/ACRPSAlbumAssetList/Images/image6782485c-896a-451b-8f87-2c98c7fa57e2.jpg
دراسات 17 أكتوبر ، 2011

الأبعاد السّياسيّة للظّاهرة القبليّة في المجتمعات العربيّة: مقاربة سوسيولوجيّة للثّورتين التّونسيّة واللّيبيّة

الكلمات المفتاحية

محمد نجيب بوطالب

عالم اجتماع تونسي ومهتم بالتنمية، والتربية والثقافة والعلوم. وهو أستاذ محاضر في علم الاجتماع في كلية العلوم الإنسانيّة و الاجتماعيّة، وأستاذ مؤطّر بشهادات الماجستير والتعمّق في البحث و الدكتوراه، ورئيس عدّة لجان امتحانات. وعمل خبيرا متفرّغا مكلّفا بالخطّة المستقبلية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من 2000 إلى 2003. له عدّة كتب ودراسات، كما نشر العشرات من المقالات.

في غمرة الثّورات العربيّة التي اندلعت مع بداية العام 2011، برزت في عدّة دول عربيّة أحداثٌ، حرّكتها النّزعة القبليّة التي أربكت المحلّلين وأثّرت في الحراك السّياسيّ وفي طبيعة الصّراعات القائمة بين الأنظمة السّياسيّة وبين المجتمعات المنتفضة. لكن درجة حضور المعطى القبَليّ بقيت متفاوتة بين مجتمعٍ وآخر بحسب طبيعة العلاقة التّاريخيّة بين النّظام والبنى الاجتماعيّة.

ورغم هذا التّفاوت، فإنّ بقايا البنى التّقليديّة وخاصّةً منها "القبيلة"، ظلّت تعرقل نشأة مكوّنات المجتمع المدنيّ في هذه المجتمعات وتعيق تطوّرها وأداءَها. ويُعدّ المثالان اللّيبيّ والتّونسيّ، رغم تجاورهما واختلاف مساريْ الثّورة فيهما، نموذجيْن معبّرين عن ظاهرة "عودة القبيلة" إلى حقل الفعل السّياسيّ والاجتماعيّ في المنطقة العربيّة.

ففي ليبيا اتّخذ التّمرّد ضدّ النّظام السّياسيّ، والاصطفاف إلى جانب الثّورة أو ضدّها، طابعاً جماعيًّا يحاول فيه كلّ طرف، وخاصّة النّظام، توظيف هذا المعطى على ضوء ما تمّ صياغته خلال اثنين وأربعين عامًا من مخطّطاتٍ وبرامجَ لرسم الخارطة القبليّة اللّيبيّة.

أمّا في تونس، فإنّ البنيات الفاعلة في القبيلة عرفت تفكّكا حقيقيًّا، نظراً لما تعرّضت له في سياق دراما التّحديث، ولكنّها مع ذلك احتفظت، كما ظهر في ظلّ عمليّة التّحرّر السّياسيّ والاجتماعيّ الرّاهن، بإرثٍ من الأبعاد النّفسيّة والرّمزيّة، بما أدّى إلى ظهور تململات وتفجّرات اجتماعيّة في بعض الجهات، وخاصّة تلك التي لم يتعمّق فيها الاندماج الحقيقيّ.

وقد زاد في إمكانيّة تفجّر بؤر "الصّراع العروشيّ"، تعامل النّظام السّياسيّ الرّاحل والمنظّمات المتفاعلة معه مع بقايا هذه البنيات التّقليديّة و"ممثّليها" بسرّيّة لا تخلو من نزعة سياسيّة براغماتيّة، تصل في جوهرها حدّ التّناقض مع الأيديولوجيّة التي كان يطرحها، وهي أيديولوجيا الحداثة والتّحديث.


أ‌. 
أهداف الدّراسة

تهدف هذه الدّراسة إلى سبْر الأبعاد السّياسيّة للظّاهرة القبليّة في المجتمعات العربيّة المعاصرة، بعد موجة الثّورات الشّعبيّة التي اجتاحت المنطقة وبدأت تطيح بالأنظمة السّياسيّة التي تحكّمت عدّة عقود في مسار الحياة السّياسيّة. كما تهدف إلى الكشف عن الآليّات المتحكّمة في علاقة الدّولة بالمجتمع، والتي أبرزت جوانبَ ظلّت خفيّة أو مجهولة لدى دارسي الظّاهرة القبليّة.

كما تسعى هذه الدّراسة إلى تطبيق المنهج العلميّ وفق مقاربة سوسيولوجيّة على هذه المسألة التي همّشها البحث وتعالى عليها الدّارسون وخاصّة في أقطار المغرب العربيّ، الذين رأوْا أنّ هذه المجتمعات قد عرفت تحوّلاً جذريًّا باتّجاه مجتمع المواطنة، الذي تهيمن عليه هويّاتٌ جديدة يفترض أنّها حقّقت الاندماج الاجتماعيّ والسّياسيّ.

إنّ في هذا التّعالي والتّجاهل ما يدعو إلى التّنبيه إلى مخاطر اتّجاهات التّحليل المعمّم، وأهميّة مراجعة المصادرات والأحكام المستعجلة التي تمّت في سياقٍ غير موضوعيّ ولا متحرّر. وعلينا إجلاء صورة تطوّر هذه المجتمعات والكشف عن الميكانيزمات المؤثّرة فيها، وهي مقدّمات ضروريّة لدراسة سبل البناء الدّيمقراطيّ الجديد.


ب‌.
المنهج البحثي:

تبدو ثنائيّة "القطيعة والتّواصل"، أداةً منهجيّة ملائمة لدراسة الأبعاد السّياسيّة للظّواهر القبليّة في المجتمعات العربيّة الرّاهنة؛ فهي تتضمّن إقرارًا بحصول تحوّلات حقيقيّة في بنية العلاقات الاجتماعيّة والسّياسيّة، وفي الوقت نفسه تتضمّن وعيًا بتواصل بعض العناصر المنتمية إلى حقلٍ تاريخيّ قديم (تقليديّ)، واستمرار تحكّمها في الواقع الرّاهن بطريقةٍ أو بأخرى. فما الذي يفسّر الشّحنة القبليّة المتمظهرة في خضمّ الأحداث والتّوتّرات المرتبطة بالثّورة هنا وهناك (وهي شحنة لا تزال تطبع العديد من الممارسات الفرديّة والجماعيّة)، رغم ما يحصل من تغيير في بنية العقل والفعل السّياسيّ والاجتماعيّ؟

وقد استندنا في جمْع مادّة البحث وتحليلها إلى عددٍ من التّقنيات والأدوات؛ أهمّها: الخبر الإعلاميّ والموادّ المنشورة عبر شبكة الانترنت، مع الاعتماد على الملاحظة الميدانيّة المرتبطة بمعايشة بعض الفاعلين في الجنوب التّونسيّ. وقد استخدمنا منهج تحليل مضمون الموادّ الإعلاميّة والنّصوص السّياسيّة، مع إجراء مقارناتٍ لبعض النّماذج والأحداث، دون إغفال النّصوص التّاريخيّة التي ترتبط بشكلٍ أو بآخرَ بتفسير الظّاهرة القبليّة، وتأثيراتها في المراحل الحديثة والمعاصرة. كما اعتمدنا طريقة المحادثة الجماعيّة (Focus group)، خلال المقابلات والزّيارات الميدانيّة للمناطق الحدوديّة وخاصّةً مع بعض الفاعلين الاجتماعيّين المؤثّرين. وتدعيمًا لذلك جمعنا الموادّ الإحصائيّة ونظّمناها وصنّفنا ما نحتاج إليه منها، وأجريْنا مقارناتٍ عليها.

إنّ هذه المقاربة المنهجيّة لن تأخذ مداها بمعزلٍ عن دراسة الظّاهرة القبليّة في سياقٍ تاريخيّ واجتماعيّ وسياسيّ عربيّ، يتفاعل الجزء فيه مع الكلّ ومع محيطه الإقليميّ والدّوليّ الذي لا يفتأ يتأثّر ويؤثّر في هذا السّياق.