود الدولة العثمانية كان يوجد الأمم - الدولة في ظل دولة واحدة هي الدولة العثمانية.

وتناول الدكتور عمار السمر في دراسته بعنوان "من المقاربات الرسمية لكتابة التاريخ العربي" تجربتين في كتابة التاريخ الرسمي العربي، نافيًا وجود الطابع العلمي في هذه الكتابة التي غلب عليها الجانب السياسي. أما التجربتان اللتان تناولهما السمر في مداخلته، فهما التجربة السورية وتجربة جامعة الدول العربية، لافتًا الى أن الاخيرة عمل فيها المئات من المؤرخين العرب وجرى تنفيذها بتمويل من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وقد حظي المشروع باعتراض بعض الدول العربية وحصول خلافات بين المؤرخين الذين شاركوا في كتابة هذه التجربة، لكن المشروع خرج في النهاية وإن حمل ملاحظات سلبية في المضمون واختلاف صيغ المناهج وغير ذلك. 

وختم قائلًا إن البلدان العربية أوجدت لأنفسها تواريخ خلطت فيها الوطني بالقومي بالإسلامي، بما يلائم نظمها الحاكمة ويعزز شرعيتها التاريخية، ما أدى إلى الوقوع في التناقضات والاعتراضات والاختلافات.

التحقيب التاريخي: المغزى والجدوى

جانب من جلسات اليوم الأول للمؤتمر

أما الجلسة الصباحية الثانية: "التحقيب التاريخي والربيع العربي"، فانعقدت برئاسة محمود سويد، وتحدث فيها الدكتور أحمد إبراهيم أبو شوك عن مشكلة "التحقيب: التاريخ العربي الإسلامي نموذجًا"، مركزًا على الأبعاد الفلسفية والفكرية التي استندت إليها الأطروحات التحقيبية والأطروحات التي قدمت بشأن تاريخ المسلمين والأطروحات الإسلامية المعاصرة البديلة. وقال إن المسائل الإجرائية للتحقيب ترتبط بمعرفة المؤرخ، وهذا ما خلق تناقضًا في التحقيب بسبب اختلاف المنطلقات الفكرية. وخلص إلى أن التحقيب الأوروبي في شكله التقليدي يؤدي إلى خمس معالم وتواريخ للشعوب، في حين أن عملية التحقيب نفسها هي من صنعة المؤرخ. لذلك لا تستقر التحقيبات على نسق واحد.

أما الدكتور إبراهيم بوتشيش فقد قدم بحثًا عن "الربيع العربي كحلقة جديدة في التحقيب التاريخي"، فتساءل حول ما إذا كان الربيع العربي يشكّل مرحلة في التاريخ العربي، موضحًا أن بنى بحثه على فرضيات تضم بعض الوقائع. ونأى عن تداعيات الربيع العربي السياسية وما آلت إليه. ورأى أن الربيع العربي ترك تأثيرًا ثقافيًا، وللمصطلح دلالة لغوية تدل على الانتقال من مرحلة إلى أخرى. وهو الابن الشرعي للتحوّلات العالمية، بناء على ثلاثة مؤشرات وهي: مقولة النهايات، والعصر الرقمي، إضافة إلى مسألة الهويات التي مرت بها الهوية المركبة أو الهجينة أو العابرة للقارات.

أما محمد عز الدين، فتحدث عن "الزمن الفائت – صراعات الثورة والذاكرة والعدالة في مصر"، فعرض لتاريخ الثورة المصرية منذ العام 2011، واصفًا الثورة بأنها حدث متفجر، متسائلًا عن معنى الثورة ومعنى الدولة. ورأى أن الثورة أدت إلى كسر حقبة الدكتاتورية، ومن هنا يمكننا العمل على تحقيبها كتاريخ جديد عمل على خلخلة الماضي عبر اليومي.

في الجلسة الثالثة التي ترأسها نصير الكعبي، تحدث فيها الدكتور محمد مرقطن عن "الحضارات القديمة في البلاد العربية ومسألة تكوين الهوية التاريخية لأمة العرب"، والدكتور أنور زناتي عن "كتب النوازل مصدراً للدراسات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب والأندلس".

أشار المؤرخ مرقطن إلى دور الاستعمار في الاكتشافات الأثرية في بلادنا بهدف اقتنائها. لكنه نبّه إلى ما هو أخطر من الاقتناء يبقى الجانب التوراتي الديني. ولفت إلى نشوء علم آثار يحمل توجّهات قومية، إضافة إلى علم الآثار الاستعماري، مركزًا على أن هذا النموذج الأخير تم تطبيقه على فلسطين وجنوب أفريقيا. وشدد على أن المؤرخين العرب كانوا الأقل حضورًا من حيث الكتابة عن تاريخهم الذي كتب الغربيون أغلبيته. أما منهجية التأريخ العربي فكانت ضعيفة لغياب المؤسسات العلمية المماثلة لتلك الموجودة في الغرب.

بعده، تحدث محمد الأزهر الغربي عن "الاقتصاد الغربي الإسلامي من زاوية التاريخ الاقتصادي"، فأشار إلى الدراسات الأوروبية عن التاريخ العربي وما تخللها من جوانب اقتصادية، وإن بنسبة قليلة. وركز على المؤرخين العرب والتاريخ الاقتصادي الذي جاء متأخراً، أو ربما رد فعل على المستشرقين. فقسّم هذا التاريخ الى مرحلة الفتح، ومرحلة تكدس الثروات، ثم حركة التوسع الاقتصادي. وخلص إلى أن التأريخ الاقتصادي العربي لا يزال يشكّل ثغرة في ميدان التأريخ، كما أشار إلى غياب منهاج أو مقاربة موحّدة اعتمدها المؤرخون العرب، متسائلاً إن كان ذلك بسبب ندرة الوثائق.

وكان أنور زناتي المتحدث الأخير في الجلسة الثالثة، فتحدث عن "كتب النوازل مصدراً للدراسات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب والاندلس" (النوازل تعني الفقهاء والقضاة في القضايا اليومية الحياتية)، فنفى عن كتابة التاريخ صفة الموضوعية لأن أي مؤرخ يرتبط بقناعاته وأفكاره، إضافة إلى أن الكتابة التاريخية كانت تتم تحت سلطة السلاطين والقادة، ما يعني أن التاريخ يكتبه القوي. أما المهزوم، فيتهم ويخضع لشتى أصناف التوبيخ. وختم قائلاً ان هذه الكتب قدّمت خدمة للمصادر التاريخية إذ اشتملت على أحداث وظواهر تاريخية قيّمة.

مساهمات شخصية في التاريخ العربي

المتحدثون في الجلسة الرابعة

وكانت الجلسة الرابعة هي الجلسة الأخيرة من المحور الأول "كتابة التاريخ العربي مضمونًا وتحقيبًا ومنهجًا" فترأسها سيار الجميل وشارك فيها كل من رشيد الخيون بمحاضرته "جواد علي، الريادة في تاريخ قبل الإسلام"، وعبد الرحمن شمس الدين في "منهجية كمال الصليبي: «التوراة جاءت من جزيرة العرب"، وإلياس قطار "التاريخ العربي بين مقاربتين: فيليب حتي وألبرت حوراني".

ذكر رشيد الخيون في كلمته أن المؤرخ جواد علي مِن طبقة المؤرخين المرموقين في تاريخ العرب قبل الإسلام، وقد أراد تغيير الفكرة التقليدية والدينية عن العرب في الجاهلية، أو تاريخ العرب قبل الإسلام. ولفت إلى أن كثيرين ينظرون إلى ذلك التاريخ على أنه ظلام وجهل. وتطرّق الخيون في ورقته على ردود جواد علي على بعض المستشرقين في تعصبهم ضد الاسلام، وليس كلهم لاعترافه بدورهم في مجال الاكتشافات العلمية في التاريخ وعلم الآثار في المنطقة. 

أما عبد الرحمن شمس الدين، فتحدث أن كمال صليبي قدَّم طرحًا جديدًا في جغرافيا التوراة، وادعى أن مسرح حوادث التوراة الأولى لم يكن فلسطين، كما هو سائد ومتداول وراسخ ومتجذر في خلفية الديانات الإبراهيمية. لقد اكتشف كمال الصليبي أرضًا جديدة للتوراة؛ وهو بذلك الاكتشاف يقدم حلولًا عظيمة لمشكلات جمة طالما اعترضت ولا تزال تعترض، علماء التوراة في رسم خريطة صحيحة لحوادث التوراة. ولفت شمس الدين الى أن "الصليبي اعتمد في عمله على جغرافية المواقع لنزول التوراة بسبب إتقانه اللغة العبرية، ولقناعته بأهمية أسماء الأماكن، ومنها ذكر اسم عدن في التوراة".

وكانت الورقة الختامية في اليوم الأول للمؤتمر، هي ورقة إلياس قطار التي قرأها جورج نصار، ذاكراً أن المؤرخ فيليب حتي ينتمي إلى المدرسة الأنكلو- أميركية الكلاسيكية، في حين أن ألبرت حوراني استقى أفكاره من مدرسة التأريخ الاقتصادي - الاجتماعي الفرنسية. أما مردّ الاختلاف بينهما فيعود إلى التحولات التي طرأت على علم التاريخ خلال نصف قرن من مدرسة التأريخ الكلاسيكية المتأثرة بالتأريخ الوضعي إلى مدرسة "الحوليات" والتوجهات الاقتصادية الاجتماعية في علم التاريخ. ولفت إلى "تأكيد حتي في محاضرة ألقاها في الكونغرس الاميركي عدم وجود آثار لليهود في فلسطين، وأشار أيضًا إلى مناظرة ثانية في الكونغرس الاميركي، تغلّب فيها حتي على أينشتاين".

ووضّح نصّار الجديد المنهجي الذي قدّمه حوراني في مجال البحث التاريخي العربي. ولفت إلى أن حتي يكتب عن العرب كأمة واحدة لا بالمعنى العرقي وإنما بالمعنى الثقافي، في حين أن حوراني يؤرخ لشعوب عربية وأن "الأمة العربية بالنسبة إليه تتألف من مجموعة شعوب".

للاطلاع على برنامج جلسات المؤتمر، انقر هنا
للاطلاع على الورقة المرجعية للمؤتمر، انقر هنا