العنوان هنا
دراسات 21 يونيو ، 2011

سلطة التكنولوجيا وتكنولوجيا السلطة

الكلمات المفتاحية

لينة الجيوسي

الدكتورة لينة أستاذة مشاركة في كلية علوم الاتّصال والإعلام في جامعة زايد في الإمارات العربية المتحدة، وباحثة مشاركة في مؤسسة "مواطن" (المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية). عملت رئيسة لقسم دراسات الاتصال في كلية "سيدَر كرِست" في الولايات المتحدة، وباحثة أكاديمية في كلية الاتصال في جامعة بنسلفانيا. تدور أبحاثها حول دراسات الإعلام والاتصال، والدراسات الثقافية، وتحليل الخطاب السياسي، وخطاب الذاكرة والهويّة، ودراسات التفاعل الاجتماعي واللغوي، ومنهجيّة البحث الاجتماعي. صدر كتابها "التصنيف والبنية الأخلاقية" Categorization and the Moral Order بالإنجليزية ثم بالفرنسية.

تحاول هذه الورقة توصيف طبيعة ظاهرة ويكيليكس وتداعياتها، وتسعى إلى تسليط الضوء عليها كفكرة، وكمؤسّسة، وكممارسة وكمتخيّل. وفي سبيل ذلك تتناول مجموعة من المسائل الّتي طرحت في شأن الظاهرة: ماذا تعني بالنسبة إلى الدّولة؟ وما هو تأثيرها المحتمل في حركات الاعتراض والنشاط السياسي، والديمقراطيّة؟ وماذا تعني بالنسبة إلى الصحافة؟ سنحاول أن نثبت أنّ هذه الإشكاليّات الثّلاث مترابطة، وأنّها متعلّقة بطبيعة ويكيليكس كوسيط، إضافة إلى طبيعة الموادّ الّتي ينشرها الموقع. ويتطلّب فهم ظاهرة ويكيليكس وأهميّتها، التّركيز على نقطة الالتقاء بين البنية التقنية (والسلطة الّتي تتيحها لزحزحة الحدود الاجتماعية للمعرفة وللفعل) ومحتوى الوثائق المسرّبة، بغضّ النّظر عن التكهّنات في شأن الأجندات المحتملة لعملية التّسريب.

في أقلّ من تسعة أشهر، بين نيسان/أبريل 2010 وتشرين الثاني/نوفمبر 2010، تسرّب إلى الرأي العام مجموعة من الوثائق المهمّة، فقد بدأ موقع "ويكيليكس" بنشر شريط فيديو للجيش الأميركي يظهر مروحيّة مقاتلة أميركيّة تقتل برصاصها ما يقرب من اثنيْ عشر شخصًا في بغداد أغلبُهم مدنيّون، وبينهم مراسلون لوكالة رويترز. بعد ذلك، جاء الكشْف عن سجلاّت حرب أفغانستان، ثمّ وثائق حرب العراق. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2010، بدأ الموقع ينشر مجموعات مختارة من البرقيّات الدبلوماسيّة الأميركيّة المسرَّبة بلغ عددها250,000 وثيقة.

تمّ نشْر الوثائق الدبلوماسيّة بالتّعاون مع صحف"نيويورك تايمز" (الأميركيّة) و"ذي غارديان" (البريطانية) و"دير شبيغل" (الألمانية)، ونشرت الصحف الثلاث الإصدار الأوّل من البرقيات المسرَّبة بشكلٍ متزامن. وبغية تقييم الوثائق المسرّبة وفهْم خصوصيّتها، لا بدّ من أخذ جميع هذه الخلفيّات بعين الاعتبار. ويعود تأسيس منظّمة "ويكيليكس" لسنة 2006، وكانت قد بدأت بنيل شهرة واسعة بعد نشرها عدداً كبيرًا من الوثائق على موقعها الالكتروني، وهي تسريبات تتلقّاها من مصادر متعدّدة لا تكشف عن هويّتها. [1] وقد حازت منظّمة ويكيليكس سنة 2008 جائزة "مرصد الرقابة" لحرّيّة الرأي التي تقدّمها مجلّة "ذي إيكونوميست"، كما فازت، سنة 2009، بجائزة منظّمة العفو الدّوليّة للصّحافة التي تخدم حقوق الإنسان (عن فئة الإعلام الجديد).

تفيد التّقارير بأنّ حكومة الولايات المتّحدة كانت قد فتحت تحقيقاً عن المنظّمة عام 2008 على أمل نزْع الصّدقية عنها وإقفالها[2]، ولكنّ ويكيليكس قفزت إلى الأضواء، وإلى ساحة جدلٍ حامٍ على المستوى العالمي، بعد نشْرها لفيديو بغداد. وسجّل جوليان أسانج Julian Assange الناطق باسم المنظّمة مقابلات عدّة في مختلف القنوات الإعلاميّة - بما في ذلك البرنامج التلفزيوني الرّائج تد TED في تموز/ يوليو 2010 حيث استقبله الجمهور وحيّاه كـ"بطل"[3]. وقد خضع كلٌّ من الشّريط المسرّب وعمليّة تسريبه بحدّ ذاتها، إلى التّحليل مراراً وتكرارًا على المستوييْن السّياسي والأخلاقي، ومن قبل مناصري حرب أميركا ضدّ العراق ومعارضيها أيضاً. وفي وقتٍ لاحق، وعند نشْر الوثائق الدبلوماسيّة، أثار فعل التّسريب بحدّ ذاته، بقدر مضمون الوثائق المسرّبة، جدلاً متواصلاً، ما أتاح المجال للرّأي والرأي الآخر. وكان ذلك خيرَ تعبير عن النّموذج والواقع الجديد الّذي فرضه الموقع الالكتروني ومؤشّراً على إمكاناته المستقبليّة.


* من كتاب السلطة/المعرفة: مقابلات مختارة وكتابات أخرى Power/Knowledge: Selected Interviews and Other Writings, 1972-1977. Ed. Dolin Gordon

[1] http://www.wikileaks.ch

[2] John Pilger, "The war on WikiLeaks: A John Pilger investigation and interview with Julian Assange" posted on 13 January 2011, at  http://www.johnpilger.com/articles/the-war-on-WikiLeaks-a-john-pilger-investigation-and-interview-with-julian-assange

[3] بثّ البرنامج في تمّوز 2010  أنظر:
http://www.ted.com/talks
/julian_assange_why_the_world_needs_WikiLeaks.html
كما أن الحلقة متوفّرة على "اليوتيوب":
http://www.youtube.com/watch?v=HNOnvp5t7Do