بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الأربعون من الدورية المحكّمة تبيُّن للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية. وتضمّن العدد الدراسات التالية: "الرد بالكتابة في الرواية الفلسطينية النسوية" لحنان العيسي، بحثت فيها إشكالية العلاقة بين الخطاب الاستشراقي النسوي الغربي والخطاب النسوي الفلسطيني البديل، وذلك من خلال رصدٍ ومقارنةٍ لتمثلات المرأة الفلسطينية في الخطابين معًا، وسعت أيضًا إلى تحليل الرواية الفلسطينية النسوية تحليلًا نقديًا يبيّن كيف أن تمثلات المرأة الفلسطينية في بعض الأعمال الإبداعية المحلية تشكّل خطابًا مضادًا لما ينتجه الخطاب الاستشراقي النسوي الغربي.

و"من تحليل الخطاب الروائي (البويطيقي) إلى تحليل النص المترابط (السيبرنطيقي) في المشروع النقدي لسعيد يقطين" لسعيد أوعبو، حيث تخوض دراسته في مستويات التحول النقدي في مشروع الناقد سعيد يقطين، من التخصص "البويطيقي" في تحليل الخطاب الروائي، إلى التخصص "السيبرنطيقي" في تحليل النص الروائي، وإظهار هذا الانتقال في خضم تلك التخصصات على أنه غير اعتباطي، بل يتأسس في اشتغال الناقد على نحوٍ دقيق مسترسل، لضمان الانتقال من المحايثة في الخطاب إلى الوظيفية في النص، وهو انتقال، أيضًا، من المنغلق صوب المنفتح، ومن الراوي إلى الكاتب، ومن المروي له إلى المتلقي. كل ذلك من دون إلغاءٍ لسؤال البنية؛ لأن البنيوية ظلت الأساس الذي شُيّد عليه المشروع النقدي ليقطين، وهي التي ضمنت له عبورًا متدرجًا وسلسًا للتحليل، انطلاقًا من النص الورقي، ووصولًا إلى النص الرقمي.

و"تمثيل الهوية الهجينة في رواية ’ساق البامبو‘ لسعود السنعوسي" لمحمد بوعزة، تناول فيها موضوع الهوية الهجينة في رواية ساق البامبو، من منظور سردي ثقافي يربط وظيفة السرد بالمرجعيات الثقافية. وتتطرق دراسته في الجزء الأول إلى المفاهيم التي ترتكز عليها هذه المقاربة نظريًا، وتحلل في الجزء الثاني الكيفية التي يجري من خلالها بناء هذا النمط المعقد من الهوية، انطلاقًا من عناصر التخييل السردي. وتخلص إلى أن الهوية السردية لبطل الرواية تتشكل في سيرورة من الإزاحات الثقافية والانزياحات الدلالية.

و"نقد منهج التأريخ الكولونيالي للفكر العلمي في الصين: مفارقة جوزيف نيدهام" لخالد قطب، يبحث فيها في مدى الإسهام في مجال فلسفة تاريخ العلم، ويركّز على نقد منهج التأريخ الكولونيالي للفكر العلمي في الصين الذي انتهجه المؤرخ الإنكليزي جوزيف نيدهام (1900–1995) في المجلد الثاني من كتابه العلم والحضارة في الصين: تاريخ الفكر العلمي (1956). وقد استند نيدهام في تأريخه للفكر العلمي في الصين إلى منهج تأريخي كولونيالي أيديولوجي، يكشف عن تحيزات للمركزية الأوروبية الغربية. وتحاول الدراسة أيضًا أن تبيّن أن نيدهام على الرغم من أنه قدّم جهدًا تأريخيًا كبيرًا للعلم والحضارة في الصين، فإن هذا الجهد كان يحمل فرضيات مسبقة، تفترض غياب الفكر العلمي عن هذه الحضارة؛ الأمر الذي جعل منهجه يتعرض لنقد مؤرخين وعلماء اقتصاد وأنثروبولوجيين، منهم على سبيل المثال أندريه غوندر فرانك، وجاك غودي.

و"مفهوم السياسات الحيوية بين ميشيل فوكو وجورجيو أغامبين" لعامر شطارة ودعاء نصار، أكّدا فيها أن وجود السياسات الحيوية كان نتاجًا لتحولات وإمكانيات وآليات مرتبطة بالسلطة، لم تتوقف عند حدود معيّنة، أو ظروف تاريخية خاصة، وهو ما جعل منها بيئة نظرية وواقعية منفتحة أمام العديد من التأويلات والتحقيقات التي تتجه نحو المستقبل، لمواكبة نتائج ضبط الإنسان الذي يحتاج إلى وعي أكبر في ضوء طرائق الإخضاع التي باتت أكثر تخفيًا وأعلى تأثيرًا.

و"الإجماع ومآزق تجديده عند حسن حنفي" لعبد العزيز محمد الجابر، أكد فيها أن محاولة حسن حنفي الإسهام في التجديد الأصولي وإخضاع الوحي لمنهج النقد محلّ إشكال كبير، إضافةً إلى ما وقع فيه من لبس لبعض التفسيرات التي قدّمها لمفهوم الأصول. ومن أهمّ الأبواب التي تثير بعض الإشكاليات هو باب الإجماع. لذلك، وقع عليه اختيار الباحث ليكون نموذجًا لدراسة إشكالية تجديد أصول الفقه عند حنفي، وارتأى أن يعرض ما ذكره حنفي في مسألة الإجماع، ويُخضعه للنقد في ضوء نصوص الفقهاء، معتمدًا في ذلك على المنهجين الوصفي والنقدي. وقد توصلت دراسته إلى نتائج، منها: أنّ في أساس تصوّر حنفي لأصول الفقه إشكالات، كما أنه لا وجود لتجديد حقيقي لديه في مسائل الإجماع، إضافةً إلى أنّه عمد إلى وضع مصطلحات جديدة لمسائل تحدّث عنها الأصوليون، والحقيقة أنّه مجرد تجديد في الألفاظ، لا يرقى إلى مفهوم التجديد عندهم.

و"الأسئلة والتحولات من عصر العقل إلى ما بعد الحداثة" لمحمد عبد الله المحجري، سعى فيها إلى استقراء التحولات من عصر العقل إلى ما بعد الحداثة، وتحليلِها في أفق الأسئلة التي أسهمت في تشكُّلها، انطلاقًا من فرضية الارتباط الوثيق بين تخليق الأسئلة التأسيسية والتحولات. وقد رصدت دراسته تلك التحولات، باستقراء الأسئلة التأسيسية وآثارها في شكل يراعي التحقيب والخَطّية الزمنية، من عصر العقل إلى ما بعد الحداثة. وتمثلت الأسئلة التأسيسية بثلاثة أسئلة مركزية هي: سؤال المنهج الذي أسس عصر العقل، وسؤال التنوير الذي أسس الحداثة، وسؤال القيمة والجدوى الذي أسس جذور ما بعد الحداثة. وقامت الدراسة على مقاربة بينية بين الفكر الفلسفي والفكر الأدبي، في القرنين التاسع عشر والعشرين.

وفي باب الترجمة، تضمّن العدد ترجمة أنس إبراهيم لمقالة لمارسيلو سفيرسكي بعنوان "الصراع الفلسطيني - الصهيوني وإنتاج الأرض الفارغة". تهدف هذه الدراسة إلى تقديم نموذج تفسيري جديد للصهيونية يتجاوز مركزية الأيديولوجيا في تفسير الصراع الفلسطيني - الصهيوني، وكذلك في تفسير الدوافع المحركة للصهيونية بوصفها حركة استعمارية استيطانية منذ ظهورها الأول في فلسطين. وتقدّم الدراسة، التي تربط بين الفلسفة الدولوزية والنظرية ما بعد الاستعمارية، تحليلًا اجتماعيًا سياسيًا للكشف عن الوقائع المادية والظروف التاريخية التي شكلت صيرورات الصراع الأولى، ولا تزال تمنحه استمراريته في الحاضر، وذلك من خلال الاستعانة بمفهوم الأرض الفارغة الذي يجري ربطه على نحو أساسي بالآلات الصهيونية الراغبة التي تعمل على إخفاء الآخر العربي، والتي تفسّر بوصفها آليات الإنتاج الاجتماعي المتواصل للإزاحة والإحلال في إطار شكل معيّن من الاستعمار الاستيطاني هو الشكل الصهيوني.

وفي باب "مراجعات الكتب"، وردت مراجعة لكتاب تاريخ موجز للعلمانية لغرايم سميث، أعدّها كمال طيرشي، ناقش فيها أن الكتاب يحاول المنافحةَ عن مسألة طالما فُهمت فهمًا مغالطًا، وفُسِّرَتْ وفق رؤية ضيقة حجبت الفهم الصحيح للعلمانية، وأخرجتها من جوهرها الذي تأسست به وانبنى عليه أهم مرتكزاتها، خصوصًا ضد أولئك الذين يقرنون ظهورَ العلمانية بأفول الدين (المسيحية تحديدًا)، ولكأن العلمانية جاءت لتُجهز على الدين وتعلن موته، بسببٍ من تنامي الإلحاد في الغرب. وقد سبق أن تبنّى هذا التصور الفلسفي أيضًا الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، ولا سيما في جل كتاباته المتأخرة التي نذكر في مقدمتها كتابه الدين في حدود مجرد العقل، مؤكدًا أن الصلة متينة بين ما هو أخلاقي وما هو ديني، من حيث إن الأخلاق ليست في حاجة إلى الدين من أجل نهوضها، بل هي مفاهيم مستقلة بذاتها بناءً على ما يوضع لها من قواعد العقل العملي، كما أن القانون الأخلاقي الذي تحتكم إليه جميع الكائنات العاقلة يلزم عنه التسليم بوجود كائن أعظم لهذا الكون، وهو في الأساس مسلَّمة تمخضت عن الأخلاق، وطبعًا من دون أن نعتبرها الأصل في ظهور الأخلاق . وهو ما يتبناه المؤلِّف حرفيًّا؛ فنجده يقول إن العلمانية "هي الالتزام بعمل الخير، بمفهوم المسيحية التقليدية، ومن غير أدنى اهتمام بتفاصيل التعاليم الكنسية، هكذا تصبح الرغبة في أن نكون خيّرين وفاعلي خير، رغبة يدعمها شعور متعاطف تجاه فكرة ’الله‘".

وتقديرًا وعرفانًا منا بالجهود الكبيرة التي قام ويقوم بها الباحثون المساهمون معنا بدراساتهم وأبحاثهم في دورية تبيُّن، منذ صدور عددها الأول في خريف 2012 إلى يومنا هذا، وخدمةً للبحث العلمي والمعرفة الهادفة إلى تحقيق أعلى المعايير في الدراسات والأبحاث الجادة والرصينة في مجال الفلسفة والفكر النقدي وفق منهج قادر على تحليل المفاهيم والافتراضات، والتفكيك والتجاوز والتركيب، وصياغة المفاهيم والنظريات والحجج من أجل التوصل إلى استنتاجات واضحة المعنى ومدعمة بالدليل حول موضوعات النقاش، قرر المركز العربي إتاحة جميع أعداد دورية تبيُّن للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية للتحميل المجاني، عبر موقعها الإلكتروني، لمجتمع الباحثين والمهتمين بالدراسات الفكرية والفلسفية، وهذا ما سيتيح لهم الإفادة منها، وستكون جميع محتويات الدورية متاحة مجانًا على موقعها الإلكتروني، عبر الرابط التالي: https://tabayyun.dohainstitute.org/ar


** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.