بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا عددان خاصان عن الرياضة والسياسة والمجتمع؛ هما العدد الثاني والأربعون من دورية عمران للعلوم الاجتماعية والعدد السابع والخمسون من دورية سياسات عربية. وسيشكل هذان العددان، إلى جانب عدد آخر من سياسات عربية يصدر في شهر كانون الثاني/ يناير 2023، جزءًا من مخرجات ندوة "الرياضة والسياسة والمجتمع" التي عقدها المركز في مقره الرئيس بالدوحة مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

تضمّن العددان عشر دراسات تناولت الظاهرة الرياضية عبر مقاربات مختلفة، هدفت إلى فهم هذه الظاهرة، من خلال مداخل السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والتاريخ والعلوم السياسية والعلاقات الدولية والدراسات الثقافية، إضافةً إلى ثلاث ترجمات لنصوص مؤسسة في حقل دراسات الرياضة، وأربع مراجعات كتب صادرة حديثًا تتناول الموضوع من خلال تقاطعات التاريخ والسياسة والحركات الاجتماعية ودراسات الجندر.

ومن ثم، يشكل هذان العددان، اللذان جرى الإعداد لهما منذ أكثر من عام، وتَزَامَنَا مع استضافة دولة قطر تظاهرةَ كأس العالم لكرة القدم 2022، تفاعلًا معرفيًا مع هذا الحدث، هدفُه حثُّ المختصين العرب بالعلوم الاجتماعية على تناول الظاهرة الرياضية، بما تطرحه من قضايا سوسيولوجية وثقافية وسياسية متشابكة، لم تأخذ حقها من الدرس والفهم، فضلًا عن بناء تفاعل مع المختصين بدراسات الرياضة، الذين يقدّمون جهودَهم المعرفية بلغات غير العربية.

فتح الباب أمام المساهمات العربية في الحقل

غلاف العدد الثاني والأربعين من دورية عمرانمن هنا، جاء تقديم العدد الخاص من عمران، الذي كتبه مولدي الأحمر، رئيس تحرير الدورية وأستاذ علم الاجتماع في معهد الدوجة للدراسات العليا، محاجًا بأنه على عكس البلدان الصناعية والمجتمعات الأكثر تطورًا في الاقتصاد وفي الإدارة العقلانية للعيش المشترك، التي تقدمت شوطًا محترمًا في دراسة الظاهرة الرياضية، سواء لأهدافٍ معرفية أو عملية تطبيقية، فإن حالة البحث في هذا المجال في العالم العربي تبدو متواضعة جدًا، ولا يعود ذلك إلى قلة الإمكانات المادية، أو إلى عدم جماهيرية النشاطات الرياضية بصفة عامة.

ويلفت محفوظ عمارة، أستاذ إدارة وعلوم اجتماع الرياضة في جامعة قطر، والمحرر الضيف لعدد سياسات عربية، إلى أن المقاربة الوضعانية ما زالت عمومًا تُسيطر على دراسات الرياضة وتحددها؛ إذ تهيمن علوم اللياقة ودراسات الإدارة في هذا المجال، على حساب العلوم الاجتماعية والإنسانية. ويقترح في تقديمه للعدد الخاص من سياساتعربية، سياسة بحث بنائية بوصفها مدخلًا شاملًا لافتتاح أجندة بحثية عربية في دراسات الرياضة.

مساحات التأثير خارج الملعب: تقاطعات الرياضة والسياسة

يسرد المحاضر في السياسة العالمية ودراسات الصراع في جامعة بوندسوير، يان بوس، والمحاضر في الجامعة اليونانية الدولية، رينيه وايلدانجل، في دراستهما "اللعبة المتمرّدة: تاريخ سياسي لكرة القدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين العالمي والمحلّي"، التاريخ السياسي لكرة القدم في العالم العربي منذ نهايات القرن التاسع عشر، بالتركيز على الاتجاهات التحرّرية، والاتجاهات المضادّة للتحرّر في تاريخ كرة القدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نافيين فكرة أن الانتشار العالمي لكرة القدم أحادي الجانب نتيجة التوسّع العالمي للإمبراطورية البريطانية. ومن ثم، تمثل كرة القدم ظاهرة "عالم - محلية" Glocal؛ ففي الوقت الذي عمل فيه الاستعمار على نشرها، بوصفها منتجًا حداثيًا عالميًا، استعملتها البلدان المستعمَرَة أداة في مواجهة الاستعمار.

وفي السياق ذاته، يبحث إبراهيم سميح ربايعة، مدير الأبحاث والسياسات في مركز الأبحاث الفلسطيني، في دراسته "الرياضة والسياسة في الأراضي الفلسطينية المحتلة: الوعي السياسي والمأسسة والتكيف المقاوم (1967-1995)"، في الموقع والدور السياسي التاريخي المقاوم للمؤسسة الرياضية الفلسطينية في الأراضي المحتلة منذ تأسيسها حتى عام 1995، وتفاعلات هذه المؤسسة في مواجهة منظومة الاستعمار الاستيطاني الصهيونية؛ إذ اضطلعت بأدوار مركزية في ترسيخ مبدأ الوحدة الرياضية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبناء الوعي الوطني، وتأطير الشباب، والتعبئة السياسية متسقةً في ذلك مع طبيعة المقاومة ومواجهة الاحتلال وسياقاتها وتحولاتها.

أمّا إيهاب محارمة، الباحث في المركز العربي، فيتتبع في دراسته "قراءة في تحولات المقاطعة الرياضية لإسرائيل وتأثيراتها"، جذور المقاطعة الرياضية لإسرائيل، والتحولات التي مرّت بها، وتأثيرها في نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي. ويناقش الأسباب التي أدت إلى تطور هذه المقاطعة في البطولات الرياضية الدولية الكبرى، وأنّ اندلاع الثورات العربية في أواخر عام 2010، الذي أعطى زخمًا إضافيًا للشباب العرب للاهتمام بمقاطعة إسرائيل، وخصوصًا مقاطعتها رياضيًّا، إلى جانب مطالبتهم بإنهاء الاستبداد والحكم الفردي، قد منح الرياضيين العرب فرصةً لتحويل البطولات الرياضية الدولية الكبرى إلى فضاء للعمل السياسي.

الرياضة أداةً للقوة الناعمة

اعتمادًا على مقاربة سيمون أنهولت، التي تقوم على تقييم عمليات بناء السمة الوطنية، يتناول كمال حميدو، أستاذ الإعلام في جامعة قطر، في دراسته "الإعلام والرياضة أداتان لبناء السمة الوطنية والتسويق لها: الاستراتيجية القَطرية نموذجًا"، الاستراتيجية القَطرية القائمة على توظيف الإعلام والرياضة أداتَين من أدوات الدبلوماسية العامة الهادفة إلى بناء صورة ذهنية دولية إيجابية عن بلد حديث النشأة وصغير بجغرافيته، لكنه بات من كبار الفاعلين المؤثرين في العالم. ويستعرض خصائص الاستراتيجية القطرية التي جمعت بين تنظيم الفعاليات الرياضية الضخمة والمشاركة فيها، وبناء المنشآت الرياضية ذات الصيت العالمي، والاستثمار الإعلامي في الأحداث.

أمّا نديم ناصيف، أستاذ التربية البدنية والرياضة في جامعة سيدة اللويزة بلبنان، فيرصد في دراسته "مؤشر القوة الرياضية العالمية: قياس قدرات الدول على استخدام الرياضة أداة للقوة الناعمة"، أسباب عدم دقة المؤشرات الحديثة المعتمدة لقياس القوة الناعمة الرياضية، مثل "القوة الناعمة 30" و"مؤشر القوة الناعمة" و"مؤشر القوة الناعمة العالمية"، ويقترح بدلًا من ذلك تصنيفًا جديدًا من شأنه تقييم نجاح سياسات الرياضة، التي تنفذها الحكومات، بطريقة أنجع من المؤشرات الشائعة الاستخدام.

الرياضة والحركات الاجتماعية: ظاهرة الألتراس

عربيًا، احتل موضوع الألتراس مكانة مهمة في ندوة المركز العربي، وعدد عمران على نحو خاص.

فقد درس قيس تريعة، الباحث في وحدة البحث "توارث وانتقالات وحراك" بجامعة تونس، في دراسته "مجموعات الألتراس في تونس: تقاطعات الرياضة والسياسة والدين"، ممارسات مجموعات الألتراس في تونس بعد ثورة سنة 2010-2011، من خلال تتبّع دلالاتها السوسيولوجية عبر حقول الرياضة والسياسة والدين، وتتبع امتدادات هويات هذه المجموعات وتأثيراتها الاجتماعية المتبادلة، وذلك من خلال قراءة سيميوسوسيولوجية للمدونة الفنية (أغانٍ وشعارات وممارسات) لمجموعات الألتراس داخل الملعب وخارجه، إضافةً إلى مقابلات مع عدد من أعضاء هذه المجموعات.

أما محمد الحذيفي وعز الدين الفراع، باحثا الدكتوراه في علم الاجتماع في جامعتي سيدي محمد بن عبد الله وابن طفيل، فيحللان في دراستهما "الألتراس بوصفها حركة اجتماعية شبابية: تحليل نقدي لخطاب ألتراس كرة القدم المغربية"، الخطاب النقدي لبعض مجموعات الألتراس في المغرب، موجهين اهتمامهما إلى تحليل أوجه الارتباط والتفاعل بين خطاب هذه المجموعات، والأزمات الاقتصادية - الاجتماعية والأحداث السياسية الكبرى التي عرفها المغرب والعالم العربي بصفة عامة خلال العقدين الأخيرين.

وفي السياق نفسه، يبحث أستاذ علم الاجتماع في جامعة عبد المالك السعدي في المغرب وديع جعواني، والباحث في علم الاجتماع بالجامعة نفسه عيسى الغياتي، في دراستهما "غرافيتيا الألتراس وبناء هوية مجموعات مشجعي فريق المغرب التطواني: دراسة في التملك الرمزي للمجال"، غرافيتيا الألتراس وبناء هوية مجموعات مشجعي فريق المغرب التطواني، مركزين بحثهما على موضوع تملُّك المجال الحضري والرمزي للمدينة وتمفصلاته مع مكونات مجتمع تطوان والعالم الخارجي، وذلك من خلال دراسة حالتَي مجموعة "لوس مطادوريس" التي تنشط في النصف الغربي من مدينة تطوان، ومجموعة "سيمبري بالوما" التي تنشط في النصف الشرقي من المدينة.

وفي إطار الحالة المغربية، التفتت شيماء الغازي إلى موضوع مهمش على مستوى الاهتمام الجماهيري أو البحث العلمي، ألا وهو حضور المرأة في المجال الرياضي، لتخصص دراستها "الرياضيات المحترفات في المغرب: الجسد الرياضي النسائي في مواجهة النمطية الجندرية"، لمعالجة حالة الرياضيات المحترفات في المغرب وهن يواجهن، في خضم ممارستهن نشاطات رياضية محترفة، النمطية الجندرية التي أنتجها المجتمع الذكوري بشأن جسد المرأة؛ شكله ووظيفته وهويته. وتكشف لنا عن أسس هذا التوتر المعياري الثقافي الذي تعيشه الرياضيات المغربيات، والذي يكثّف في داخله أبعادًا مختلفة من التحولات والتناقضات الثقافية التي يعيشها المجتمع المغربي برمّته في الوقت الراهن.

الدراسات الرياضية: نصوص مؤسسة للحقل

غلاف العدد 57 من سياسات عربيةلتوفير خلفية معرفية عن الظاهرة الرياضية، اختارت دورية عمران ترجمة أحد النصوص المؤسسة للحقل المعرفي الرياضي، كتبه أحد أهم رواد علم الاجتماع المعاصرين، وهو نوربرت إلياس، وترجمه إلى العربية الباحثان في المركز العربي مجد أبو عامر ويارا نصّار، وعنوانه "نشأة الرياضة بوصفها مسألة سوسيولوجية" نُشرت الدراسة أول مرّة عام 1971، ويتتبع إلياس فيها نشأة الرياضة ماديًا ولفظيًا في إنكلترا وانتشارها من ثمّ إلى بلدان أخرى، ويقارن بين ظروف نشأة الألعاب في العصور الكلاسيكية القديمة وفي القرنين التاسع عشر والعشرين، مسترشدًا بنظرية سيرورة التحضُّر، التي ترى أنّ تشكُّل الدولة وتكوّن الضمير، ومستوى العنف المادي المسموح به اجتماعيًا، وعتبة النفور من استخدام هذا العنف أو مشاهدته، تختلف على نحوٍ محدد باختلاف مراحل تطوّر المجتمعات.

أما دورية سياسات عربية فنشرت ترجمتين. الأولى أنجزها أستاذ الفلسفة في جامعة ذي قار في العراق علي حاكم صالح، للمحاضرة الافتتاحية التي قدمها عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو بمناسبة استضافة بلده، فرنسا، بطولة كأس العالم في عام 1998، وعنوانها "الدولة والاقتصاد والرياضة"، ويتناول فيها علاقة الدولة بالاقتصاد، ويشير إلى "التسليع" الذي بدأت تشهده الرياضة، ولا سيما مع امتداد المنطق النيوليبرالي إليها، فأصبحت مشهدًا تجاريًا ووسيطًا إعلانيًا، وباتت الفعاليات الرياضية وتوقيتاتها يتحكم فيها منطق السوق. ويأسف بورديو على زحف النيوليبرالية إلى بلد ذي تقاليد دولة مركزية، كفرنسا، لتصل إلى الرياضة. ومن ثم، يتخذ بورديو من الرياضة فضاء يقدّم عبره مرافعته ضد النيوليبرالية.

أما محمد حمشي، الباحث في المركز العربي، فترجم دراسة إيان هنري، أستاذ الرياضة والسياسات الرياضية في جامعة لوفبرا في إنكلترا، المعنونة بـ "عن قابلية مبادئ حوكمة الرياضة وقيمها للنقل خارج الغرب". وهي تناقش أهمية الاختلافات الثقافية بين البلدان الغربية وغيرها من البلدان، في حوكمة الرياضة وتطبيقاتها؛ وتسعى أيضًا لدحض الافتراض السائد القائل إن "التقدم" الذي أحرز فالغرب في حوكمة الرياضة يمثل النموذج الذي على البلدان غير الغربية أن تحذو حذوه. وتنافح، في مقابل ذلك، عن استنتاج مفاده أن تحديث الرياضة ينبغي أن يتخذ أشكالًا مختلفةً في سياقات محلية مختلفة، حديثة لكنها ليست موحدة، مما يدعم في الواقع أحد أشكال "الحداثة المتعددة".

وأخيرًا، أعد عبد الكريم أمنكاي، أستاذ العلوم السياسية في معهد الدوحة للدراسات العليا، مراجعة نقدية لكتاب "الشعبوية في الرياضة والترفيه والثقافة الشعبية" من تحرير بريان كليفت وألان توملسون، نُشرت في باب "مراجعات الكتب" في سياسات عربية. في حين اشتمل الباب المناظر في عمران، على مراجعة الباحث أسيد يوسف، كتابَ وليام د. "بومان كأس العالم بوصفه تاريخًا للعالم"، ومراجعة حميدة دُرزادة، الباحثة في المركز العربي، كتاب سونيا إريكاينن "التثبّت من الجندر وصناعة الجسد الأنثوي في الرياضة"، ومراجعة عمر حسن، طالب علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة، كتاب روني كلوز "ألتراس القاهرة: المقاومة والثورة في ثقافة كرة القدم المصرية".