العنوان هنا
تحليل سياسات 17 فبراير ، 2021

الإطار الدستوري للسياسة الدفاعية القطرية

إبراهيم اسعيدي

أستاذ الدبلوماسية والدراسات الأمنية والدفاعية بجامعة قطر. ومؤسس الخطة الدراسية لماجستير الدراسات الدفاعية بجامعة قطر. حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة مونتريال وعلى الماجستير في التخصص نفسه من جامعة لافال بكندا. حاصل على ماجستير الدراسات المعمقة في الدراسات الاستراتيجية والسياسة الدفاعية من الكلية العليا للدراسات الدولية بباريس. اشتغل سابقًا أستاذًا للعلاقات الدولية بجامعة لافال وجامعة أوتاوا بكندا، وباحثًا مقيمًا بالكلية العسكرية للحلف الأطلسي في روما، وباحثا زائرًا بمعهد أبحاث السياسة الخارجية بفيلاديلفيا بأميركا، وباحثًا زائرًا بمعهد الأبحاث في الشؤون العسكرية في سيول بكوريا الجنوبية، وباحثًا مقيمًا بالمعهد الكيبيكي للدراسات الدولية بكندا. تعاون كأستاذ منتدب مع كلية أحمد بن محمد العسكرية وكلية جوعان بن جاسم للقيادة والأركان المشتركة بالدوحة. أصدر 6 كتب من بينها 3 كتب حول الحلف الأطلسي، وكتاب حول القيادة العسكرية الخليجية الموحدة. أصدر ما يفوق 30 مقالًا علميًا محكّما في السياسة الدفاعية والاستراتيجية العسكرية والأمن القومي في مجلات علمية متخصّصة.

مقدمة

يُعدّ موضوع الدستور والسياسة الدفاعية من المواضيع الجوهرية التي تكوّن النسق البحثي للدراسات الدفاعية، بوصفه حقلًا معرفيًّا مستقلًا في موضوعه ومنهجه. ففضلًا عن أن هذا التخصص العلمي يتناول قضايا التسلّح ونزع السلاح، والعلاقات المدنية - العسكرية، والاستراتيجية والتكتيك العسكري، والتاريخ العسكري، وقانون الحرب، والاستخبارات والتكنولوجيا العسكرية وغيرها من المواضيع، فإنّه يدرس أيضًا الدستور باعتباره وثيقة رسمية يُستند إليها لفهم علاقة الجيش بالمؤسسات المدنية والمجتمع. ولقد عالجت الدراسات الدفاعية موضوع الدستور في إطار علاقة السياسة الدفاعية بالقانون من جهة، وأهمية إخضاع القوات المسلحة للسلطة المدنية باعتبارها مؤسسة تمارس العنف المشروع بتعبير ماكس فيبر[1] من جهة أخرى. كما ركزت الدراسات الدفاعية على دسترة الطابع المدني للدولة وصلاحيات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في مجال الدفاع الوطني ودور مؤسسات الرقابة غير الرسمية في صناعة القرار المرتبط بالسياسة الدفاعية.

تتطلب دراسة السياسة الدفاعية، من الناحية المنهجية، تفصيل فصول الدستور وتحليلها. وهذا ما يطلق عليه إطارًا دستوريًا للسياسة الدفاعية، إذ يتم الوقوف على ظاهر وباطن النصوص التي تتناول تفاعل مؤسسة الجيش مع المؤسسات المدنية في الدولة. من هذا المنطلق، فإن الدستور القطري لم يدرسه الباحثون من منظور الدراسات الدفاعية. ونذكر، على سبيل المثال، أن ما كتبه المتخصص القطري في هذا المجال، حسن عبد الرحيم السيد[2] لم يغطِّ الإشكاليات التي تطرحها الدراسات الدفاعية في تناولها الدساتير، باستثناء ما جاء في شرحه المادة (42) من الدستور القطري حول "حق العسكر في الانتخاب"[3]. كما أن كتاب رعد ناجي الجدة النظام الدستوري في دولة قطر، اكتفى بوصف صلاحيات رئيس الدولة (الأمير) في المجال العسكري، مثل التعيين في المناصب العسكرية والحق في إعلان الأحكام العرفية[4]. وسارت كل الكتابات التي تناولت التجربة الدستورية في دولة قطر على هذا النهج. ولعلَّ هذا النقص يبيّن أهمية توظيف المنهج البيني Interdesiplenary في دراسة القانون الدستوري من خلال توظيف أكثر من نظرية، وأكثر من منهج، وأكثر من ملاحظ في المجالات التي تلتقي فيها الاستراتيجية العسكرية مع علم القانون[5].

ضمن هذا السياق، وبناءً على تأسيس نظري حول علاقة الدستور بالسياسة الدفاعية، تأتي هذه الدراسة لتملأ الفراغ الموجود، من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة مثل: ما النصوص القانونية التي تتناول العلاقات المدنية العسكرية في الدستور القطري؟ وهل يكرّس الدستور القطري مبدأ سيادة السلطة المدنية على المؤسسة العسكرية؟ وكيف نظّم صلاحيات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في علاقاتها بالقوات المسلّحة؟ وكيف نظّم الاختصاص القضائي في القضايا العسكرية؟ وكيف يمكن تصنيف نظام القضاء العسكري لدولة قطر انطلاقًا من مقتضيات الدستور؟ وما القضايا التي لم يتكلّم عنها الدستور القطري فيما يتعلق بقطاع الدفاع؟





[1] يعتبر ماكس فيبر الدولة المصدر الوحيد لممارسة الحق في استخدام العنف واحتكار السلطة القانونية في استخدام القوة في إقليم بعينه بوصفها نمطًا من أنماط بناء شرعية الدولة. ينظر:

Karl Dusza, "Max Weber's Conception of the State," International Journal of Politics, Culture, and Society, vol. 3, no.1 (Autumn 1989), pp. 71-105.

وتعتبر الأدوات العسكرية في المفهوم الفيبري من وسائل تثبيت سلطة الدولة. فالجيش بهذا المعنى يعتبر إحدى مؤسسات الدولة، ويرتبط ارتباطًا مباشرًا بالأمن القومي للدولة فيما يتعلق بحق البقاء والحفاظ على السيادة وحماية الحدود ووحدة أراضيها؛ ولهذا، فهو يمثّل الجزء الأكبر من هيبة الدولة. عبد الإله بلقزيز، "السياسة في ميزان العلاقة بين الجيش والسلطة"، في: الجيش والسياسة والسلطة في الوطن العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2002)، ص 13-34.

[2] حسن عبد الرحيم السيد، المدخل لدراسة القانون الدستوري القطري (الدوحة: كلية القانون/ جامعة قطر، 2017)؛ حسن عبد الرحيم السيد، مجموعة الوثائق الدستورية لدولة قطر (القاهرة: دار النهضة العربية، 2010)؛ حسن عبد الرحيم السيد، "هل يملك مجلس الشورى المرتقب سلطة التشريع؟"، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، العدد 2 (2007).

[3] حسن عبد الرحيم السيد، وقفات دستورية، محاولة لنشر الثقافة الدستورية في المجتمع القطري )الدوحة: دار الوتد، 2018)، ص 258-260.

[4] رعد ناجي الجدة، النظام الدستوري في دولة قطر (الدوحة: وزارة الثقافة والفنون والتراث، 2012)، ص 170-185.

[5] Joseph Henrotin, Olivier Schmitt & Stéphane Taillat (dir.), Guerre et stratégie: Approches, concepts (Paris: PUF, 2015), pp. 25-34.