العنوان هنا
تقارير 21 فبراير ، 2012

الثّورة اليمنيّة : الخلفية –الخصوصية –الآفاق

الكلمات المفتاحية

الدوحة :18-19شباط / فبراير 2012

عقد "المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات" خلال الفترة الواقعة بين 18-19 شباط / فبراير 2012 في الدوحة- قطر، ندوةً فكريّةً- سياسيّةً علميّةً، تحت عنوان "الثورة اليمنيّة: الخلفيّة- الخصوصيّة- الآفاق"،  شارك في بحوثها (15) باحثًا متعدّدو الاختصاصات من اليمن ودول عربيّة أخرى، وشارك في مناقشاتها نخبة من المختّصين وأصحاب الرّأي والأكاديمييّن والصحفيّين والمحلّلين. ويأتي انعقاد هذه النّدوة في سياق متابعة المركز العلميّة لعمليّات التغيّر الاجتماعيّ الكبيرة الجارية في الوطن العربيّ، ولاسيّما في البلدان التي قامت فيها الثّورات، بهدف الوقوف على ما هو مشترك بينها وما هو مختلف، وما هو خاصّ في هذه الثّورات وما هو عامّ؛ مع محاولة استنباط نظريّةٍ للثورات العربيّة من النّتائج المترتّبة عليها.

لقد ركّزت النّدوة على مقاربة قضايا الثورة وخلفيّاتها وتطوّرها وزخمها والظّواهر الجديدة التي أفرزتها في ضوء ديناميّاتها؛ والوقوف عند الفاعلين الاجتماعيّين والسياسيّين الأساسيّين فيها، والنّظر في بروز تحرّكات الفئات الشابّة، وفي دور المرأة اليمنيّة في مسار الثورة وتوجُّهاتها. وذلك في ظلّ مجتمعٍ لاتزال فيه القوى الاجتماعيّة القبليّة تقوم بدورٍ كبيرٍ في عمليّات الضّبط الاجتماعيّ، ممّا يندر وجوده بمثل هذا الدّور والتأثير في الدّول العربيّة الأخرى، التي شهدت ثوراتٍ وحركاتٍ احتجاجيّةً. ولذلك فإنّ دراسة طبيعة الثورة اليمنيّة، وتحليل أبعادها، واستنباط مساراتها، ورصد تحوُّلاتها وانقساماتها يُعدّ حاجةً لم تحظ سابقًا بالاهتمام والدّراسة. وفي هذا المجال برزت قضايا مهمّة في البحث والنّقاش، مثل دور الأحزاب ومنظّمات المجتمع المدنيّ في التغيير السياسيّ؛ ورصد الاتّجاهات الأساسيّة المحتَمَلة لتطوّر نظام الحكم الجديد المحتمَل في اليمن، في المجالات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة؛ وطبيعة التّحدّيات المطروحة على الوحدة اليمنيّة، من جرّاء احتمالات انقسام المؤسّسة العسكريّة، وبروز الدّعوات إلى الانفصال والتّشرذُم الجهويّ، وإعادة هيكلة الدولة اليمنيّة بتحويلها من دولةٍ بسيطةٍ إلى دولةٍ مركّبةٍ، وواقع الظاهرة الحوثيّة واحتمالات تطوّرها.

 وقد نظر المحور الاقتصاديّ في إشكاليّاتٍ هي التالية: بنية الاقتصاد اليمنيّ الكليّة والقطاعيّة، وآثار تطبيق برامج إعادة الهَيْكلة والتّثبيت النقديّ في المستويات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة؛ والوقوف عند التحدّيات التي تواجه ذلك الاقتصاد، وتحديد الشّركاء الإقليميّين والدوليّين في عمليّة التّنمية؛ وبحث ظواهر نفور المشاريع الاستثماريّة من الاستثمار في البيئة اليمنيّة بسبب الفساد، وتشكّل طبقة بيروقراطيّة عائليّة وشبه عائليّة ترفع كلفة الإنتاج بفرض نوعٍ من "إتاواتٍ" محدثة عليه، وهشاشة البنى المؤسّسية للسّوق، ومحاولة القوى البيروقراطيّة المسيطرة فرض شراكةٍ "مافيوزيّة" على المشاريع الخاصّة.

وفي المجال الاجتماعيّ، ركّزت النّدوة على دور القبيلة اليمنيّة في الثورة وموقعها منها، وما شهده بعض القبائل من انقساماتٍ أثناءها، والآثار المحتمَلة للثّورة على طبيعة البنية القبليّة، ومدى تغيّر وظائفها وأدوارها. وفي سياق هذا المحور، وقعت مقاربةُ دور وسائل الاتّصال الاجتماعيّ في الثّورة، وفي عمليّات التجمّع والاحتشاد وتسمية الجُمَع. وأَفرَد هذا المحور لتحرّك الشبّان ورقتين، ناقشت إحداهما ثورتهم من زاوِيَتي المحدّدات والآفاق، والعوامل التي دفعتهم ليكونوا في طليعة عمليّة التّغيير والثّورة؛ في حين كانت الأخرى دراسة ميدانيّة استبيانيّة عن دورهم في ساحات التّغيير، وانعكاسات ذلك على تأسيس يَمَن المستقبل. كما كشفت التغيّرات الكبيرة في القضايا المطروحة، وفي أنماط السّلوك والاتّجاهات العامّة.

ثمّ اختُتمت النَّدوة بمائدةٍ حواريّة مستديرة، نوقشت فيها حصيلةُ الجلسات، وما أثارته من أسئلةٍ وقضايا وإشكاليّاتٍ متكاملة وخلافيّة في آنٍ واحد، تقتضي حوارًا مستمرًّا، في ضوء التغيُّرات الجارية. وكان هناك حرصٌ على طرح القضايا التي لم تطرحها الأوراق البحثيّة؛ كقضيّة بروز دور المرأة اليمنيّة الميدانيّ والكثيف في مجريات الثورة. فقد مثّل ذلك الدّور أوّلَ حضورٍ تاريخيّ فاعل للمرأة اليمنيّة في المجال العامّ، وعبّر عن عمق التغيّرات الاجتماعيّة الهيكليّة التي شهدها اليمن الحديث خلال النّصف الثاني من القرن الماضي وحتّى الآن، واندرج ضمن تحرّكات القوى الاجتماعيّة التي كانت "مكبَّلة" و "مُحتجَزة" و "معزولة" عن الفضاء العامّ، وانطلاقها. وقد شخّصت الحوارات دخول الثورة اليمنية في طور مرحلةٍ انتقاليّة جديدة، حالما يُنتخب الرّئيس التّوافقي يوم 21 شباط / فبراير 2012. وستستمرّ على مدى سنتيْن؛ سيقع خلالهما تحديد الأسس المؤسسيّة لنظام الحكم والمجتمع والشّأن العامّ في اليمن بعد الثورة، من زاوِيتَي الحرّية والديمقراطيّة والدّور الفاعل للأحزاب والنّقابات ولمختلف الفاعلين الاجتماعيّين-السياسيّين ومنظّمات المجتمع المدنيّ في الحياة العامّة.

قضايا الحوار

طُرحت في مناقشات الجلسة الحواريّة تسع قضايا مهمّة مثّلت أبرز مشاغل النّدوة؛ وهي على التوالي:

1. القبيلة اليمنيّة ودورها السِّياسيّ الاجتماعي؛ إذ حظِي موضوع القبيلة اليمنيّة بنقاشٍ واسعٍ ومعمّق، وتمحورت الآراء فيه حول ضرورة إسناد الفعل السياسيّ والسّياديّ للدولة دون غيرها، وإسناد الدّور الاجتماعيّ للقبيلة؛ وهو الأمر الذي يتطلّب تغليبَ المواطَنة على الانتماء القبليّ، وإنهاء مسألة ازدواج الولاء والاعتماد على الخارج الإقليميّ في الحصول على الأموال؛ هذا فضلًا عن وضع أسس نهاية العقليّة الريعيّة التي يمثِّلها المشايخ؛ ممّا أدّى إلى صنع طبقةٍ من المشايخ ترتبط بمصالح جهاتٍ خارجيّة على حساب الانتماء الوطنيّ والمواطنة، وعلى حساب تنمية مناطقهم والنّهوض بها.

2. دور المعارضة الحزبيّة (أحزاب اللّقاء المشترك) في الثورة من جهة، وفي هيمنتها على القرار السياسيّ في ساحات التغيير على حساب دور الشّباب الصّانع للثورة من جهةٍ أخرى. وفي هذا المجال طُرحت وجهات نظر متعدّدة بشأن الدّور الذي يقوم به كلٌّ من الأحزاب والشّباب، ووجوه التّعارض والتكامل فيه. ووقع التوصّل إلى أهميّة الشّباب والأحزاب في مسار الثورة؛ باعتبار أنّ الشّباب قد مثّل الروحَ المدنيّة الجديدة والأداة المحرِّكة للتّغيير في اليمن، وأنّ الأحزاب كانت أُطرًا سياسيّة منظّمة ومجرّبة. كما جرى التأكيد على أنّ هناك قطاعات واسعة من الشبّان الفاعلين في الثورة، انتَمت إلى الأحزاب القائمة، وإن ظهرت في صورة المستقلّة عنها. وتوقّع المتحاورون احتمال نشوء أحزاب أخرى، وظهور قيادات جديدة حتّى في صلب الأحزاب القائمة؛ في ضوء الدّور الذي اضطلع به الشبّان أثناء الثورة، وما أحدثته هي نفسها من تغيّرات هيكليّة في بنية الأحزاب والمنظّمات السياسيّة الحزبيّة القائمة.

3. وفي مجال قضيّة الجنوب، تلمّس الباحثون والمتحاورون وجود مسألةٍ جنوبيّة تسبّبت فيها -بدرجةٍ رئيسة- الممارسات الدكتاتوريّة والتسلّطيّة والتمييزيّة ضدّ الجنوبيّين؛ الأمر الذي من شأنه أن يضع الثورة أمام تحدٍّ صعب لحلّ المسألة الجنوبيّة في إطار وحدة اليمن دولةً وأرضًا، وعلى نحوٍ يزيل المظالم وآثار سياسات الغبن والتّمييز. بحيث يقع التوصّل إلى صيغةٍ جديدة لفلسفة الحكم في إطار يمنٍ ديمقراطيّ حديث، تقوم وحدته الأساسيّة على أساس قيمة المواطَنة، وإعلاء مبادئها وحقوقها وواجباتها على سائر الولاءات الفرعيّة الأهليّة الأخرى، بما في ذلك العصبيّات الجهويّة والمناطقيّة؛ وتنزيل مسائلها في إطار تقليص فجوات التّنمية، والنّهوض بسياساتها، وتطوير أطر التّعبير عن المشارَكة والمواطَنة، بما من شأنه أن يخفِّض من حدّة الاستقطاب والمناطقيّة. وجرى التّشجيع على النّظر إلى الوطن ككيانٍ واحد، والتّحذير من المخطَّطات الخارجيّة التي تدفع باتّجاه التّفتيت. والدّعوة إلى ضرورة منح الديمقراطيّة فرصة لكي تكون إطارًا لحلّ كلّ المظالم التّاريخية؛ ممّا يتطلّب مراجعةً للتاريخ في بعض الحالات، والجرأة على تغيير بعض المسلّمات كذلك.

4. أكّدت الندوة على مسألة الحرِّية بمعناها الإيجابيّ المُفضي إلى الديمقراطيّة؛ بحكم أنّها هدف الثّورات العربيّة الذي لا ينبغي التّنازل عنه. وحذّرت من عقليّة الاستبدال، أي استبدال رأس السّلطة فقط، وترك الأمور على حالها، لتعود إلى سابق عهدها.

5. أبرز الحوارُ دورَ الأحزاب الدّينية والإسلام السياسيّ في يمَن المستقبل؛ وذلك لأهمّية القاعدة التي يرتكز عليها. وحذّرت النّدوة من الانزلاق إلى متاهات النّكوص إلى مواقف تتضرّر منها المرأة التي شاركت في الثورة، وفئة واسعة أيضًا؛ بحيث يصبح المجتمع غير قادرٍ على استيعاب الجنوبيّين والحوثيّين.

6. وفي مجال مناقشة دورَي الشّباب والمرأة في التّغيير؛ وقع رصد الدّور البنّاء للشّباب من جهة، والحضور الفاعل للمرأة في ساحات التّغيير من جهةٍ أخرى. وجرى التّنصيص على أهمّية تأصيل دور المرأة السياسيّ وتطويره، حتّى تحظى بنصيبٍ في الحياة السياسيّة.

7. وفي المجال الاقتصاديّ؛ وقع رصد الوضع القائم، والتّنصيص على أهميّة قيام الجهات المعنيّة بدراسة الملفّ الاقتصاديّ في المرحلة الانتقاليّة، وضرورة صياغتها رؤية تنمويّة واضحة وسليمة وبنّاءة؛ تقوم على ربط النموّ بالتّنمية، وبناء القدرات البشريّة للإنسان اليمنيّ، ورفع مؤشِّرات التّنمية البشريّة، وسدِّ الفجوات التنمويّة -الأقاليميّة والمناطقيّة والجهويّة- لصالح سياساتٍ تنمويّة متوازنة تنتشل الاقتصاد اليمنيّ من كبوته. كما ركّز المتدخِّلون على وجوب إحداث نقلةٍ نوعيّة في الاقتصاد اليمنيّ؛ من حيث ترسيخ مفهوم الاقتصاد المنتج وتعزيز شروط التّنمية والازدهار؛ وذلك للمساعدة في بناء النّدِّية التي يطمح الثُّوّار إلى أن تكون من شروط تعامل اليمن المستقبليِّ مع شركائِه الاقتصاديّين إقليميًّا ودوليًّا. وتوصَّل المتحاورون إلى ضرورة ارتباط التطوُّر الاقتصاديّ في اليمن بقراراتٍ سياسيّة متعلِّقة بمحاربة الفساد، والتّعامل السِّيادي مع دول الإقليم، واستبدال المساعدات ذات الطّابع السياسيّ بالاستثمار والتّنمية الاقتصاديّة.

8. برز في النّدوة اتّجاه نقديّ من المبادرة الخليجيّة، من حيث حمايتها لنظام الحكم مقابل التّضحية بالرّئيس. وحذّرت النّدوة من استفحال قوى الثّورة المضادّة، ما لم يبادر الرّئيس المنتَخَب بعرض رؤيته وبرنامجه في سبيل إنجاح هدف المرحلة الانتقاليّة التي ستستمرّ سنتين.

9. وفي مجال العلاقات اليمنيّة - السعوديّة، توقّفت النّدوة عند رصد عناصرها السلبيّة، وأكّدت على أهمّية ترسيخ النِّدِيَّة في العلاقة البيْنِيّة ليمن المستقبل. وخَلُصت إلى أنّ تحوُّل اليمن إلى دولةٍ ديمقراطيّة، يمارس فيها المواطنون حقوقهم، ويؤدّون واجباتهم؛ هو السّبيل إلى تحقيق النِّدّيّة المنشودة في علاقات اليمن الإقليميّة.


شارك في أبحاث النّدوة والحوار الباحثون:

الدكتور حسن أبو طالب، الأستاذ عبد السلام يحيى، الأستاذ قادري أحمد، الدكتور فؤاد الصلاحي، الدكتورة نيفين مسعد، الدكتورة هدى علوي، الأستاذ عبد الباري طاهر، الدكتور عيدروس النقيب، الدكتور فضل الربيعي، الأستاذ عبد الله العاضي، الأستاذ علي الوافي، الأستاذ محمد الأفندي، الأستاذ عبد الكريم غانم، الدكتور يحيى الريوي، الأستاذ ماجد المذحجي، الأستاذ جمال المليكي، الأستاذ عبد الجليل المرهون.