Author Search

حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية (علاقات دولية) من جامعة باريس 10 (فرنسا)، ويعمل حاليًا أستاذًا محاضرًا بجامعة باريس 8، وهو أستاذ محاضر سابق في جامعة باتنة (الجزائر)، وباحث مشارك سابق في مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي للتنمية (الجزائر)، وزميل باحث سابق في الكلية الدفاعية لحلف شمال الأطلسي في روما (إيطاليا).

سيمنار التحول الديمقراطي يناقش العقيدة الأمنية الجزائرية في ظل التعديل الدستوري الجديد
عبد النور عنتر
محمد حمشي
جانب من الحضور المشارك في السيمنار عبر تطبيق "زووم ZOOM"

استضاف سيمنار التحول الديمقراطي الدكتور عبد النور بن عنتر، الأستاذ في جامعة باريس الثامنة والباحث بمؤسسة البحث الاستراتيجي بباريس، الذي قدّم دراسة بعنوان "تحليــل عقيــدة الجزائــر الأمنيــة في ســياق إقليمــي مضطــرب"، سعى فيها إلى سبر العلاقة بين التغيير الدستوري الذي غيّر نظريًا عقيدة أمنية راسخة ترفض نشر القوات الجزائرية في الخارج وبين التحول السياسي الذي يحدث في البلاد منذ خروج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من السلطة.

وفي مستهل عرض الدراسة، ميز بن عنتر بين ثلاثة أصناف من العقائد الأمنية في المنطقة العربية؛ الصنف الأول هو المبدأ الواقعي الذي يُؤْثر الاعتماد على الذات في بناء قدرات دفاعية وطنية، تكون مستقلة عن المظلة العسكرية للقوى الخارجية؛ والثاني نجده في الدول التي تعتمد عقيدة أمنية هجينة، تدمج في تحقيق أمنها بين القدرات الدفاعية المحلية والاستفادة مما ينتج من تحالفات استراتيجية مع قوى خارجية، وهو ما ينطبق على غالب الدول العربية؛ وأخيرًا عقيدة تعتمد بشكل مطلق على الخارج، تتبناها الدول التي لا تملك قدرات دفاعية مستقلة، وتركن إلى الانضواء تحت مظلة دفاعية خارجية. بدأ بن عنتر ببيان أنّ العقيــدة الأمنية الجزائرية، التي تنتمي للصنف الأول، قد تأسســت تاريخيًا عــلى عــدم التدخّــل المــزدوج: العســكري بمعنى الامتناع عن إرسال قــوات إلى خــارج الحــدود؛ والســياسي بعــدم التدخّــل في الشــؤون الداخليــة للدول الأخرى. هذا المبدأ ظل معمولًا به منذ الاستقلال، باستثناء المشاركة في الحروب العربية ضد إسرائيل في 1967 و1973.

وفي ضوء اقتراب مصادر التهديد من الحدود وتهديد سلامة أراضي الجزائر ومصالحها، وهو أمر غير مسبوق (مثال التهديدات الناجمة عن تدهور الوضع الأمني في ليبيا ومالي)، ثار الجدل حول عقيدتها الأمنية، وزاد الاهتمام بسؤال أولوية التمسك بالمستلزم الأخلاقي أم بالمستلزم الأمني. ألقت هذه المخاطر المتصلة بعدم التدخل بظلالها على النقاشات حول التعديل الدستوري الأخير القاضي بالسماح بنشر قوات جزائرية في الخارج. فتداعيات الاضطرابات الأمنية في ليبيا بلغت حد تهديد الموارد البترولية في داخل أرض الجزائر نفسها (حادثة اقتحام منشأة تيقنتورين الغازية جنوب شرق الجزائر عام 2013). استعرض بن عنتر أيضًا تداعيات الأزمة الأمنية في مالي وكيف دفعت بالمراقبين إلى توقع تحولات في عقيدة الجزائر الأمنية. وبيّن الباحث أنّ هذه العقيدة عرفت تعديلًا واضحًا مع حالة مالي بما أشّر على تحوّل براغماتي (السماح للطائرات الحربية الفرنسية باستعمال الأجواء الجزائرية أثناء عملياتها العسكرية في مالي عام 2012)، ثم جاء لاحقًا التحول القانوني بطرح التعديل الدستوري أطر إرسال القوات إلى الخارج وحصره في عمليات حفظ السلام فقط، وذلك ليس تدخلًا بالمعنى العسكري المنفرد المرتبط بمصالح الدولة الخاصة، بل يبقى مساهمة في تحرك جماعي دولي في ظل مشروعية أممية.


كان ثمة ما يدفع صوب مراجعة العقيدة الأمنية التي لم تتغير عبر تعديلات دستورية عدة عرفتها الجزائر منذ الاستقلال، وبرز فهمٌ يقول بأنّ التمسك بهذه العقيدة لم يكن تمسّكًا مطلقًا، فتاريخيًا يمكن تلمس أمارات لمراجعة جزئية على هذه العقيدة، جاءت تماشيًا مع مقتضيات الوضع الأمني في المنطقة، وظهرت بوضوح في حالة مالي، إذ رفعت الجزائر على مستوى الخطاب شعار رفض التدخّل في مالي، لكنها عمليًا أتاحت المجال الجوي الجزائري للقوات الفرنسية لاستخدامه في عملياتها في مالي، كما أتاحت خدمات لوجستية في الإطار ذاته لفرنسا؛ فالأمر، إذًا، خضع لمواءمات عملية تفرضها الأوضاع الأمنية.

طرح الباحث زاوية أخرى للنقاش انطلاقًا من جدل المشروعية والشرعية، حيث ميز بين المشروعية التي تعتمد القرارات الدولية، والشرعية التي ترتبط بغايات الأمن القومي للجزائر ومصالحها. وشدد على أنّ الجزائر قد التزمت القرارات الدولية، لكن واقع الحال على الميدان نَحا بالقرارات الدولية بعيدًا عن معنى المشروعية وحكمته مصالح بعض الدول التي تدخلت في ليبيا. وأدرك صانع القرار أنّ ما جرى في ليبيا يضع الجزائر في معضلة؛ إذ إنّ المشروعية الدولية التي أعلنت التزامها كانت هي ذاتها، على نحوٍ خلّف مخاطرَ وتهديداتٍ تمسّ شرعية هذا التدخّل من وجهة نظر أمن الجزائر. عرّج الباحث على النقاشات الأكاديمية حول مسألة جدوى التدخّل وربطه بمدى القدرة على إنجاز غايات الاستقرار والسلام.

ثم أوضح الباحث أنّ التعديلات الدستورية من الوجهة النظرية ترتبط بالتحول السياسي في الجزائر. لكنه استدرك موضحًا أنّ الحالة الجزائرية لم تشهد إلى الآن انتقالًا ديمقراطيًا بالمعنى المعروف، ولا نزال إزاء انتقال داخل النظام في حالة الجزائر، وأنه من الصعوبة مقاربة الأمر وفق مبادئ الرقابة المدنية على القوات المسلحة؛ فالحال لا تعكس سمات الرقابة المدنية في ظل هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية. من هذا المنطلق يظل التعديل الدستوري محلّ البحث أبعد ما يكون عن أن يشكل إخضاعًا للقوات المسلحة الجزائرية للرقابة البرلمانية؛ صحيح أنّ الدستور لم يخوّل رئيس الجمهورية صلاحية نشر قوات خارج حدود الجزائر، تاركًا لغرفتَي البرلمان التصويت على مثل هذا القرار بأغلبية الثلثين، لكن من واقع عملي، لا يؤشر هذا على تحكم ديمقراطي في سلوك القوات المسلحة، بل هذا التعديل له وجهة سياسية بحتة، غايتها تجنيب السلطة التنفيذية الضغوط الخارجية لإرسال القوات في إطار عمليات السلام، ومنحها مبررًا ينطلق من التذرع باستقلالية البرلمان وفق هذه المادة الدستورية. واشتراط تصويت البرلمان لا يعني تحكمًا ديمقراطيًا على نحو ما يوحي به النص الدستوري، طالما أنّ البرلمان عمليًا تهيمن عليه السلطة التنفيذية.

أعقب ذلك مداخلات المشاركين والمتابعين، عبر تطبيق زووم ومنصات التواصل الاجتماعي للمركز العربي. وقد شملت هذه المداخلات جوانب الموضوع النظرية، فضلًا عن تساؤلات وتعليقات تتعلق بحالة الجزائر.