العنوان هنا
تقارير 04 أبريل ، 2013

المؤتمر السّنوي الثّاني للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة

نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة يومي 30  و31 آذار / مارس 2013، مؤتمره السّنوي الثّاني للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة. واختير للمؤتمر هذا العام موضوعان هما: "جدلية الاندماج الاجتماعي"، و "ما العدالة في الوطن العربيّ اليوم؟".

أقام المركز حفل الافتتاح الرسمي مساء اليوم الأوّل من المؤتمر، بعد أن كانت أعماله انطلقت صباحًا. وقد تحدّث في حفل الافتتاح كلٌّ من المدير العامّ للمركز الدكتور عزمي بشارة، ورئيس جامعة حمد بن خليفة الشيخ الدكتور عبد الله بن علي آل ثاني، والدكتور كمال عبد اللطيف، والمستشار طارق البشري.

دعوة للتعاون بين المراكز البحثيّة العربيّة

وفي كلمة بالمناسبة، أشاد الشيخ الدكتور عبد الله بن علي آل ثاني رئيس جامعة حمد بن خليفة بالدور الريادي والمؤثّر للمركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، إذ أثبت تميّزه في مجال البحث العلمي والدراسات الإستراتيجيّة في وقتٍ قصير.

وأكّد الدكتور عبد الله بن علي آل ثاني على اهتمام جامعة حمد بن خليفة التي يشرف عليها، بتعزيز التعاون مع المؤسسات البحثية والجامعية وعلى رأسها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، في سبيل خدمة الحياة العلميّة والفكريّة داخل قطر وفي المنطقة العربيّة. وأضاف أنّ أعمال المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومنشوراته أصبحت توفّر مادّةً علميّة غنيّة ومتميّزة للباحثين والمفكّرين والعلماء وعموم الطلبة العرب.


حجب الجائزة العربيّة للعلوم الإنسانية والاجتماعية لهذا العام

قدّم الدكتور كمال عبد اللطيف تقرير لجنة الجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة في دورتها الثانية، والتي كان التنافس فيها ضمن موضوعين، الأوّل هو: "جدليّة الاندماج الاجتماعي وبناء الدولة والأمّة في الوطن العربيّ"، والثاني هو: سؤال "ما العدالة في الوطن العربيّ اليوم؟".

وأوضح أنّ لجنة الجائزة تلقّت 141 ترشيحًا، 80 منها في موضوع جدليّة الاندماج الاجتماعي، و61 مشروعًا في موضوع العدالة. وكان لجمهورية مصر العربية العدد الأكبر من الترشيحات بما يعادل 32 ترشيحًا، وتوزّعت الأخرى على باقي الأقطار العربيّة. وبعد التقييم الأوّلي، قبلت اللجنة 19 ترشيحًا، تتوزّع كالتالي: ستّة مشاريع أبحاث في موضوع جدليّة الاندماج الاجتماعي ضمن فئة الباحثين، وخمسة أبحاث ضمن فئة الباحثين الشباب في الموضوع نفسه، وثمانية ترشيحات في موضوع "ما العدالة؟". وقرّرت اللجنة دمج فئتي الباحثين والباحثين الشّباب في هذا الموضوع لقبول ترشيح وحيد في فئة الباحثين الشباب.

وتوزّعت الترشيحات بين الدول العربيّة إلى خمسة مشاريع من المغرب، وثلاثة من فلسطين، وثلاثة من مصر، وثلاثة من الجزائر، واثنين من تونس، واثنين من موريتانيا، وواحد من الكويت، وواحد من اليمن.

وأكّد كمال عبد اللطيف أنّه بعد استيفاء الترشيحات شروط الجائزة وقواعدها، ومرورها عبر مراحل التحكيم والتقييم المقرّرة، خلصت لجنة الجائزة إلى قرار حجب الجائزة لهذه السنة عن الأبحاث المقدّمة في الموضوعين معًا، سواء في فئة الباحثين أو الباحثين الشباب. وذلك لعدم استجابتها للمعايير المحدّدة في سلّم التقييم المنصوص عليه في لوائح تقييم الجائزة.

وفي ختام تقرير لجنة الجائزة، أعلن الدكتور كمال عبد اللطيف أنّ موضوعَي الجائزة للسنة المقبلة، هما: "التاريخ" وتاريخ الراهن بالذات"، و"التنمية الاقتصاديّة العربيّة".

العدالة التي تقوم على الهويّات لا تؤسّس دولة

ألقى الدكتور عزمي بشارة كلمة في حفل الافتتاح الرسمي للمؤتمر السنوي الثاني للعلوم الاجتماعية والإنسانية، شرح من خلالها مبرّرات اختيار موضوعَي المؤتمر: جدلية الاندماج الاجتماعي، وما العدالة في الوطن العربي اليوم؟

ورأى الدكتور عزمي أنّ الفرصة سانحة اليوم ليقدّم الفكر والحضارة العربيّان مساهمة كونية في فكرة العدالة التي مرّت بتطوّرات تاريخية عديدة. وقال في هذا الصدد: "لقد مرّت فكرة العدالة بأطوار تاريخية بحيث أدمجت أوّلًا التعامل بالمثل كما في شريعة حمورابي، أي العدالة كمعاملة بالمثل. ثمّ أدخلت فكرة المساواة في نطاق مفهوم العدالة لاحقًا في القرن التاسع عشر في الأيديولوجيا وليس في العلوم الاجتماعية، فالمساواة موقف وليست نظرية، وظهر ذلك في الأيديولوجيات المستوحاة من الثورة الفرنسيّة. وبعد ذلك أدخلت فكرة الحرّية في مضمون مفهوم العدالة. وبرأينا، إذا أردنا أن نساهم كعرب في العلوم الاجتماعية في هذه المرحلة وأخذًا بعين الاعتبار الواقع العربي، لأنّ المساهمات الكونية في العلوم الاجتماعيّة هي في الواقع مساهمات محلّية لثقافات مهيمنة، وهي كونية لأنها محلّية، فإنّ مساهمتنا الكونية في العلوم الاجتماعية يجب أن تنطلق من واقعنا. وفي واقعنا لا توجد قضية أهمّ من قضية فشل الاندماج الاجتماعي. وليس بالإمكان تحقيق العدالة من دون تحقيق الاندماج الاجتماعي، ونقصد بذلك الاندماج الثقافي والاقتصادي وعلى مستوى الهويّة وعلى مستوى المواطنة".

وتابع قائلًا: "إذا كان البعض يسند الفضل إلى جون رولز كمن جمع فكرة الحرية بالعدالة مع أنّ دلالة العدالة اللفظية والاصطلاحية لا علاقة لها بالحرية، بل أدخلت في العصر الحديث، فهل سندخل نحن إلى العدالة فكرة الهويّة وفكرة الاندماج الاجتماعي؟ فتكون هذه ربّما المساهمة الكونيّة التي تقدّمها الحضارة العربية في صراعها الحالي في مستوى الثورات".

وأوضح الدكتور عزمي أنّ ما نعرفه من دخول المساواة كأيديولوجيا في فكرة العدالة، بمعنى المساواة الاجتماعية، وبمعنى مصادرة الملكيّة الخاصة وبمعنى توزيع الخير الاجتماعي بين الناس بحسب الحاجة أو بحسب الاستحقاق، والتي جاءت بها نظريّات الفكر الاشتراكي المختلفة في القرن التاسع عشر، هي في الحقيقة أيديولوجيات، وهي مواقف وليست علمًا. فيما أنّ الانقسام الفكري الذي سبق هذه الأيديولوجيات هو الانقسام بين فكرة المنفعة وفكرة الحرية، بين جيرمي بنثام وإيمانويل كانط، أي هل بالإمكان تأسيس الأخلاق ومن ضمنها العدالة كموقف أخلاقي، على فكرة السعادة أم أنّ السعادة لا يمكن أن تُبنى عليها الأخلاق وإنّما يجب أن تبنى على مبدأ آخر أسماه كانط الواجب الأخلاقي، وهو في الواقع يقصد الحرية.

وأكّد أنّ المعتزلة توصّلوا إلى هذه الفكرة: أنّ العدل يقوم على الحرية، وأنّه لا يمكن أن تحسم موقفًا إن كان عادلًا أو غير عادل إذا لم تكن حرًّا، فلا يمكن أن يحاسب المرء على أخلاق أو مبدأ أخلاقي من دون مبدأ الحرية. ولذلك سُمّي المعتزلة أهل العدل والتوحيد. وأشار إلى أنّ النقاشات الأيديولوجية السائدة بين التيارات السياسية المختلفة واعتبار الإسلام تيارًا سياسيًّا تسبّبت في إهمال موضوعاتٍ رئيسة في الفكر الإسلامي جرى التطرقّ إليها، ولكن تتّخذ منها اليوم مواقف أيديولوجية من غير وجه حقّ.

وقاد بشارة تحليله فكرة العدالة ليصل إلى جوهر الموضوع في الوطن العربيّ اليوم، فبما أننا نتحدّث عن العدالة في عصرنا في إطار وحدات مرجعية، فإنّ إطار العدالة في العصر هو الدولة الوطنية. فالدولة مرجعية لفكرة العدالة، لذلك علينا أن ننظر في الدولة العربية، هل لدينا دولة يكون فيها معيار العدالة هو مرجعية الدولة وليس الهويّات؟ "فإذا كان الإطار المرجعي هو الدولة، والعلاقة بين الإنسان والدولة تسمّى المواطنة، يفترض أن تكون مرجعية العدالة هي فكرة المواطنة. وإذا كانت هناك عدالات متعددة في الدولة (كلّ واحدة خاصّة بالمتساوين في فئة واحدة) فإنّ ذلك يؤسّس لكيانات سياسية متعددة وليس لكيان واحد. وما يسمّى التعايش هو هروب من الموضوع الرئيس، فالتعايش يحمل معنى التهدئة... تهدئة الحرب الباردة التي قد تتحوّل في أيّ لحظة إلى حربٍ أهلية. العدالة لا تقوم على التعايش بل تقوم في إطار مرجعي واحد اسمه الدولة، لا في إطار متعدّد متعايش. فبالإمكان صوغ نماذج تأخذ الهويّات الأهلية بعين الاعتبار، ولكن يجب أن تتأسّس على ما سبق ودخل على مفهوم العدالة، ألا وهو الحرية. إنّ الهويّة في رأيي في مفهوم العدالة الحديث لها معنى حقوقي إذا تأسّست على فكرة الحرية، بمعنى أنّ من حريتي أن تكون لي هويّة، وحقّي كمواطن يكفل لي أن تكون لي هويّة، أمّا إذا اشتقّ حقّي من الهويّة وليس أنّ الهويّة حقّي، وإذا اشتقّت الحرية من الهويّة، بمعنى أنني حرّ في داخل هذا الإطار الطائفي الذي يحمي حريتي، نكون قد هدمنا كلّ التاريخ الذي بُني عليه تطوّر مصطلح العدالة، وهذا يؤسّس لكيانات متعددة وليس لكيانٍ موحّد. أنا لست فكريًّا ضدّ أن نطوّر كعلماء علم اجتماع وعلوم سياسية أو سياسيّين، فكرة الكيانات الهوياتية داخل الدولة، لكنها يجب أن تقوم على مبدأَي المواطنة والحرية وليس العكس بأن يقوم مبدآ المواطنة والحرية على الهويّات، بمعنى أنّ هذه الهويّات هويّات اختيارية، أي أنْ أختار أن أُؤطّر في إطار طائفي معيّن ولديّ الحرية في أن أتخلّى عنه إذا شئت. والمبدأ الثاني أن تقوم هذه الكيانات على أساس المساواة بين المواطنين. أمّا إذا بدأنا بالهويّات، فلن نؤسّس لعدالة بمعناها المعاصر الذي خلفه تاريخ، بل نبدأ تاريخًا جديدًا خاصًّا بنا أخشى أن يقود إلى حروب أهلية".

تبعات أساليب تشكيل الدولة القطرية العربيّة في حاجة إلى معالجة

خُتم الحفل بمحاضرة للدكتور طارق البشري موضوعها: "حول حركية تشكّل الجماعات السياسية". أكّد البشري في مستهلّ محاضرته على أنّ تنوّع معايير التصنيف التي تميّز بين الجماعات تعدّ جامعة وليست مانعة. وأضاف أنه يتعيّن لانتماء الجماعة السياسيّة أن يكون قادرًا على حمل الوظائف التي تُطلب منه.

وقال البشري: "إنّ عناصر ما يمكن أن تقوم عليه الجماعة السياسيّة، تكون عادةً مجتمعة، فما من فردٍ في جماعة إلّا وهو مشمول بعلاقاتِ نسَبٍ، أو هو مشارك غيره في لغةٍ تجمعهم، وفي عقيدةٍ تشملهم. وإنّ أحداث التاريخ وعلاقات الجماعات البشريّة بعضها ببعض هي ما يرجّح اعتبار واحد من هذه العناصر هو الذي يمثّل العنصر الجامع إزاء غيره من العناصر الأخرى، هي كلّها مرشّحة لتكوين دوائر انتماء".

وأشار البشري إلى أنّه ينبغي النظر إلى دوائر الانتماء على تعدّدها والبحث في أساليب تعاملها مع بعضها البعض. وإنّ من أهمّ ما يتعيّن ملاحظته أنّ دوائر الانتماء هذه في تفاعلها مع بعضها البعض إنّما يكون الرجحان في الظهور بشأنها وتبوّؤ الصدارة الحاكمة هو لما يمكن أن يتمتّع منها بتشكيل تنظيمٍ يفوق غيرها. وأضاف أنّه يستحيل في هذا الصدد تجاهل الأثر الكبير لأساليب تشكيل أجهزة الدولة القطريّة في بلادنا، وأنّه ينبغي البدء من هذا الواقع الموجود والنظر في كيفيّة معالجته وتطويره وتعديله. وليكون لنا في تجربة الاتّحاد الأوروبي درسٌ يُستفاد. وفي هذا السياق، قدّم البشري أربعة مقترحات لبلوغ هذا الهدف.