بدون عنوان

اختتمت، يوم الثلاثاء 15 شباط/ فبراير 2022، أعمال مؤتمر "النزاع في اليمن: المشهد الحالي وسَبْر المستقبل"، الذي عقده مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بالتعاون مع كل من المركز العربي -واشنطن دي سي، ومؤسسة ديب روت (Deep Root) للاستشارات، يومَي 14 و15 شباط/ فبراير 2022، عبر الإنترنت، وبُث على منصات التواصل الاجتماعي.

اليوم الثاني من مؤتمر "النزاع في اليمن: المشهد الحالي وسَبْر المستقبل"في بداية الجلسة الافتتاحية لليوم الثاني، أكّد الدكتور خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي - واشنطن دي سي، الحاجة إلى تخفيف المعاناة الإنسانية في اليمن، وأعرب عن امتنانه للجهود البحثية والأكاديمية المبذولة من أجل إنهاء الصراع سلميًّا. وضمت أعمال المؤتمر كلمتين رئيستين وجلستين أكاديميتين، اشتملت الجلسة الافتتاحية على كلمة رئيسة قدمها نائب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن معين شريم، بالنيابة عن هانس غروندبيرغ، المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، وكلمة افتتاحية ألقاها عبد الملك العجري، عضو المكتب السياسي لحركة "أنصار الله" عضو الفريق الوطني التفاوضي. وقُدِّمت أيضًا خلال هذا اليوم سبع أوراق بحثية، تناولت عملية السلام في اليمن ومستقبلها، وكذلك مستقبل اليمن من حيث التعافي، وإعادة الإعمار، والتنمية.

بدايةً، أشار الشريم إلى أهمية وجود عملية سلام متعددة المسارات، تتضمن مشاركة جميع شرائح المجتمع اليمني، وذكر أن جهود المبعوث الأممي في المدى المنظور القريب تركز على تسهيل مجموعة من التدابير الاقتصادية والإنسانية، التي تشمل حرية الحركة والمرور للأشخاص والبضائع، أو من خلال رفع القيود عن ميناء الحديدة، وذلك ضمن آلية التفتيش الخاصة بالأمم المتحدة؛ للتأكد من أن ما يدخل الميناء لا يخالف قرارات مجلس الأمن، مؤكدًا أن هذه التدابير يجب أن ترافقها عملية سياسية شاملة. وأوضح أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن يعمل حاليًّا على جمع الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية، من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وذلك بالتشاور مع مختلف شرائح المجتمع اليمني. وأشار في هذا الإطار إلى ضرورة توافر إرادة سياسية لدى أطراف الصراع لإنجاح هذه الجهود وعملية السلام في اليمن.

وقد تابعت الجلسة الافتتاحية أعمالها بكلمة تقدّم وجهة نظر وفد صنعاء، ألقاها العجري، أكّد فيها ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن وليس باعتماد الحل العسكري، مشيرًا إلى الأزمة الإنسانية الأليمة الناجمة عن الحصار، ونقص الموارد، وإغلاق الموانئ. وأوضح أن حركة "أنصار الله" ترفض نهج السلام الذي يضع الترتيبات العسكرية أولًا؛ إذ تشترط الحركة فتح المطار والميناء وإزالة الحصار والعقوبات الاقتصادية، وبعد ذلك يمكن أن تدخل في مفاوضات على خفض التصعيد العسكري. وأشار أيضًا إلى أن سياسة استخدام العقوبات ورقةً للضغط على الحركة، وإجبارها على التنازل أثناء المفاوضات، من شأنها أن تقوض عملية السلام وتفاقم من تردي الأوضاع الإنسانية في اليمن، وهو ما ترفضه الحركة قطعيًّا.

إعادة تفعيل عملية السلام: الدروس المستفادة وسبل المضي قُدمًا

عقدت الجلسة الثالثة من أعمال المؤتمر بـعنوان: "إعادة تفعيل عملية السلام: الدروس المستفادة وسبل المضي قُدمًا"، برئاسة مدير قسم البحوث والتحليل في المركز العربي - واشنطن دي سي الدكتور عماد حرب. واستهلت الجلسة أسمهان العلس، الأستاذة المشاركة في قسم التاريخ بجامعة عدن، بورقة عنوانها "درب اليمن نحو السلام: بين تداعيات الحرب وتحديات المستقبل"، مجادلةً بأن الحرب في اليمن تفاقم مخاوف المجتمع الدولي من تأثيرها في قدرة الموانئ البحرية اليمنية على الصمود؛ ذلك أنها ترتبط بالمصالح التجارية الدولية، ونتيجة لذلك يسعى المجتمع الدولي لتضييق مجالات المواجهة ومنع استمرار الحرب؛ لضمان الحفاظ على مصالح متعددة. وتجادل الباحثة أيضًا بأن استراتيجية "إعادة التموضع" التي يتبناها الجيش أصبحت اتجاهًا ملحوظًا في إدارة التناقضات السياسية والعسكرية، ورسم خريطة مختلفة للبلاد.

أما أحمد الشامي، المدير التنفيذي للمنظمة العربية لمراقبة الحقوق (أروى)، فناقش في ورقة عنوانها "العلاقات السعودية - اليمنية: طبيعتها، آثارها، وأهم الدروس المستفادة من أجل تفعيل عملية السلام"، أنّ اليمن يمثّل عمقًا استراتيجيًّا للمملكة العربية السعودية؛ وذلك نظرًا إلى مختلف الأبعاد الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية لطبيعة العلاقات بين البلدين. وتطرق إلى الحرب الحالية، وموقف السعودية منها، وما تنتهجه من سياسات في ظل التغيرات المستمرة، وردود الأفعال تجاهها. وختامًا، قدّم عددًا من التوصيات المقترحة لتفعيل عملية بناء السلام.

وفي ورقة بعنوان: "مسارات لبناء السلام الدائم في اليمن"، قدمها أليكس شوبريدج نيابة عن المديرة التنفيذية للسلام الشامل (مبادرة السلام الشامل والانتقال سابقًا) تانيا بافينهولز، عرض تقييمًا نقديًّا لجهود صنع السلام وبنائه في اليمن، من خلال تسليط الضوء على العيوب في النهج الحديثة والحالية المتبعة. وتضمنت الورقة تحديدًا للخيارات المحتملة لجعل صنع السلام وبنائه في اليمن أكثر شمولًا وفاعلية، وذلك بالاستناد إلى نموذج بناء السلام الدائم الذي يتصور السلام على أنه عملية دائمة التطور تتجلى في سلسلة من (إعادة) التفاوض بشأن العقد الاجتماعي والسياسي.

وفي نهاية الجلسة قُدّمت ورقة عنوانها "بناء قدرات القيادات العامة في زمن الحرب: برنامج زمالة حكمة نموذجًا"، لكل من البروفيسور سلطان بركات، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، ورأفت الأكحلي، شريك مؤسس في ديب روت للاستشارات، ناقشا فيها حالة برنامج زمالة "حكمة"، وهو برنامج مبتكر مصمم لتمكين القيادات العامة الناشئة في اليمن وتزويدها بالمهارات اللازمة للقيادة الفعالة في زمن الاضطرابات. وتضمنت الورقة خلفية عن البرنامج، وناقشت أهمية بناء القدرات المحلية في اليمن، ثم استعرضت النتائج التي حققها البرنامج بعد مرور أكثر من عام على بداية تنفيذه. واختتمت الورقة باقتراح طريق جديد للمضي قدمًا، يمكن أن يفيد صنّاع القرار والجهات الفاعلة في اليمن، على المستوى الرسمي وغير الرسمي، لعملية السلام، سعيًا لبناء عملية سلام شامل ومستدام في البلاد.

مستقبل اليمن: التعافي، وإعادة الإعمار، والتنمية

ركزت الجلسة الرابعة على "مستقبل اليمن: التعافي، وإعادة الإعمار، والتنمية"، ورَأَسَها مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني البروفيسور سلطان بركات. قدّمت أولًا صبرية الثور، المحاضِرة والباحثة في جامعة صنعاء في مجالات التنمية والعمل الإنساني ودراسات النوع الاجتماعي، ورقة بعنوان "الفرص والتحديات لعمليات تعافٍ وإعادة إعمار وتنمية شاملة"، تطرّقت فيها إلى النُّهُج الممكنة لإشراك الجهات الفاعلة على المستوى المحلي - ومن ضمنها النازحون داخليًّا - في عملية السلام الحالية والمراحل اللاحقة من التعافي وإعادة الإعمار.

ثم قدم عبد الغني جغمان، الباحث والمستشار في الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة، ورقة عنوانها "الحوكمة وإعادة الإعمار ما بعد النزاع في اليمن"، تناول فيها أبرز سمات الحوكمة في هذا السياق، واستخلص من خلالها إطار عمل لعملية إعادة الإعمار ما بعد النزاع، وهو موجّه إلى الحكومة اليمنية. وأوصاها بأن تبدأ أولًا بإنهاء النزاع وتعزيز حوار السلام، ثم تنتقل إلى تحسين سلامة الشعب اليمني وأمنه، ودعم منظمات العدالة والمصالحة، وتحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية.

وختمت هيلين لاكنر، المختصة والباحثة في مجال التنمية، الجلسة بورقة عنوانها "القيود طويلة المدى التي تفرضها الحرب على التنمية السوسيو - اقتصادية في اليمن"، قدمت فيها منظورًا مختلفًا لإعادة إعمار اليمن؛ من خلال التركيز على المشكلات المتعددة والمعقدة، الداخلية والخارجية، التي ستنشأ وتجب معالجتها بمجرد عودة البلاد إلى شكل من أشكال الحكم المعترف به. ورأت أنها ناشئة عن ندرة المياه، وتغير المناخ، والتغيرات الديموغرافية، والتجزئة متعددة المستويات للبلاد، والأثر السوسيو - اقتصادي للاعتماد على المساعدات لسنوات، وأنواع سياسات التنمية التي يفرضها الممولون الخارجيون. أخيرًا، قدمت في إيجاز بعض الاقتراحات لمعالجة تلك القيود، قدر الإمكان، وبغض النظر عن نتيجة الحرب.

وفي اختتام المؤتمر، قدّم مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، البروفيسور سلطان بركات، الملاحظات الختامية؛ فبدأها بشكر الباحثين المشاركين والحضور والقائمين على المؤتمر، ومن ثمّ أشار إلى أن مخرجات المؤتمر ستتضمن مراجعة الأوراق المقدمة ونشرها في كتاب محكّم باللغتين الإنكليزية والعربية. وقد أشار إلى أن هذا المؤتمر نُظّم في وقت حرج للغاية من النزاع في اليمن، لكنه في الآن ذاته وقتٌ يزخر بفرص متعددة لتعجيل عملية السلام وتفعيلها، وقال في هذا الإطار: "وأمام ذلك، يجب ألا نتوانى - نحن الباحثين والخبراء والممارسين السياسيين - عن الدفع باتجاه ذلك واستثمار كل ما هو ممكن لتحقيقه؛ فالحالة الإنسانية في اليمن لا تحتمل الانتظار، كما أن نتيجة إطالة أمد النزاع ستكون كارثية على كل المستويات، لا في اليمن وحسب، وإنما في المنطقة ككل".

وقد بُثّت أعمال هذا المؤتمر الدولي، الذي ألقت فيه نخبة من الخبراء والأكاديميين والمختصين بالشأن اليمني دراساتها الأكاديمية، على منصة زوم ومنصات مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، والمركز العربي -واشنطن دي سي، ومؤسسة ديب روت (Deep Root) للاستشارات، على شبكات التواصل الاجتماعي.


*للاطلاع على ملخص أعمال اليوم الأول