العنوان هنا
مراجعات 21 سبتمبر ، 2011

قرن على الصراع العربي – الصهيوني: هل هناك أفق للسلام؟

الكلمات المفتاحية

العنوان: قرن على الصراع العربي-الصهيوني: هل هناك أفق للسلام؟

المؤلف: د. ماهر الشريف

الناشر: دار المدى -سورية

السنة: الطبعة الأولى، 2011

عدد الصفحات: 463


مقدمة

حاول الباحث في كتابه الجديد "قرن على الصراع العربي-الصهيوني: هل هناك أفق للسلام؟" الذي نعرض له طرح إشكالية هامة تتضمّن السؤال التالي: لماذا بقي الصراع العربي- الصهيوني مفتوحاً؛ ولماذا أخفق السلام؛ وهل للسلام مستقبل؟ يؤكّد الباحث أنّ الاستعصاء مردّه الحركة الصهيونية ومشروعها الذي تبلْور في نهاية القرن التاسع عشر، فضلاً عن كيفية تعامل الإدارات الأميركية المتعاقبة - ولاسيّما بعد العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في الخامس من حزيران عام 1967 مع ما يسمّى بـ"عملية السلام" في الشرق الأوسط، والتحولات التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي في العقود الأخيرة وما رافقها من تحدّيات، والضعف المزمن الذي عانى منه الفلسطينيون وأشقّاؤهم العرب منذ بدايات هذا الصراع. وقد قسّم البحث إلى ثلاثة أقسام يحتوي كلّ قسم منها على عدّة فصول.


جذور الصراع

يعالج القسم الأوّل من البحث جذور الصراع العربي - الصهيوني من خلال العودة إلى المقدمات التي سبقت نشأة الحركة الصهيونية الحديثة، والتيارات التي انضوت في إطار هذه الحركة إثر تأسيسها، ومواقفها من العرب الفلسطينيين، وكيفية تبلور مشروع السيطرة على فلسطين وبدايات التفكير في ترحيل سكّانها الأصليّين، والمَراحل التي قطعها مشروع التطهير العرقي الذي أدّى إلى طرد القسم الأكبر من العرب الفلسطينيين، لتبرز قضيّة اللاجئين الفلسطينيين بوصفها القضية الأهم داخل إطار القضية الفلسطينية.

ولفت الباحث النظر إلى أنّ فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين قد ترسّخت لدى الدوائر الاستعمارية الفرنسية والبريطانية قبل زمن طويل من ولادة الحركة الصهيونية على يد ثيودور هرتزل في نهاية القرن التاسع عشر. وتكمن أهمية فكرة إقامة دولة يهودية لدى القوى الاستعمارية المذكورة في كونها تشكّل حاجزاً يفصل بلاد الشام عن مصر. ويشير الباحث إلى أنّ الحركة الصهيونية قد ظهرت بالارتباط الوثيق مع الأيديولوجيات القومية التي ازدهرت في أوروبا في القرن التاسع عشر وما رافقها من مشاريعَ استعمارية. كما نشأت بحسب مؤسّسيها كردّة فعل على انبعاث ظاهرة معاداة السامية التي ولّدت تلك الأيديولوجيات القومية.

ويرى روّاد الفكرة الصهيونية أنّ هدفها هو عودة اليهود إلى " أرض إسرائيل " من أجل السيادة على هذه الأرض. وقد انطلقت الحركة الصهيونية بالاعتماد على حركاتٍ نشأت أساساً في أوروبا؛ وكان الأب الروحي للحركة ثيودور هرتزل وكانت انطلاقتها الرسمية في المؤتمر التأسيسي الأوّل في مدينة بال السويسرية في نهاية شهر آب/أغسطس من عام 1897. وقد ساعدت بريطانيا في تحقيق هدف الحركة الصهيونية الرئيس؛ حيث تمّ فتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين ليصل عددهم إلى 650 ألف يهودي عند إعلان إقامة إسرائيل في الخامس عشر من أيار/مايو من عام 1948 على نحو 78 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27009 كيلومتر مربع.


البحث عن حلول منفردة

في القسم الثاني من الكتاب يحاول الباحث رصد تطوّرات الصّراع العربي - الصهيوني بعد قيام إسرائيل والنزعة العدوانية والتوسّعية التي حكمت سياسات قادتها خلال خمسينيات القرن العشرين. كما يتوقّف عند حرب حزيران 1967 وتداعياتها؛ وبخاصة التحوّل الذي طرأ على الموقف العربي في اتّجاه قبول إسرائيل كأمرٍ واقع في المنطقة والمساعي التي بذلها حكّامها من أجل إفشال كلّ مساعي التسوية السياسية؛ ثم يتطرّق إلى حرب تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 1973 وانعكاساتها، وبخاصّة تبنّي منظّمة التحرير الفلسطينية سياسة المرحلية، وكيفية تحوّل هذه الحرب إلى الحلّ المنفرد بين مصر وإسرائيل؛ وصولاً إلى اتّفاق أوسلو في الثالث عشر من أيلول/سبتمبر من عام 1993، فضلاً عن التطورات السياسية والأمنيّة التي أعقبت الاتّفاق.

وقد سرد الباحث في هذا القسم أيضاً تطوّرات المواقف الإسرائيلية من أيّة عملية سلام مع العرب منذ عام 1948، حيث رفضت إسرائيل حدود عام 1948 وقامت بالتحضير للتوسّع في عمق الأراضي العربية، ولم يكن السّلام من أولويّات بن غوريون أوّل رئيس لحكومة إسرائيل؛ بل ذهب كلٌّ من بن غوريون والجنرال موشي دايان إلى أبعد من ذلك باعتقادهما أنه يجب أن تنتهي حرب عام 1948 باحتلال كلّ فلسطين.

وفي عدّة مناسبات عبّر عددٌ من رجالات السياسة الإسرائيليين ومن جنرالات الجيش ومنهم موشي ديان، عن أملهم في أن تنجح إسرائيل في يومٍ ما في استكمال توسيع حدودها. وكان ذلك بمثابة مقدّمات لامتلاك إسرائيل آلة عسكرية ضخمة وخيار نووي بغية شنّ حروب على العرب فيما بعد. وقد ساعد في هذا التوجّه الانحياز الأميركي لإسرائيل ودعمها في المجالات السياسية والمالية والعسكرية أيضاً.


العوامل التي حالت دون تحقيق السلام

يلقي القسم الثالث والأخير الضّوء على العوامل التي حالت دون توصّل عملية السلام إلى مبتغاها؛ حيث رصد الباحث ثلاثة عوامل أساسيّة وهي:

  1. كيفية تعامل الإدارات الأميركية المتعاقبة مع عملية السلام التي أطلقتها.
  2. التحولات السياسية والاجتماعية والديموغرافية التي شهدها المجتمع الإسرائيلي في العقود الثلاثة الأخيرة على خلفيّة أزمة هويّة عميقة، جعلته ينزاح أكثر فأكثر نحو مواقع اليمين القومي والديني المتشدّد.
  3. مظاهر الضعف التي عانت منها الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها في مطلع عشرينيات القرن العشرين، والتي ساهمت في حدوث خلل في موازين القوى لصالح الصهيونية وإسرائيل.

وقد توقّف الباحث عند ثابتين حكَما السياسة الأميركية إزاء الصّراع العربي - الصهيوني؛ وهما التحالف الوثيق القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل؛ والنفوذ الكبير الذي يتمتّع به اللوبي المؤيّد لإسرائيل داخل الولايات المتحدة والتأثير الذي يمارسه على صنّاع القرار الأميركي. وأشار الباحث إلى أنّ التحوّل الكبير في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية قد جرى بعد عدوان حزيران/يونيو في عام 1967؛ حيث أغرت القوّة العسكرية الإسرائيلية العديد من الاستراتيجيين في الولايات المتحدة الأميركية؛ و انعكس التحوّل المذكور على حجم المساعدة الأميركية المقدّمة لإسرائيل. فبعد مساعدةٍ سنوية بلغت 63 مليون دولار ما بين 1945- 1965، كان أكثر من 95 في المئة منها على شكل مَعونات اقتصادية وغذائية، بلغ حجم المساعدات 102 مليون دولار كمعدل ما بين عاميْ 1966-1970؛ لترتفع سريعاً إلى 634.5 مليون دولار في عام 1971 منها 85 في المئة على شكل مساعدات عسكرية. وفي عام 1976 أصبحت إسرائيل أوّلَ مستفيدٍ من المساعدات الخارجية الأميركية.

وصارت تتسلّم ما معدّله ثلاثة مليارات دولار في العام الواحد كمساعدة مباشرة؛ وهو ما يمثّل سدس الميزانية المخصّصة للمساعدات الخارجية الأميركية، ويمثّل في ذات الوقت اثنيْن في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي. وفي السنوات الأخيرة بلغت نسبة المساعدات العسكرية نحو 75 في المئة من إجمالي قيمة المساعدات السنوية لإسرائيل. وفي هذا السّياق تشير دراسات مختلفة إلى أنّ قيمة المساعدات الأميركية التراكمية منذ عام 1951 وحتى عام 2011 بلغت 130 مليار دولار أميركي.

ولفت الباحث الانتباه إلى أنّ إسرائيل تحْظى بصفقات أخرى خاصّة من واشنطن بأشكالٍ شتّى؛ وهي المتلقّي الوحيد للمساعدات الأميركية الذي لا يُطلب منه قطّ كشفٌ توضيحيً بكيفية إنفاق أموال الدعم المذكورة. كما أشار الباحث إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية زوّدت إسرائيل بمئات ملايين الدولارات لتطوير برامجها العسكرية؛ حيث زوّدتها بنحو ثلاثة مليارات دولار لتطوير أنظمة تسلّح مثل طائرة لافي، ودبّابة ميركافا وصاروخ ارو. كما حصلت إسرائيل على أحدث ما في الترسانة الأميركية من أسلحة متطوّرة؛ وفتح لها الباب على مصراعيْه للحصول على معلوماتٍ استخباراتية؛ هذا فضلاً عن غضّ الطرف من جانب الولايات المتحدة الأميركية عن حيازة إسرائيل أسلحة نوويّة. كما تحظى إسرائيل بدعمٍ دبلوماسي ثابت من واشنطن؛ فمنذ عام 1982 اعترضت الولايات المتّحدة على نحو 32 قراراً دولياً من قرارات مجلس الأمن وأشهرت في وجهها سيف الفيتو.


مدى نجاحات وفشل الحركة الصهيونية

البحث بما تضمّنه من فصول مختلفة هامّ؛ لكن لم يتمّ الجواب بالحقائق والمعطيات الكافية عن مدى نجاحات الحركة الصهيونية ونقاط فشلها. وفي هذا السّياق فإنّ الحركة الصهيونية وإسرائيل حقّقتا مكاسبَ استراتيجية في الجانب الديموغرافي، فاستطاعتا جذب نحو 5.7 مليون من يهود العالم إلى فلسطين؛ بيد أنّ المؤسّسة الإسرائيلية لم تستطع جذْب كافة يهود العالم (13 مليون يهودي). وفي الجانب الديموغرافي أيضًا فإنه على الرّغم من طرد غالبية العرب الفلسطينيين من أرضهم، فإنّ نحو (5.4) مليون عربي فلسطيني مازالوا في أرضهم؛ منهم 4.1 مليون في الضّفّة والقطاع و نحو 1.3 مليون في داخل المناطق المحتلّة عام 1948.

و بعد مرور مئة وثلاثة عشر عاماً على المؤتمر الصهيوني الأوّل في بال ( 1897-2011 ) وأكثر من ثلاثة وستّين عامًا على إنشاء إسرائيل، فإنّ ركائز المشروع لم تكتمل بعد، سواء في شقّها البشري أو المادّي، أي الأرض. فثمّة حلقات مفقودة ولم تكتمل رغم الإنجازات في ركائز صهيونية مختلفة. فالاستيطان على أشدّه والموازنات المخصّصة لذلك خير دليل. و الإنسان الفلسطيني مُلاحَق في أرضه سواء في فلسطين المحتلّة عام 1948، أو المحتلّة عام 1967، عبْر جعل حياته صعبة، أو محاولة أسرَلته، و جعْله هامشياً في أرض آبائه وأجداده. وتبعاً لذلك ستبقى أراضي فلسطين محورَ صراعٍ مفتوح خلال العقود القادمة.