العنوان هنا
تحليل سياسات 13 أبريل ، 2020

مراجعات فيروس كورونا للعلاقات المدنية – العسكرية

إبراهيم اسعيدي

أستاذ الدبلوماسية والدراسات الأمنية والدفاعية بجامعة قطر. ومؤسس الخطة الدراسية لماجستير الدراسات الدفاعية بجامعة قطر. حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة مونتريال وعلى الماجستير في التخصص نفسه من جامعة لافال بكندا. حاصل على ماجستير الدراسات المعمقة في الدراسات الاستراتيجية والسياسة الدفاعية من الكلية العليا للدراسات الدولية بباريس. اشتغل سابقًا أستاذًا للعلاقات الدولية بجامعة لافال وجامعة أوتاوا بكندا، وباحثًا مقيمًا بالكلية العسكرية للحلف الأطلسي في روما، وباحثا زائرًا بمعهد أبحاث السياسة الخارجية بفيلاديلفيا بأميركا، وباحثًا زائرًا بمعهد الأبحاث في الشؤون العسكرية في سيول بكوريا الجنوبية، وباحثًا مقيمًا بالمعهد الكيبيكي للدراسات الدولية بكندا. تعاون كأستاذ منتدب مع كلية أحمد بن محمد العسكرية وكلية جوعان بن جاسم للقيادة والأركان المشتركة بالدوحة. أصدر 6 كتب من بينها 3 كتب حول الحلف الأطلسي، وكتاب حول القيادة العسكرية الخليجية الموحدة. أصدر ما يفوق 30 مقالًا علميًا محكّما في السياسة الدفاعية والاستراتيجية العسكرية والأمن القومي في مجلات علمية متخصّصة.

مقدمة

مثّل ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول/ ديسمبر 2019 وتحوّله إلى وباء عالمي، مادةً معرفيةً تستدعي التحليل والدراسة لفهم تداعياته على قطاع الدفاع، وعلى العلاقات المدنية – العسكرية أيضًا. فمن جهة، كان له تأثير مباشر في الصناعات العسكرية التي توقفت بعض شركاتها مؤقتًا أو دفعت بعض عمالها وموظفيها إلى العمل عن بعد عبر تقنيات الإنترنت، وإلغاء أو تأجيل معظم المعارض العسكرية التي تراهن عليها شركات السلاح في توقيع عقود جديدة بوصفها جزءًا من استراتيجيتها التجارية. ومن جهة أخرى، كان له تأثير مماثل في التدريبات العسكرية المشتركة، حيث اتخذ عدد من الدول إجراءات تقوم على منع تنقّل الجنود في الخارج والعاملين في القطاعات العسكرية، أو تقليصه، تفاديًا لالتقاطهم عدوى كورونا، باعتبار أن قوة الجيش واستمراره في أداء وظائفه يرتبطان بسلامة الأفراد المنتسبين إليه.

علاوة على ما سبق، كان لظهور الفيروس أثرٌ مباشر في تبنّي سياسات تقوم على توسيع نطاق مهمات الجيوش، لتؤدي بمقتضاها وظائف متعددة تتجاوز مهماتها الدفاعية التقليدية إلى المساهمة في تنفيذ إجراءات الحجر الصحي على بعض المناطق، أو ضبطٍ أكثر للحدود البرية والبحرية، أو الاستفادة من التجهيزات والخدمات الطبية العسكرية للجيوش ومن مستشفياتها المتنقلة، أو قيام القوات الجوية بتسخير قدراتها ومروحياتها في إجلاء المواطنين المصابين بالفيروس ونقلهم إلى المستشفى. كما ترتّب على خطط مواجهة هذا الوباء استدعاء الجيوش وإعلان حالة الطوارئ والقيام بعدد من المناورات تحت مسمى "الدفاع البيولوجي".والجدير بالذكر أن هذه التداعيات تعزّز نظرية اقتسام المسؤولية Shared Responsibility في العلاقات المدنية – العسكرية، وتقوية علاقة الجيش بالمجتمع بحكم الدور الذي يقوم به في إدراك المخاطر وفي الجاهزية للاستجابة لأي حادث أو هجوم بيولوجي. وبناء على ما سبق، تحاول الدراسة الإجابة عن سؤالين رئيسين، هما: ما تداعيات فيروس كورونا على العلاقات المدنية - العسكرية؟ ولماذا تعتبر نظرية اقتسام المسؤولية الأنسب لمقاربة التداخل بين المجال العسكري ونظيره المدني؟

وفي سبيل الإجابة عن ذلك، تفترض الدراسة أنّ وباء كورونا مثّل مرحلةَ تجديدٍ في التفكير الاستراتيجي بشأن العلاقات المدنية – العسكرية، تجسَّدت في تأكيد محدودية الطرح المعرفي للنظرية التقليدية التي تقوم على أساس الفصل بين السلطتين العسكرية والمدنية، كما عزّزت أهمية اقتسام المسؤولية بين العسكريين والمدنيين وتصاعد الأدوار غير العسكرية للجيوش في التعامل مع التهديدات الأمنية المعاصرة.