Author Search
باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تركّز بحوثه في فلسفة الدين والمقدّس والمقاربات الحديثة للظاهرة الدينية، إضافةً إلى مطارحة قضايا الدين وأنسنة اللاهوت
كمال طيرشي
من السيمنار
موضوع السيمنار يثير نقاشا فلسفيا بين المحاضر والحضور

استضاف برنامج السيمنار الأسبوعي الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، يوم الأربعاء 14 شباط/ فبراير 2018، الأستاذ كمال طيرشي، الباحث المساعد في المركز، لمناقشة دراسة له بعنوان "منهج العلاج النفسي الوجودي: بين الافتراض الفلسفي والحقيقة العلمية". وتتمحور أبحاث الأستاذ طيرشي حول فلسفة الدين والمقدّس والمقاربات الحديثة للظاهرة الدينية، إضافةً إلى مطارحة قضايا الفلسفة الوجودية الفرنسية والألمانية، وطرائق العلاج النفسي الوجودي ومقارباته الأنطولوجية.

استهل الباحث مداخلته بعرض الجذور التاريخية لميلاد العلاج النفسي الوجودي؛ فبيّن أنّ هذا الضرب من العلاج النفسي خطّ معالمه الأولى الفيلسوف الإغريقي سقراط من خلال مقولته الشهيرة "اعرف نفسك بنفسك"، ليعود المفكر اللاهوتي سورين كيرككورد ويبعث النهج السقراطي من خلال أطروحة الدكتوراه التي قدمها بعنوان منهج التهكم برده إلى سقراط. ولعل كيرككورد هو أول من وضع معالم العلاج النفسي الوجودي في الأزمنة المعاصرة في أوروبا؛ ذلك أنه كان المبادر إلى درس القلق دراسةً أنطولوجية مستفيضة في كتابه المركزي مفهوم القلق، وكذلك في كتابه إما... أو شذرة من حياة. فقد قسّم كيرككورد ماهية القلق إلى ثلاثة ضروب: قلق مرتبط بالعفة والطهارة والبراءة، وقلق مرتبط بثنائية الروح والبدن، وقلق مرتبط بالحرية، عادًّا الضرب الأخير من أشدّها تعقيدًا؛ لأنه بتعبيره دوخة الحرية ودوارها. كما عرض الباحث كمال طيرشي أهم المفاهيم التي تناولها الوجودي كيرككورد، مثل الذنب والخطيئة، والقلق واليأس، والرهبة والتوحد، والعزلة، والنفس، والموت... إلخ.

وعالج الباحث مفاهيم العلاج النفسي الوجودي التي خطتها فلسفات أرباب النزعة الوجودية بعد كيرككورد، وكان لهم الدور الفاعل في بلورة منهج العلاج النفسي الوجودي وتطويره. وأشاد بالفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه من خلال كتابه هكذا تكلم زرادشت، ومارتن هيدغر في كتابه الكينونة والزمان، وبعض فلاسفة المدرسة الفرنسية الوجودية مثل كارل يسبرس في كتابه علم النفس الباثولوجي العام، وغابريال مارسيل في كتابه يوميات ميتافيزيقية، ونيقولاي برديائيف في كتابه مصير الإنسان، وبول تيليتش في كتابيه المهمَّين الشجاعة من أجل الوجود، وزعزعة الأساسات. كما تطرق طيرشي إلى موقف مدرسة العلاج النفسي الوجودي من المدارس النفسية السابقة، مثل مدرسة التحليل النفسي الفرويدية، والمدرسة السلوكية لجون واطسون، والمدرسة الجشطالتية مع كوفكا وكوهلر وفرتيمر، والمدرسة النمطية التذاوتية مع إيريك فروم، إضافة إلى مدرسة كارل يونغ وكارل روجرز.

وقدّم طيرشي في مداخلته نقدًا لاذعًا لمدرسة العلاج النفسي الدوائي وموقع رواد العلاج النفسي الوجودي منها، وبالخصوص موقف جيمس بارك من خلال كتابه القلق الأنطولوجي. ثم تطرق إلى المفاهيم الأساسية لمدرسة العلاج النفسي الوجودي، استهلها بالعلاج بالمعنى عند فيكتور فرانكل، محللًا كتابه المركزي الإنسان يبحث عن المعنى، وهي المدرسة التي ابتدعت نهجًا للعلاج النفسي، يتمحور أساسًا حول ضرورة بحث الإنسان عن معنى لوجوده في الحياة. كما تناول الباحث المفاهيم الجوهرية التي طرحها المعالج النفساني الوجودي رولو ماي في كتابه بحث الإنسان عن نفسه؛ إذ سعى ماي للبرهنة على الفرد الإنسان الذي يملك في كوامن نفسه الشجاعة القوية الوافية ليكون ما يبتغيه وما يريده، إضافة إلى تأكيد ما طرحه رولو ماي بخصوص المعاناة الوجودية التي اعتبرها حالةً متأصّلة متجذّرة في كوامن نفسية الإنسان، لا يقتدر البتة على التملص منها؛ فعلّة هذه المعاناة تكمن في سعيه الدؤوب ليكون نفسه.

واختتم الأستاذ طيرشي مداخلته بنظرةٍ نقدية تقويمية لمدرسة العلاج النفسي الوجودي. وتلا المحاضرة نقاشٌ عام، شارك فيه جمهور الباحثين في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا.