Author Search
أستاذ التعليم العالي في التاريخ الحديث بجامعة تونس، وهو نائب العميد ومدير الدراسات بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعة ذاتها. درّس وأشرف على بحوث بجامعات تونس وصفاقس وسوسة وقفصة.تدور اهتماماته العلمية حول التاريخ الاجتماعي والثقافي والتاريخ المحلي في الفترة الحديثة، وله مؤلفات ومقالات علمية منشورة تتعلق بمواضيع الحياة الجماعوية بالوسطين الواحي والقبلي، علاقة الجماعات المحلية بالسلطة المركزية، الفرد والجماعة في المجتمعات المغاربية، ظاهرة الأعيان المحليين، المصادر الأرشيفية وكتابة التاريخ، الشأن الديني والسياسة.شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية العربية والدولية، وله أعمال منشورة في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. كما أنه تولى عدة مسؤوليات في منظمات وهيئات حقوقية منذ بداية الثمانينيات.
الدكتور مصطفى التليلي محاضرًا والدكتور عبد الفتاح ماضي رئيسًا للجلسة
الدكتور مصطفى التليلي
الحضور المشارك في السيمنار
الدكتور التليلي مجيبًا على تساؤلات الحضور

استضاف برنامج السيمنار الأسبوعي الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، يوم الأربعاء 20 آذار/ مارس 2019، الدكتور مصطفى التليلي، أستاذ التعليم العالي في التاريخ الحديث بجامعة تونس، لمناقشة دراسة له بعنوان "الدولة من خلال تمثّلات طرفية: إيالة تونس في الفترة الحديثة".

استهل الدكتور التليلي محاضرته بإبراز الحاجة إلى تبنّي محتوى محدّد للمقصود بالدولة للبحث في موضوع الدولة خلال الفترة الحديثة، لا سيما في ضوء التباين في التعريفات المقدمة من جانب المختصين في العلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية. ومنطلق هذه المداخلة كون الدولة شكلًا من التنظيم الاجتماعي الذي اكتسب نوعًا من المشروعية ييسّر له ضمان أمنه وأمن رعاياه في مجال ترابي مخصوص عبر احتكار العنف الشرعي والاعتماد على جهاز إداري ممركز وجباية عمومية. كما أكّد أن أغلب الدراسات المتعلقة بالدولة، إن اهتمت برأسها وبأجهزتها وهياكلها ومؤسساتها المركزية، واستعمل الباحثون في ذلك الوثائق المنتجة مركزيًا، أي الأرشيف الرسمي للدولة، فإنّ البحث الواعد في مسار بناء الدولة يظلّ رهين تنويع سلّم النظر الذي يوازي بين المحلّي والشامل، ويأخذ في الاعتبار تمثلات الفاعلين المحليين وخطابهم، وأنّ ذلك يقتضي البحث عن أنواع أخرى من المصادر التي أفرزتها بيئة متخلصة نسبيًّا من إكراهات المركز وتعكس تصورات أخرى للدولة.

ثم عرج المؤرخ التونسي إلى الحديث عن ضرورة القيام بمتابعة للتعبيرات المستعملة، والتي يطلقها الفاعلون على الدولة وأجهزتها ومؤسساتها وعلى الرجال القائمين عليها، لدى الحديث عن التمثلات الطرفية للدولة. فهذه التعبيرات تشهد بالضرورة تغييرات وتحولات، تكون مواكبة للتطورات الميدانية، حتى وإن كانت جزئية وبسيطة، وصداها في التصورات المتشكلة حولها. وتكون تلك التصورات متأثرة بانتظارات السكان من الدولة باعتبارها تستمدّ مشروعيتها من مدى الاستجابة لهذه الانتظارات.

ومن ثمّ، اختار التليلي مثال الدولة بإيالة تونس خلال الفترة الحديثة. وبُني عمله على وثائق مصدرية أُنتجت في سياقات تاريخية متباعدة، ووظّف دراستها للإجابة عن أسئلة تتمحور حول بناء الدولة وتحييز المجال وتطور مؤسسات الدولة وآلياتها من خلال قراءة نقدية للخطاب المعتمد في ثلاث مدونات:

  • مؤلف منقبي، وهو كتاب نور الأرماش في مناقب القشاش الذي ألفه المنتصر بن أبي لحية القفصي في بداية القرن 17. وهو من متساكني مدينة قفصة التي تبعد عن العاصمة بما يفوق 300 كم في الجنوب الغربي للإيالة.
  • كتاب مؤنس الأحبة الذي ألفه أبوراس الجربي في نهاية القرن 18 عن تاريخ جزيرة جربة، الموجودة في الجنوب الشرقي لإيالة تونس، وعلاقتها بالسلطة المركزية.
  • مراسلة موجهة إلى الباي محمد الصادق في عام 1864 من جانب أعيان مدينة قفصة حول وجاهة تعيين أحد القيّاد على هذه المدينة وتقديرهم التطابق بين مصالح المنطقة ومصالح السلطة المركزية.

حاول الدكتور مصطفى التليلي، من خلال قراءته هذه النصوص الثلاثة، الإلمام بالتصورات التي كان يحملها أفرادٌ يعيشون في مناطق جغرافية طرَفية وفي أوساط اجتماعية بعيدة عن مراكز ممارسة السلطة، ساعيًا في الوقت نفسه إلى استقراء إلى أيّ مدى تعكس هذه التصورات تمثّلات متحررة من النظرة المركزية. كما حرص على متابعة تطور هذه التمثلات عبر السياقات التاريخية المتعاقبة من أجل تحقيق فهم الترابط بين مسار تكوّن الدولة ومدى تقبّلها من جانب الأفراد والجماعات الذين تتشكل منهم القاعدة الاجتماعية، بما يدعم فكرة وجود تعدّد وتنوّع في المسارات التاريخية المُفضية إلى نشأة عناصر الدولة الحديثة والمؤسسة لمشروعيتها.

تلا المحاضرة نقاشٌ ثريّ شارك فيه جمهور الباحثين في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلّابه.