العنوان هنا
دراسات 01 أغسطس ، 2011

التميز القبطي واستبعاد الدولة في مصر

الكلمات المفتاحية

تعد العلاقة بين الدولة وأي جماعة دينية إحدى معضلات العلاقة بين الدين والسياسة في أي مجتمع، لأن لجوء الدولة إلى استخدام الدين لتحقيق أهدافها السياسية يدفعها حتماً إلى التصادم مع الجماعات التي تدين بهذا الدين. ويزيد الأمر تعقيداً إن كان الدين يحتل موقعاً في المجتمع لا يمكن الاستهانة به أو التقليل من شأنه.

وفي ما يتعلق بالأقباط، هناك بديهية شديدة الوضوح مفادها أن القبطية ليست ديناً، ومصطلح "الأقباط" يعنى المصريين جميعاً، وهو النطق العربي لكلمة GYPT، وهى مشتقة من اليونانية AIGYPTUS، وأخذ الفرنسيون اللفظ EGYPTE، وأخذ الإنجليز اللفظ EGYPT، وأخذ الألمان اللفظ AGYPTEN. والكلمة اليونانية AIGYPTUS ترجع في أصلها إلى الكلمة الفرعونية HAKAPTAH أي "بيت روح الإله بتاح" وهو إله الخلق[1].

ومع حذف الحرفين الأولين أصبحت الكلمة تنطق GYPT "جبط"، ولما كان الحرف "G" لا ينطق في اللغة العربية إلا معطشا، قرّبه العرب إلى حرف القاف، فصارت الكلمة تنطق "قبط"، ومنها أخذ الأجانب كلمة[2] COPT. وأيا كان الأمر، فإن كلمة قبطي تسبق ظهور المسيحية وكانت الكلمة مستخدمة عند الفتح الإسلامي كاسم عام لأهل مصر والذين كانوا على الدين المسيحي، فأصبح المتداول بعد ذلك أن من دخل الإسلام أصبح مسلما ومن ظل على المسيحية ظلت مرتبطة به كلمة القبطي[3].

وبما أن طائفة الأقباط الأرثوذكس[4] تعتبر الطائفة الرئيسية من بين الطوائف المسيحية، حيث أنها الأقدم وجودا (جاءت إلى مصر على يد القديس مرقس الرسول البطريرك الأول ثم يتدرج بعده البطاركة حتى اليوم)، والأكبر عدداً من حيث الأفراد الذين ينتمون إليها والمؤسسات الدينية التي تملكها والتي تنتشر في أرجاء الوطن. واعتبارا لهذا، تقصد الورقة بالأقباط "المسيحيين الأرثوذكس أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية" العمود الفقري للمسيحية في مصر، والتي ينتمي إليها أكثر من 95% من أقباط مصر[5]. وتعتبر المؤسسة الكنسية الأرثوذكسية إحدى أعرق المؤسسات الدينية في مصر، فهي الأقدم من حيث الزمن، وبالتالي ترتبط الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بتاريخ النشأة الأولى للمسيحية في مصر[6].

وقبيل تحليل طبيعة العلاقة بين الدولة والأقباط كجماعة دينية، يتعين أولا التفرقة بين الأقباط كجماعة دينية تمثلها الكنيسة الأرثوذكسية دينياً، وبين الأقباط كفئة اجتماعية تنتشر في النسيج الوطني المصري لا يحول بينها وبين التمتع بسائر حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية أي عوائق. وبالتالي فالتوجهات السياسية للمؤسسة الكنسية لا تعبر بالضرورة عن توجهات الأقباط السياسية. فالمصريون الأقباط، على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والمذهبية، لا يمكن اعتبارهم كتلة اجتماعية أو سياسية واحدة مندمجة، ولكن المرجح أن عقودا من التوترات الدينية والطائفية، واندماج فئات واسعة داخل المؤسسات الدينية المسيحية الرسمية وغير الرسمية جعلت القيادات الدينية تؤدي أدوارا عديدة في تمثيل مصالح الأقباط وفي التعبير عنهم في المجال العام وإزاء الدولة.

كما أن الأقباط ذاتهم لا يشكلون كتلة واحدة، أو يتخذون موقفاً متماثلاً من القضايا العامة، ولاسيما في ما يتعلق بالشأن القبطي. إن عوامل من قبيل "الأوضاع التاريخية" و"الخلفية العلمية" و"الانتماء الطبقي" و"الإدراكات الشخصية" و"الموقع السياسي" تؤدي دورًا لا يستهان به في تحديد محتوى وشكل تناول "مفهوم الأقباط"[7].

ويمكن التمييز بين تيارين داخل الكتلة القبطية، فهناك التيار الديني بتنوعاته المتعددة سواء كانت الرسمية أو التقليدية، ويمثل البابا فيها مظلة لكل الاتجاهات الواردة داخل التيار الديني. أما التيار العقلاني أو العلماني، فهو التيار الذي يمثله العلمانيون الأقباط في المجتمع المصري، سواء عبر أحزاب سياسية أو المستقلين أو الحركات الاحتجاجية [8].

وتتمثل إشكالية البحث في تحليل العوامل التي أدت إلى بروز الهوية القبطية في مواجهة الدولة. هل لجأت الجماعة القبطية إلى تكريس خصوصيتها واختلافاتها لمواجهة سياسات الدولة تجاهها؟ وما هي العوامل التي ساعدت على بروز وتمايز الهوية القبطية؟ هل عمدت الدولة المصرية بدءاً من عام 2000 -أي خلال العشر سنوات الأخيرة- إلى استبعاد الأقباط كجماعة دينية مما دفع بهم إلى الانكفاء على الذات والإفراط في الشعور بالخصوصية والتميز؟ هل ألقى هذا الشعور -إن وجد- بظلاله على طبيعة علاقة المهادنة والموادعة المتبادلة بين الكنيسة والدولة؟ أم أن هذه العلاقة أخذت أشكالا من الصعود والهبوط تبعا للمعطيات القائمة والأوضاع المحيطة ؟ هل ينظر الأقباط حقا للمؤسسة الكنسية على أنها ممثلهم السياسي وأن رأي رأس الكنيسة المتمثل في البابا شنودة الثالث هو رأي جموع الأقباط الأرثوذكس؟ ما هي المحددات المحورية التي يمكن أن تشكل في سياقها الإطار الإدراكي والاتجاهي للأقباط أو لـ"الهوية القبطية"؟ وما هي طبيعة هذه المحددات والتناقضات البنيوية الداخلية التي تنطوي عليها هذه المحددات [9]؟

تحاول الورقة الإجابة على هذه التساؤلات في ضوء المنهج المستخدم.


[1] يسي عبد المسيح، اللغة القبطية في رسالة مارمينا العجايبى، (الإسكندرية: مطبوعات جمعية مارمينا العجايبى، 1979)، ص13.

[2] تقى الدين أبو العباس أحمد بن على المقريزى، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية، الجزء 1، (بيروت: دار صادر، د.ت)، ص18-19.

[3] زبيدة محمد عطا الله، قبطي في عصر مسيحي، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2004)، ص15.

[4] لا يوجد إحصاء رسمي يوضح العدد الفعلي للأقباط. ولكن كان أول تعداد لسكان مصر عام 1897 ثم 1907 ثم 1927 ثم 1937 ثم 1947 وتأخر تعداد 1957 لوجود حرب السويس ثم تعداد 1966 ثم 1976 وصولا لتعداد 1996. وتشير كل هذه التعدادات في أطلس معلومات العالم العربي ودائرة المعارف البريطانية والكثير من المصادر الأخرى أن نسبة المسيحيين بين 6-8% من السكان، ولما كان معدل الزيادة ثابتا تقريبا فيمكن القول أن نسبة الأقباط في مصر الآن بين 6-8% من إجمالي عدد السكان.

[5] جورج عجايبى، "ملامح أولية حول الكنيسة وحقوق الإنسان في مصر"، رواق عربي، نيسان/ أبريل 1997، العدد5،ص 113-120.

[7] سعيد النجار، "مفهوم المواطنة في الدار الحديثة"، رسائل النداء الجديد، العدد 64، أيار/ مايو 2003.

[8] هانى لبيب، "خريطة التيارات الفكرية والسياسية بين الأقباط المصريين"، بحث غير منشور، سبتمبر 2006.

[9] نبيل عبدالفتاح، "الإسلام والأقلية الدينية في مصر :التيارات والإشكاليات"، المستقبل العربي،العدد 30،1981، ص92-113.