Author Search
​أستاذ مشارك ورئيس برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا. 
الدكتور إسماعيل ناشف مُقدمًا السيمنار
جانب من الحضور في السيمنار عبر منصة "زووم"
الدكتور مراد دياني رئيسًا لجلسة السيمنار

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 31 آذار/ مارس 2021، الدكتور إسماعيل ناشف، الأستاذ المشارك في برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بمعهد الدوحة للدراسات العليا، الذي قدّم محاضرةً عنوانها "في أعقاب البيّنة: تمرين في رصد مكانة ’الواقع‘ في البحث العلمي".

استهلّ الباحث محاضرته بعرض فيديو لكتب ورسائل من داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وفيديو يحاكي بطريقة تمثيلية التسجيل الذي يسبق "العملية الاستشهادية"، مبرزًا من خلال ذلك تعقّد علاقة "البيانات" بـ "الواقع"، وأنّ هذه العلاقة تدعو إلى إعادة التفكير في طبيعة البيانات وموقعها في عملية البحث العلمية اليوم.

أبرز الباحث، أيضًا، أنه يسعى لتَعَقُّب طبيعة البيانات ومواقعها على خلفية تحولات عميقة عصفت بالأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العقود الثلاثة الأخيرة، انعكست مباشرة على مكانة "الواقع" الذي نأخذ منه البيانات، وعلاقاتنا به؛ وذلك على اعتبار أنّ السوق والمجتمع والدولة ومركّباتها لم تعُد تلك الكيانات التي ألفناها في الرأسمالية الكلاسيكية أو في الرأسمالية المتأخرة، وما رافق ذلك من قفزات نوعية في تطور الأدوات التكنولوجية الرقميّة التي تسجل البيانات وتخزنها، فأصبح لدينا مروحة واسعة جدًّا من إمكانيات تسجيل البيانات المختلفة وتخزينها ومعالجتها، ولكن ذلك يجري في سياق مادي - مؤسساتي جديد. ومن ثمّ، أكد الباحث الفلسطيني أنّ الحاجة الملحّة لا تكمن في نَحْت وحدات تحليلية جديدة فحسب، بل في إعادة التفكير في مفهوم وحدة التحليل التي نجمع بها البيانات ذاتها.

وافترض الباحث أنّ الباحث في العلوم الاجتماعية المدجج بالنظريات والمناهج البحثية من العهدين الحداثي الكلاسيكي، والما - بعد حداثي، يبدو في مقابل هذه التحولات في "الواقع" كزائر/ة من عهد ولَّى، بالنظر إلى أنّ الإطار المفاهيمي الذي يربط بين "الواقع" والبيانات التي تعبّر عنه - احتمالًا إحصائيًا، أو سببيًا، أو بوصفه عارضًا، أو جدليًا، أو تناظريًا، أو إنشاءً، وغير ذلك - لم يعُد يكفي وحده لعلاج "الواقع" الجديد وحمولته المعرفية.

مقولة المحاضرة الرئيسة التي حاجج بشأنها الباحث هي أنّ جدلية النكوص أفرزت علاقات من نوع جديد ما بين "الواقع" والبيانات، وذلك بحسب القيمة التي تعمل وفقها ظاهرة البحث؛ الظواهر التي تعمل وفقًا للقيمة الرقمية تنتفي فيها الفجوة التعبيرية بين "البيانات" و"الواقع". وقدّم مثالًا دالًّا على ذلك، هو، البيانات الكبرى Big Data التي تتميز بأنها تجمع كل شيء عن "الواقع"، بحيث لم يعُد هنالك واقع خارجها.

وفي الختام، عاد الباحث الفلسطيني ليسلّط الضوء على عملية البحث العلمية من زاوية تحوّل أشكال علاقة البيانات مع "الواقع" الذي تدرسه هذه العملية، طارحًا مجموعةً من الأسئلة ذات طابع استشرافيّ؛ من بينها أسئلة فلسفية: إذا كانت هذه هي حدود عملية البحث العلمية، فهل يعني ذلك أنّ علينا العودة مجددًا إلى أسئلة ميتافيزيقيّة الطابع؟ وماذا يكمن خلف حدود "الواقع"؟ وكيف يمكن دراسته إذا كان الباحث سجينًا لهذا "الواقع"؟ أم أنّ الوعي بحدود الإبستيمولوجيا يُعد شرطًا ضروريًا وكافيًا في هذه المرحلة من تطور العلاقة بين العلم والفلسفة؟ فضلًا عن ذلك، طرح الباحث أسئلة علمية: ما طبيعة المعرفة التي سينتجها الباحث من حيث صدقيتها؟ إذا كان غير واثق من طبيعة العلاقة بين "البيانات" و"واقع" الظاهرة، فهل أنّ ما سيقوله يتحدث عن واقع الظاهرة حقًّا؟ أم عن شيء آخر مرهون بعلاقة "البيانات" بـ "الواقع"؟ وإذا كان "الواقع" متحولًا بعلاقاته مع البيانات، فكيف يجب أن يفكّر الباحث مجددًا في مسألة الثبات؟ إنّ البيانات يمكن أن "تعكس" واقع الظاهرة المتحول؛ أي بما هو ظواهر متعددة، وكيفية تفاعل المؤسسة العلمية مع هذه التطورات في مكانة "الواقع" والمعرفة عنه بما هي جزء منها.

في نهاية محاضرته، خلص الباحث إلى أنّ هذه التطورات أدّت إلى إجهاض العلاقة بين "البيانات" و"واقع" ظاهرة البحث؛ أي إن الواقع أجهض نظامها السابق، وأحل محلّها نظامًا جديدًا.

أعقب المحاضرة نقاش ثريّ، شارك فيه الباحثون في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، وأساتذة باحثون من ربوع الوطن العربي وخارجه، كما شارك فيه جمهور المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.