Author Search
​المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية
من السيمنار
عزالدين البوشيخي
اهتمام عابر للتخصصات بموضوع اللسانيات

استضاف برنامج السيمنار الأسبوعي الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، الدكتور عزّ الدين البوشيخيّ، المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخيّ للغة العربيّة، حيث قدم موضوع "خرائط المعرفة اللسانية وزوايا النظر"، وذلك في يوم الأربعاء 28 شباط/ فبراير 2018.

بدأ البوشيخي ببيان أهمية هذا الموضوع ودواعيه، ومنها ملاحظته شيوع فهم عن اللسانيات في الفضاءات الأكاديمية ما زال يتراوح بين ضيق التخصصية المحضة، وبين فهم واسع جدًا يكاد يشمل كل شيء، وهذا الفهم لا يوفي المجال حقه، ولا يسمح للباحث باستثمار ما في المجال من إمكانات علمية ومنهجية وتجريبية متعددة. وسلط البوشيخي الضوء على مسألتين أساسيتين؛ الأولى أهمية الخرائط المعرفية في مجال اللسانيات، والثانية عرض مشروع يرسم الخرائط المعرفية للعلوم الإنسانية والاجتماعية تفيد المشتغلين بها من طلاب وباحثين في مستويين، الأول كيفية نقل المعرفة العلمية إلى الطلاب بطرق فاعلة، والثاني كيفية تطوير هذه المعارف بالتركيز على تفاعلاتها وعبور التخصصات داخل تلك الخرائط.

ثم شرع في تقديم الخرائط اللسانية الممكنة من زوايا نظر مختلفة. فوضّح أنه يمكن رسم خارطة للمعرفة اللسانية من زاوية موضوع البحث؛ إذ تكون اللغة ظاهرة واقعية تجريبية، كما في أعمال دي سوسير F. De saussure، وهاريس Z. Haris، وبلومفيلد L. Bloomfield، وجاكوبسون R. Jakobson ممثلًا لحلقة براغ، وهاليداي  M. Halliday ممثلًا لحلقة كوبنهاغن، ومارتيني A. Martinet رائد المدرسة الوظيفية الفرنسية. كما تكون الملكة اللغوية موضوعًا للبحث وتكون اللغة ظاهرة عارضة، ومن رواد هذا الاتجاه تشومسكي في نظرية النحو التوليدي Generative grammar theory وبريزنن وكابلن في النحو المعجمي الوظيفيLexical functional grammar، وسيمون ديك في نظرية النحو الوظيفي Functional Grammar Theory، وهنخفلد وماكنزي في النحو الوظيفي الخطابي Functional discourse grammar.

الخريطة الثانية التي قدمها البوشيخي للمعرفة اللسانية كانت من زاوية معايير الكفاية: الكفاية الملاحظية والكفاية الوصفية والكفاية التفسيرية، حيث تنقسم المعرفة اللسانية من منظور الكفايات إلى لسانيات وصفية تشمل: اللسانيات البنيوية Structural Linguistics، واللسانيات التوزيعية Distributive Linguistics، واللسانيات الوظيفية Functional Linguistics، وإلى لسانيات تفسيرية تشمل: اللسانيات التوليدية Generative Linguistics واللسانيات المعرفية Cognitive Linguistics واللسانيات الوظيفية.

الخريطة الثالثة بيّن فيها البوشيخي إمكانية تقديم المعرفة اللسانية بالنظر إلى اختلاف مقارباتها؛ حيث تُمثّل المقاربة النفسية للظاهرة اللغوية جميع النظريات اللسانية التي تربط بين اللغة والذهن، وتمثل المقاربة الرياضية؛ الأنحاء التي لا ترى تمييزًا جوهريًا بين اللغات الطبيعية واللغات الاصطناعية، أو بين اللغة والمعرفة اللغوية.

من زاوية طبيعة المقاربة المتبناة أيضًا، يمكن التمييز بين المقاربة القالبية والمقاربة غير القالبية. الأولى تنظر إلى اللغة باعتبارها قالبًا من القوالب المكونة للعقل البشري، تستقل ببنيتها ومبادئها وتتفاعل مع قوالب العقل الأخرى. وينعكس ذلك في بناء النماذج النحوية، كالأنحاء التوليدية. أما المقاربة غير القالبية فتندرج ضمنها نماذج نحوية أخرى كالنحو المعرفي Cognitive Grammar مثلًا.

وأما الخريطة الرابعة فتقدم المعرفة اللسانية من زاوية المنهج؛ إذ يمكن التمييز بين المنهج الصوري (غير الوظيفي) الذي ينطلق من أنّ وظيفة اللغة هي التعبير عن الفكر، وأن البنية اللغوية مستقلة عن الاستعمال والوظيفة، بل هي حاكمة للاستعمال، كما في الأنحاء التوليدية عمومًا، وبين المنهج الوظيفي الذي يقوم على أنّ وظيفة اللغة الأساسية هي التواصل، وأن بنية اللغة هي انعكاس لتلك الوظيفة ومحكومة بها، كما في الأنحاء الوظيفية عمومًا.

وعرض البوشيخي الخريطة الخامسة التي تقدم المعرفة اللسانية من زاوية أسبقية تمثيل المستويات في الأنحاء المختلفة، حيث هناك أنحاء مؤسسة تركيبيًا مثل النماذج النحوية التوليدية (من البنيات التركيبية إلى المبادئ والبرامترات)، وأنحاء مؤسسة دلاليًا مثل نحو الدلالة التوليدية، والنحو المعرفي، وأنحاء مؤسسة تداوليًا مثل الأنحاء الوظيفية، كنحو هاليداي، والنحو النسقي، والنحو الوظيفي.

Linguistics-Map.jpgوختم عز الدين البوشيخي، والذي تعتني أبحاثه بمجالات اللسانيات والمعجم والمصطلح وتعليم اللغة العربية والترجمة وتطوير نظرية النحو الوظيفي الخطابي ونموذج مستعمل اللغة الطبيعية، هذه الخرائط بخريطة المعرفة اللسانية من زاوية نظرية وتطبيقية؛ حيث يمكن أن تميّز بين اللسانيات النظرية التي تقدِّم النظريات عن بنية اللغة/ ووظيفتها وكذا الأوصاف اللسانية والنماذج النحوية، وبين اللسانيات التطبيقية التي تستثمر النظرية اللسانية في مجال نفعي مثل اللسانيات الاجتماعية، واللسانيات النفسية، واللسانيات الحاسوبية ... إلخ. ويوضّح الرسم أدناه خرائط المعرفة اللسانية التي قدّمها الباحث.

ودعا البوشيخي إلى ضرورة الشروع في تأسيس خرائط للمعرفة في العلوم الإنسانية والاجتماعية، يُقدِّم للباحثين العرب قاعدة بيانات هذه العلوم، وقاعدة بيانات النظريات والمفاهيم داخل كل علم منها، وتحديد العلاقات القائمة بين هذه العلوم ومستوياتها، بمساعدة برنامج حاسوبي متطور لرسم خرائط العلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد شهدت المحاضرة حضورًا كبيرًا ونقاشًا مستفيضًا.