العنوان هنا
تقييم حالة 26 سبتمبر ، 2012

الفلسطينيّون في سورية والانتفاضة السوريّة

الكلمات المفتاحية

مقدّمة

حتّى النّصف الأوّل من القرن العشرين لم تكن بين فلسطين وسورية حدود، وكان الاندماج بين الشّعبين الفلسطينيّ والسوريّ اقتصاديًّا واجتماعيًّا. وشارك السوريّون في ثورة عام 1936 الفلسطينيّة، كما ساهموا في محاولة صدّ الهجمة الاستيطانيّة على أراضي فلسطين عام 1948، والتي انتهت بالنّكبة. وبدأت هجرة الشّعب الفلسطينيّ إلى مناطق الجوار، واستقبلت سورية عددًا كبيرًا منهم. ووجد الفلسطينيّون في الشّعب السوريّ سندًا لهم في أزمتهم المأساويّة.

منذ لجوء الفلسطينيّين إلى سورية عام 1948، شرّعت السّلطات السوريّة إقامتهم فيها، فأصدرت القوانين والقرارات لتنظيم وجودهم على الأراضي السوريّة [1]، بما يضمن لهم حياةً كريمة ويحفظ هويّتهم الوطنيّة. وبموجب هذه القوانين باتوا سوريّين من حيث الحقوق والواجبات وفلسطينيّين من حيث الانتماء الوطنيّ. وهذا ما فسح لهم المجال كي يساهموا في بناء سورية بعد الاستقلال على قدم المساواة مع أشقّائهم السوريّين. وفتحت لهم مجالات العمل كأشقّائهم السوريّين، فانخرطوا في الحياة الاقتصاديّة، وبرز منهم رجال الأعمال وأصحاب المصانع والتجّار، إضافةً إلى أصحاب المهن والأعمال الحرّة [2]. والمظهر الوحيد للخصوصية الفلسطينية في سورية هو وجود المخيّمات. وكانت المحافظة على هذه الخصوصيّة بإرادتهم، وليس لكونها مفروضة عليهم. وتقيم في هذه المخيمات الشّرائح الاجتماعيّة كافّة، فهي ليست مكانًا للفقراء من الفلسطينيّين، بل مفتوحة للآخرين وليست مغلقة على ذاتها أو "غيتو" فلسطينيًّا، إذ يقيم فيها سوريّون أيضًا، كما أنّها مندمجة في محيطها السوريّ. وهنا لا بدّ من التّوضيح أنّ من يقيم في المدن السوريّة من اللّاجئين الفلسطينيّين هم أكثر ممّن يقيمون في المخيّمات.

شارك الفلسطينيّون في الحياة السياسيّة السوريّة على نحوٍ فاعل وكجزءٍ منها، وما شجّعهم على ذلك أنّ تحرير فلسطين كان قضيّة محوريّة لمكوّنات الحركة الوطنيّة السوريّة، فانتسبوا لها على كالسوريّين دون أيّ تمييز، واحتلّوا مواقعَ قياديّة فيها، مثل حزب البعث وحركة القوميّين العرب وجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي والحزب القوميّ السوريّ. وساهموا في وضع سياسات هذه الأحزاب وبرامجها المختلفة. كما تبوّؤوا وظائفَ عليا في الدّوائر الحكوميّة، من مديرين عامّين، ورؤساء دوائر، ورؤساء جامعات، ووزراء مُنحوا الجنسيّة السوريّة للتكيّف مع القوانين السوريّة.

كما ساهم الفلسطينيّون في بناء الجيش السوريّ في مرحلة ما بعد الاستقلال. فاستقبلت سورية مجموعة من الشبّان الفلسطينيّين (65 شابًّا من مختلف أقضية فلسطين ومدنها)، كانوا قد تطوّعوا للتدرّب كضبّاط في "مدرسة الضبّاط الفلسطينيّين" في قطنا بالقرب من دمشق، والتي فُتحت بقرارٍ من قيادة جيش الإنقاذ لهذه الغاية. وتخرّجوا فيها بعد النّكبة، وبقي العديد منهم في الجيش السوريّ متطوّعًا. وهؤلاء منحتهم الحكومة السوريّة الجنسيّة السوريّة بموجب مرسومٍ خاصّ تحت رقم 1327 بتاريخ 17/8/1950، وقّعه رئيس الجمهوريّة هاشم الأتاسي، وقد تسلّموا مواقعَ مهمّة في الجيش السوريّ[3].

وفي إطار المساواة في الحقوق والواجبات، يخضع الفلسطينيّون لخدمة العلم (التّجنيد الإجباريّ) في هذا الجيش كالسوريّين. كما سُمح لهم بالتطوّع فيه، والتدرّج إلى أعلى الرّتب. وبما أنّ بعض الأنظمة الخاصّة بالجيش تنصّ على أنّ الرّتب العليا مقتصرة على السوريّين فقط، وليس لمن هم في حكمهم (أي الفلسطينيّين) فقد أعطتهم السّلطات السوريّة الجنسيّة السوريّة.


[1] للاطلاع على هذه القوانين يمكن الرجوع إلى إصدارات الهيئة العامة للّاجئين الفلسطينيّين في سورية، مثل كراس "اللاجئون الفلسطينيّون في الجمهوريّة العربيّة السوريّة: قوانين- مراسيم- قرارات- خدمات- بيانات- إحصائيات". ومن أهمّها القانون رقم 260 الذي أقرّه مجلس النوّاب السوريّ وأصدره رئيس الجمهورية شكري القوتلي بتاريخ 10/7/1956. تنصّ المادة الأولى منه على: "يُعتبر الفلسطينيّون المقيمون في أراضي الجمهوريّة السوريّة بتاريخ نشر هذا القانون كالسوريّين أصلا في جميع ما نصّت عليه القوانين والأنظمة النافذة المتعلّقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم مع احتفاظهم بجنسيّتهم الأصلية". ولا يزال يعمل به.

[2] مثل: محلات ملبوسات فريج، ومحلات ملبوسات آسيا، ومعمل ألمنيوم عمورة،....إلخ.

[3] لمزيد من المعلومات عن هذا الموضوع، يمكن الرجوع لكتاب: حسن أبو رقبة، أزهار وأشواك: مذكّرات ضابط فلسطيني، ط2 (بيروت: باحث للدراسات، 2010).